يوم في حياة اللبنانيين
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

لا أعني بـ «حياة اللبنانيين» طبقة الخمسة في المئة من الميسورين وتجار الدين والحروب والمشتغلين بالسياسة القذرة…

 

أستبعد المغتربين الذين ملأوا الفنادق والمطاعم والمسابح والساحات، فهؤلاء لديهم حنين وارتباط بأرضهم وأهلهم وبلدهم جاؤوا وفي ذهنهم مبالغ من الدولارات سينفقونها خلال إجازتهم بدون الاعتبار للكارثة الاقتصادية والسياسية التي يعانيها البلد.

 

الذين نعنيهم هم الطبقة المسحوقة، سواء من موظفي القطاع العام أو الخاص والذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، وحتى الطبقة المتوسطة والتي باتت على حافة الفقر.

 

من أعنيه هو كل من يعتمد في قوت يومه ومعيشته على راتب يتحصل عليه بالليرة وليس له معين أو سند يُحوِّل له المال من الخارج أو حزب يدعمه وما أكثرهم، أي أولئك الذين يشكلون الطبقة الأوسع من اللبنانيين، وهم تحت خط الفقر.

 

تركت صورة لبنان الرائعة بجمال طبيعته الربانية والمناطق الجبلية «الغاية» في الجمال والروعة، تركت المشهد المؤلم لإغلاق أشهر مكتبة في تاريخ لبنان الثقافي، وهي «مكتبة أنطوان» في الأسواق، دون أن يرف جفن لمسؤول عن هذا الضمور الثقافي الذي تتوالى صوره، لأتحدث عن يوميات اللبنانيين «الغلابة».

 

تركت الصرخات الموجعة التي تسمعها من الأمهات والثكالى ضحايا تفجير مرفأ بيروت وحديث البلد عن المافيات والعصابات التي تتحكم في مصائر الناس، فهذه المافيات تبدأ من الرأس وتصل إلى الميليشيات وعدد من «تجار الأزمات» والذين يحتكرون المواد والأدوية وصولاً إلى خدم المنازل وحتى تمديد خط الاشتراك بموتور الكهرباء، فكل شيء في هذا الخصوص موزع بين من ينوب عن أصحاب الأمر الواقع.

 

وقفت أمام محل صيرفة، وإذ بسيدة خمسينية ترفع يديها إلى السماء وهي تدعو… يا رب تجيب لنا الكهرباء، يا رب تنزل سعر الدولار، يا رب ما يقطعوا عنا رغيف الخبز، أكملت طريقي وأنا أفكر في تلك السيدة التي يوجد ما يشبهها بالآلاف… إلى أين يسير لبنان وكيف الخلاص من هذه «الأزمات الوجودية» والتي أصبحت حقيقة وليس قولاً مثل الجحيم أو اقتربت من «جهنم» التي وعد بها فخامته؟!

 

ما إن يصحو هذا المواطن الغلبان مع كل صباح حتى تتزاحم في رأسه هموم اليوم، كيف سيتدبر أمره؟ يفكر في ربطة الخبز، كيف سيحصل عليها وبأي سعر ستباع؟ بعد أن هيأت الحكومة هذا الشعب لرفع الدعم عن الخبز لتصل سعر ربطة الخبز إلى 30 و40 ألف ليرة، ويعلق أحدهم على هذا الوضع مترحماً على ماري انطوانيت عندما خاطبت شعبها ونصحته بأكل البسكويت! حقيقة منظر مذل أن ترى مواطناً في طوابير الانتظار من ساعات الفجر أمام الأفران أملاً في أربعة أرغفة من الخبز لسد رمق أسرته وأبنائه!

 

وإذا عزم على الخروج من بيته إلى العمل أو السوق أو الجبل، يبقى مهموماً بسعر تنكة البنزين، والتي لا سقف لها أمام صعود أسعار النفط العالمية، والثمن الذي سيدفعه بالليرة! ولذلك ترى وزارات ومؤسسات الدولة مغلقة في معظمها لأن هذا الموظف سيدفع نصف راتبه الشهري على الأقل في كل مشوار أو مكان سيذهب إليه، ولهذا يفضل البقاء في منزله، وعنده أولويات العيش تسبق تعبئة البنزين للسيارة.

 

يدور حول نفسه في اللحظة التي يحتاج فيها إلى قنينة غاز وهو عبء إضافي سيكون مكلفاً جداً على رب أسرة تعتمد على راتب واحد يتقاضاه الأب أو العائل وبالليرة.

 

ما إن يستريح قليلاً في يومه حتى تطارده قصة الكهرباء وعلى مدار الساعة، فلا الدولة تؤمن له الطاقة، ولا الاشتراك عن طريق المولدات قادر على أن يدفعه، وقد يصل في الشهر إلى أربعة أو خمسة ملايين ليرة.

 

في يومه منغصات لا تنتهي، من الشكوى والتذمر، فلا مياه تصل إليه كبني البشر، وإذا مرض أو احتاج إلى دواء فهنا المصيبة أكبر وأعظم، هذا على افتراض أن الدواء موجود في الصيدليات.

 

أحد التجار في مدينة بيروت يحاكي أصدقاءه الذين يتجمعون عنده: أينما كان العالم يعيش في نعمة إلا في لبنان… لقد فقدنا الأمل في الغد، نحن نعيش ليومنا ولا نعرف ماذا يخبئ لنا اليوم التالي!

 

لبنان في دائرة الإعصار، كيف سيخرج منها ويعيد البناء والأمل في التغيير الحقيقي، أسئلة في علم الغيب والله بعون هذا البلد وأهله.

زر الذهاب إلى الأعلى