النشرة الدولية –
لبنان 24 –
هي المرّة الأولى التي أزور فيها مدينة طرابلس كسائحة، وليس كصحافية لتغطية حوادث واستحقاقات انتخابية. يقول القيّمون على تنظيم جولة الإعلاميين بين معالم المدينة، إنّ طرابلس لم تأخذ حقّها على الخارطة السياحية للبلد، وأنّ التسويق السياحي للبنان تجاهل وجه طرابلس السياحي الفني الثقافي والتاريخي، وهم في ذلك محقّون، بدليل أنّنا كإعلاميين نتناول أخبار المدينة من الزاوية الأمنيّة، ونادرًا ما نخصّص مساحات للإضاءة على تلك الأيقونة السياحية الخلّابة، المعروفة باسم الفيحاء أو”تريبوليس – Tripolis” المدينة المثلثة بالتسمية اليونانية.
إذا كنت سأعكس مشهدية المدينة التي عاينتها، طيلة يوم أمضيته بين ربوعها، إلى جانب زملاء من كافة المحطّات الإعلاميّة المحلّية والأجنبية، برعاية وزارة السياحية ودعوة شركة “الصمد للاستثمار السياحي” ومركز العزم الثقافي، ضمن فعاليات “عنا الحلا كلو”، سأحتاج حتمًا إلى صفحات كثيرة، ليس لأتحدث عن المعالم السياحيّة الأثريّة والطبيعيّة، رغم عظمتها وتنوعها، بل لإصف ذاك المواطن الطرابلسي، تحديدًا الصناعي، الحرفي، التاجر، المنتج والمجتهد، وهو كنز المدينة، تمامًا كتراثها وآثارها التاريخية ومقوماتها الثقافية والإقتصادية.في صلابته يشبه قلعتها المتماسكة المحصنّة رغم جولات التآمر والإهمال.في حسن ملقاه وروحه الطيبة يشبه مشهدية الميناء التي تجذبك للبقاء أكثر مستمتعًا بجمالية الكورنيش البحري وتلك الإطلالة على الشرق والغرب.في براعته وما تنتج يداه من صناعات وحرف، رغم التقصير في تبنّي الصناعات المحليّة ودعهما، تراه يتآلف مع أجداده الذين تعاقبوا على تلك المدينة، وتركوا آثار تجارتهم بين أحجار وأرصفة تلك الأسواق القديمة.
أكثر ما يجذبك في طرابلس، أنّها تجمع البحر والجبل والتاريخ في جغرافيا واحدة، فهي مدينة فينيقيّة تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام واقعة على البحر الأبيض المتوسط، تعاقبت على مسرحها التاريخي حضارات عديدة، من الفينيقيين مروراً بالرومان، والبيزنطيين، والعرب، والفرنجة، والمماليك، والعثمانيين. يظهر ذلك في قلعتها في تلة أبي سمرا المطلّة على نهر قاديشا، لا زالت قائمة حتّى يومنا، وهي واحدة من أكبر وأضخم القلاع في لبنان بطول 130 متراً وعرض 70 متراً، ومن أروع القلاع على المتوسط، في الجزء العلوي منها إطلالة استراتيجية خلاّبة. أما جزر طرابلس فمشهديّة استثنائيّة، كموطن للنبات والطيور، جزيرة النخيل أحداها، وهي مُدرجة في قائمة اليونسكو للمحافظة على التراث العالمي منذ عام 1992.
جولة بحرية مُمتعة على متن القوارب الراسية هناك، تتيح للسائح التأمل في المناظر الطبيعيّة الخلابة المُحيطة بالجزيرة.
الجامع المنصوري الكبير أقدم مساجد المدينة
في ربوع المدينة أكثر من 160 معلمًا تاريخيًا متنوعًا بين المساجد والكنائس والأسواق والمدارس والحانات، زرنا القليل منها طيلة يومنا السياحي، وقد أتيح لنا زيارة جامع المنصوري الكبير في قلب المدينة، أقدم مساجد المدينة والشاهد على عظمة العمارة القديمة، والذي لا زال حتّى يومنا يستقبل المؤمنين والزوار. أمّا زيارة الأسواق القديمة فلها نكهة أخرى لما تجسّد من سحر الشرق، حيث تلاقيك الروائح الطيبة المنبثعة من محال بيع الحلويات الشرقية على أنواعها، وقد تذوّقنا بعضها. رائحة العطور في المكان ترشدك إلى خان الصابون، لتتعرف على ما يمكن لزيت الزيتون فعله، وكيف تحوّل إلى منتجات جمالية. أما القصور المملوكية والزخارف الأندلسيّة، وعشرات المعالم الأثرية الأخرى، التي تصادفها أينما تجوّلت في طرابلس فتحتاج إلى أيام وأيام لزيارتها والإستمتاع بسحرها.
البداية من معرض رشيد كرامي الدولي، تلك البقعة الجغرافية من تصميم المهندس المعماري البرازيلي العالمي الشهير أوسكار نيماير عام 1962، تتجاوز المفهوم المتعارف عليه للمعارض، لتجسّد تحفة عمرانيّة تاريخيّة وقيمة ثقافيّة اقتصاديّة، وهو من ضمن المواقع المرشّحة لقائمة التّراث العالمي على لائحة الأونيسكو. دور المعرض الطبيعي كوجهة للتجارة في المنطقة، مغيب، على رغم القيمة الإقتصادية لهذا الصرح الهندسي الإستثنائي، الذي تصل مساحته إلى مليون متر مربع.
معرض رشيد كرامي الدولي
ختامها مسك في مركز العزم الثقافي، حيث تمّ افتتاح مهرجان طرابلس السياحي وتخلله معرض تراثي وحرفي رائع، شارك فيه رسّامون مبدعون عرضوا لوحاتهم، كما شاركت جمعيات وهيئات طرابلسية ولبنانية. يومنا الطرابلسي اختتم بأمسيّة جميلة في مسرح مركز العزم، حيث أبدعت فرقة “كورال الفيحاء الوطني اللبناني” وسحرت الحاضرين، فعلى التصفيق إعجابًا وتقديرًا.
تستحق طرابلس، بلا منازع، لقب لؤلؤة السياحة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وهي تستقبل زوارها ضمن فعاليات موسم السياحة في طرابلس الذي بدأ في 15 آب ويستمر لغاية 15 أيلول. زوروا المدينة واستمتعوا بسحرها الفريد ومشهديتها الجماليّة.