بيروت «مطبعة العرب» والرئة التي يتنفسون منها
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
كانت دور النشر في بيروت تطبع بمعدل كتاب يومياً، الآن صارت تطبع بين كتاب أو كتابين شهرياً في أحسن الأحوال، وهذا يعني أن السوق اللبناني في سبيله إلى التراجع بعدما شهد إقفال عدد من دور النشر نتيجة عدة عوامل تضافرت جميعها لتخنق هذه الرئة الحية والضرورية.
مديرة دار نشر التقيتها في بيروت ولها تجربة مثمرة في هذا القطاع تصر على أن بيروت مازالت رئة العالم العربي التي يتنفس منها، ورغم كل الكوارث والنكبات التي حلت بلبنان فسقف الحريات مقارنة بمعظم العواصم العربية يبقى الأفضل وإن تعرض لقيود وأزمات جعلته يضمر ويتراجع.
بحسب الأرقام المتداولة يوجد في بيروت 500 دار نشر تقريباً، منها ما هو مسجل في نقابة الناشرين بنحو 109 دور، وانخفض هذا الرقم إلى حوالي 50 داراً منذ أزمة 2019.
لكن بيروت تبقى مشعة بتميزها في هذا الجانب فمركز دراسات الوحدة العربية على سبيل المثال حصد جائزة أفضل دار نشر عربي في معرض القاهرة للكتاب مؤخراً وهو نتاج فكري يصب في مصلحة الناشرين ولبنان عموماً.
القطاع طور نفسه بأسلوب النشر فتجد مجموعة لا بأس بها من هذه الدور التزمت بـ»دورة عمل» جعلتها من أساسيات العمل، واشتغلت بـ «SYSTEM»» متكامل بحيث اختارت لجاناً للتقييم وقراءة النصوص، فإذا ما حاز الكتاب الموافقة المبدئية تنتقل إلى المرحلة الثانية والمتمثلة في عقود النشر، وأيضاً كيفية إعادة قراءة النص ومراجعة الهوامش والالتزام بقواعد النقل والاقتباس، وهذا بخلاف المراجعة التحريرية وقواعد النحو والصرف وتصحيح الأخطاء اللغوية.
هنا تأتي المصاعب، فعدد من دور النشر يتلقى سنوياً ما بين 200 إلى 300 عرض كتاب للنشر، يتم مراجعتها بعد عمليات الاعتذار والتصفية والرفض.
وبحسب المهتمين وأصحاب الشأن كانت دور النشر في بيروت تطبع بمعدل كتاب يومياً، الآن صارت تطبع بين كتاب أو كتابين شهرياً في أحسن الأحوال.
هذا يعني أن السوق اللبناني في سبيله إلى التراجع بعدما شهد إقفال عدد من دور النشر نتيجة عدة عوامل تضافرت جميعها لتخنق هذه الرئة الحية والضرورية.
وفي غياب دعم حقيقي من الدولة، كان السؤال: من أين يأتي الدعم؟ هناك مراكز بحثية وفكرية ودور نشر تتبع لدول خليجية وغيرها، وهذه تستطيع أن تغطي تكاليفها ومصاريفها كاملة، بعكس عدد لا بأس به من دور النشر التي وجدت نفسها تصارع من أجل البقاء والاستمرار.
وإن بدت ملامح الانفراج قليلاً بعد افتتاح عدد من معارض الكتب في العالم العربي وعودة التعافي من جائحة كورونا.
أهم المشاكل التي تعانيها دور النشر اللبنانية وبعضها تشترك فيه مع دول عربية كثيرة وتشمل الجميع تقريباً لكن بنسب مختلفة:
أولاً: ارتفاع أسعار الدولار أدى إلى زيادة أسعار الكتب عشرات الأضعاف، وهذا ما انعكس سلباً على المبيع والترويج وضعف الإقبال.
ثانياً: الزيادة في ارتفاع أسعار الورق لدى المطابع بحيث تحولت هذه الأسعار إلى ما يشبه وضع البورصة، كل يوم قابلة للتغيير وليس هناك شيء ثابت مما يترتب عليه ارتفاع التكلفة.
ثالثاً: إقفال بعض أسواق الخليج بوجه دور النشر اللبنانية ومضاعفة أسعار النقل والشحن وإغلاق عدد من المعابر بحجة الرقابة والمنع… وعبارة «اطلب من هذه الدار عدم إضافة عناوين الكتب التالية» بعد أن يتلقى المسؤول قائمة العناوين المشاركة في المعارض.
رابعاً: دخول عصر الكتاب الإلكتروني فتح سوق القرصنة والتزوير وسرقة الحقوق مقابل غياب القوانين الرادعة لصون الملكية الفكرية.
خلاصة الأمر أن الناشر والكتاب اللبناني يعيش أزمة طاحنة في ظل غياب الدعم والاهتمام الذي يستحقه الكتاب العربي… خسارة أن تفقد بيروت هذا «الدور التنويري».