خريف نوري المالكي.. وما بعده!
بقلم: رجا طلب

النشرة الدولية –

من استمع للتسجيلات الصوتية المسربة لنوري المالكي مع قيادة ما يسمى كتائب «ائمة البقيع» والتي هي جزء من تنظيم أكبر يسمى «أمة الأخيار» الذي يتزعمه مرجع شيعي يسمى «آية الله الميرزا»، يدرك أن نوري المالكي ما زال يتضور جوعا للعودة إلى السلطة وبأي طريقة كانت حتى لو كانت عبر السباحة في بحر من الدماء، فالرجل في تلك التسجيلات يتحدث عن حرب دموية قادمة، ويحرض على الحشد الشعبي الموالي لإيران، كما همز ولمز تجاه المرجعية والسيد السيستاني، وتحدث عن الحرس الثوري باعتباره ضمانة أساسية لدعم المعسكر الشيعي وليست «اطلاعات» أي ?لمخابرات الإيرانية.

 

في تلك التسجيلات من السهل اكتشاف أن المالكي يعيش حالة من عدم التوازن والتناقض والتخبط، لذا أعتقد أن الرجل يمر بمأزق مركب «نفسي وسياسي» مع بدء تلمسه دلالات أنه أصبح ورقة ساقطة انتهت بانتهاء حقبة (أوباما _ هيلاري كلينتون) وانتهاء «فيلم داعش الدموي» ونتائجه والذي شارك في إعداده وإخراجه، وقد أشرت في مقال لي هنا في الرأي بتاريخ 18/ 7/ 2022 تحت عنوان «فضائح أوباما… لماذا لا يُحاكم» إلى تلك العلاقة التي ربطت إيران بأوباما والدور الذي أنيط بالمالكي وقتها، وفائض القوة التي مُنحت له للقيام بهذا الدور.

 

وبحكم الزلزال «السيكولوجي» الذي أصاب حياته ونقله من شخص مغمور فقير الحال والقيمة، ولا حضور له إلى حاكم لبلد عظيم بحجم ومقدرات العراق وبغطاء من طهران وواشنطن، بحكم هذا الوضع لم يستطع المالكي بعد سنوات من خروجه من المشهد تقبل حقيقة أن دوره انتهى، ولا يدرك «أبو اسراء» أنه كان مجرد أداة لا أكثر ولا أقل، وفي التسجيلات المشار إليها لمست شخصيا محاولته كسر وتحطيم حقيقة أنه «انتهى» من خلال التحريض والتطاول على مقتدى الصدر وجعله ندا له، واتهامه للصدر بأنه بات بوابة لتقوية السنة العرب والكرد على حساب الشيعة في المعاد?ة الداخلية العراقية، وذهب إلى ما هو أخطر بحيث دخل على خط تصنيف الأجهزة والقوى والمؤسسات داخل إيران التي تدعم السيطرة للمعسكر الشيعي في العراق معتبرا الحرس الثوري هو الجهة «المؤتمنة» على هذه الأجندة، واستصغر دور المخابرات الإيرانية، وهو تصنيف مزعج جدا لدولة شمولية أوتوقراطية مثل إيران لن تتساهل مع هكذا جرأة عليها.

 

المالكي وبتقديري يخوض معركة البقاء بأي ثمن وعلى أرضية المعادلة الصفرية، فهو مغامر ومقامر سياسيا، وخروجه بعد اقتحام أنصار مقتدى الصدر للمنطقة الخضراء شاهرا سلاحه، يدلل على أنه يتسلح بعقلية الديكتاتور الذي سُلبت منه السلطة، ويحاول الايحاء بنوع من القوة والرجولة.

 

المالكي لم يستوعب إلى الآن مغزى اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وكيف أن واشنطن وطهران تتخلصان من أدواتهما بعد انتهاء مهام تلك الأدوات، سواء أكانت تلك المهام بالاتفاق المباشر مع كل طرف منهما أو غير المباشر من خلال التقاء المصالح.

 

في محاولتي لاستشراف ما يجري في العراق امل ان لايكون القادم هو مزيد من الفوضى، والتي قد يرافقها مزيد من الدمار والضياع، وكنت أعتقد أن إدارة بايدن وريثة إدارة أوباما لديها أجندة جديدة للمنطقة وتحديدا العراق الذي تحول بسببها إلى (مختبر) لكل أنواع الفيروسات السياسية والأمنية وتحديدا بعد أن مُنحت إيران بسبب مشروع «داعش» السطوة الكاملة، فالعراق اليوم هو أحد أهم أوراق إيران على الإطلاق في المفاوضات بشأن البرنامج النووي وبشأن نفوذها الإقليمي.

 

واشنطن العاجزة عن استرداد هيمنتها التقليدية على المنطقة تتركها لإيران وتركيا والاحتلال الإسرائيلي!

 

وعلينا انتظار المفاجآت التي ستأتي إما من خلال صدام المصالح بين هذه القوى الثلاث، أو التوافق بين البعض منها، وأي نتائج تنتج عن ذلك لن تكون لصالح العرب.

زر الذهاب إلى الأعلى