لبنان! إلى الفوضى دُرْ
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
رواية مغترب!
قال لي أحد المغتربين: أنه يُحبِّ لبنانَ كثيراً، ويعشقُ الفوضى في هذا البلد!!!
فهنا يمكن أن تفعل ما تشاء؛ من مخالفات للقانون، وتهرّب ضريبي، وتهريب، وتزوير، ورشوة، وتبييض أموال، و زراعة حشيشة، وتعاطي مخدرات والاتجار بها، وحتى يمكنك تشكيل فريق حراسة ومرافقين، مدججين بالسلاح، يفتحون لك الطرقات، ويضربون كل من يقف بطريقك، ويقتلونه إذا اقتضى الأمر.
هذه الفوضى المدهشة تجعلك تشعر بالحرية، وتتفلّت من عِقال كلّ القيود، وهذا شعور غرائزي جامح، يُرضي الشيطان القابع في أعماق كلّ نفسٍ، ولا يمكن لأحد مقاومته.
فكرة خلّاقة!
الفوضى بدل القانون، والزعيم بدل المؤسسات، والأحزاب والطوائف بدل الدولة.
يا لها من فكرة خلّاقة لتدمير الدولة الوطنية، وخلق بيئة حاضنة للصوص والسماسرة وقطاع الطرق والإرهاب،
ومَنْ يحتاج في بلادنا العربية إلى دولة؟؟؟
فالدولة وُجدت لتخدم مصلحة الشعب، وهي تضرُّ بمصالح كل هؤلاء، وتحدُّ من نفوذ زعماء العشائر والطوائف والأحزاب.
إلى الفوضى دُرْ!
إصرار من زعماء لبنان على الفراغ في المؤسسات!!!
فراغ في رئاسة الجمهورية، وفراغ في منصب حاكم مصرف لبنان، وفراغ في المؤسسات الأمنية، وتعطيل للقضاء ولكل مرافق الدولة.
تدمير للتعليم، خاصة الرسمي، وتدمير للادارات، وحملة شعواء على رواتب القطاع العام، الذي أصبح موظفوه أفقر موظفين في أغلى دولة في العالم!!!
فالأستاذ الجامعي، والعميد في القوى الأمنية، راتبه لا يوازي 350 دولاراً فيما تحتاج العائلة إلى ألف دولار كحد أدنى لتأمين أبسط مستلزمات العيش.
فواتير الكهرباء الثنائية، والأنترنت، والهاتف، والمياه، والرسوم البلدية، والتكاليف، وغيرها زادت أكثر من عشر مراتٍ، أما الرواتب فتراجعت قيمتها ١٢ مرة.
المدخول الشهري لصاحب دكان أو صالون حلاقة، في المدن اللبنانية، يتراوح بين الف وثلاثة آلاف دولار، وأصحاب المطاعم يجنون أكثر بكثير، فوجبة غداء في مطعم تبلغ أكثر من 20 دولاراً للشخص الواحد.
وكل هؤلاء لا يدفعون الضرائب المتوجبة عليهم، وإذا أضفنا إليهم مستثمري الأملاك البحرية، والتجار ومخالفاتهم ووكالاتهم الاحتكارية، وأصحاب الشركات، والمهربين والسماسرة، وعدم دفع الضرائب للدولة، ستجد أننا في بلد منهوب دون حسيب أو رقيب.
أمًا الموظف فراتبه بات لا يعادل راتب عاملة منزل في بيوت هؤلاء، ورغم ذلك يتبارى خبراء اقتصاد الشاشات في مهاجمة رواتب القطاع العام!!!
فكيف سيعمل موظف، بأمانة وإخلاص، وراتبه لا يكفي لسد جوع أطفاله؟؟؟
لا تتعلم!!! دع المدرسة واعمل بأي شيء، وهاجر واِرضَ بأي وظيفة، حتى لو عامل نظافة!!
المهم هاجر وارسل الدولارات إلى عائلتك وذويك في لبنان، وضَعْ جنى العمر في المصارف اللبنانية، وهي ستتولى إدارتها لك بكل كفاءة، وأمانة لصوص المغارة.
المطلوب جيل جاهل، تسهل على الزعماء المبجلين قيادته.
المهم أن يكدَّ ويعملَ ويُرسلَ الأموالَ، لتمتلئ بها جيوب مافيا المصارف والسياسة، وتجار الطائفية والخطابات الرنانة.
تشريع الفوضى بدأ، فالبلد يُدار بحكومة تصريف أعمال، والمؤسسات تُدار بالوكالة، وسيستكمل المجلس النيابي “النُقل بالزعرور” أي بقانون ما يسمى “كابيتال كونترول”، الذي في حقيقته تبرئة للمصارف وشركائهم، ومنع المحاكمة عنهم، وتعميم لمبدأ السرقة والفساد والفوضى الخلاقة.
ليس هذا فحسب، بل البعض يتحدث عن سيناريو أمني ساخن، يقود إلى فرض واقع جديد في لبنان، ووفق هؤلاء فإن الأمور عالقة في عنق الزجاجة، ولا حل بغير الكسر، أو العودة إلى الاحتباس داخل زجاجة الاختناق الاقتصادي، الذي سيقود حتماً بعد مدة إلى الانفجار.
في رحاب الفوضى!
نعم يبدو أن ليس هذا المغترب وحده يكره أن تُطبّق عليه القوانين، وتجعله الأنظمة مساوياً لأي مواطن آخر، كما في بلاد الغرب، بل إن كل المسؤولين اللبنانيين، من وزراء، ونواب، وسياسيين، وكبار الموظفين، وتجار، وأصحاب مؤسسات وشركات، ومتمولين، باتوا يعشقون هذه الفوضى، ويستمتعون بالعيش في رحابها خالدين آمنين، وأصبح شعارهم:
“عاشت الفوضى، وليَمُتْ القانون، لا بل ليَمُتْ الشعب والوطن، ولتحيا الطائفة والزعيم”
افتخر انت لبناني.