التحالف العربي يعبر المتوسط إلى أوروبا
بقلم: وليد فارس
القيادات الحالية تتقدم بثبات في عملية تغيير المعادلات لمصلحة أمن واستقرار وسلام شعوب الشرق الأوسط
النشرة الدولية –
تابع مراقبو الشرق الأوسط في واشنطن وبروكسل زيارتي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى أثينا وباريس خلال الأسابيع الماضية في ما حملته من رسائل إقليمية ودولية، لا سيما في الوضع الراهن من حرب روسية في أوكرانيا وتصرف إيراني في المنطقة وأوضاع اقتصادية دولية. أضف إلى ذلك زيارة رئيس الإمارات للعاصمة الفرنسية ولقاءات قيادات التحالف العربي مع مسؤولين دوليين، هذا التحرك لقادة الدول العربية المعتدلة التي تواجه الإرهاب، وتقوده دولياً الرياض، بات ديناميكية جديدة تستحق التوقف عندها وتحليلها، لما فيها من مبادرات سريعة في معادلات معقدة. فما يمكن أن نرى فيها، على الأقل من واشنطن.
المحور السعودي اليوناني
كما كتبنا منذ أشهر التقارب السعودي-اليوناني كان يتهيأ على نار خفيفة منذ بضع سنوات إلا أن أفضل توقيت للتوافق على أجندة مشتركة بات الآن بحسابات محمد بن سلمان الدقيقة، هذا التقارب كما يُنظر إليه من واشنطن تطور في مراحل. المرحلة الأولى بدأت
بشكل غير مباشر عبر تقارب مصري-إغريقي بسبب الحرب في ليبيا ونتائجها في شرق المتوسط بعد أن شنت ميليشيات الإخوان حملة ضد الجيش الوطني الليبي وحليفته مصر، واستدرجت تركيا للانزلاق في الرمال الليبية. ووقفت اليونان مع مصر لحماية مصالحهما في البحر المتوسط لناحية احتياطيات الغاز الهائلة والتصدي لنفوذ المتطرفين. ووقفت المملكة وراء التفاهم المصري- اليوناني كجزء من سياسة مكافحة التطرف في المنطقة. وتبعت ذلك مناورات بحرية مشتركة مصرية- يونانية- قبرصية، وتبعتها مناورات يونانية- إماراتية جوية، أيدتها الرياض، فمناورات جوية سعودية – يونانية جوية ثبتت قمة الشراكة الاستراتيجية بين التحالف العربي بقيادة السعودية واليونان عضو الحلف الأطلسي. تلت ذلك زيارات قيادية يونانية إلى المملكة والمنطقة لتعزيز العلاقات الثنائية والإقليمية.
وتأتي زيارة ولي العهد إلى أثينا الأسبوع الماضي لتختم المحور السعودي-العربي-اليوناني بالشمع الأبيض، أي بما معناه أن التحالف العربي قام بإنزال دبلوماسي استراتيجي شمال البحر المتوسط على أرض أوروبية عريقة في حركة ذات معنى تاريخي، إذ إنها أقامت كتلة عربية-هيلينية واسعة من حدود البلقان إلى المحيط الهندي، مع نتائجه العسكرية والتجارية وحتى الثقافية. فقيام محور “عربي- بيزنطي” سيوازن الخطر الخميني وإلى حد ما التحدي “النيو-عثماني”. وأمام هذا المشهد كسبت الرياض والقاهرة وعواصم التحالف الأخرى ثلاثة تطورات.
أولاً، بشكل غير مباشر، استفاد التحالف العربي-اليوناني من قوة ورصيد “الجبهة الإبراهيمية” بسبب التواصل الإماراتي-اليوناني-الإسرائيلي. فلليونان وإسرائيل قاعدة سياسية قوية في واشنطن مدعومة من جاليات يونانية ويهودية واسعة. وبهذه الطريقة انتقلت السعودية ودول التحالف لاكتساب قاعدة داخلية حليفة غير محسوبة داخل أميركا وبشكل غير مباشر، إذ للمرة الأولى في التاريخ الحديث رأيت شخصيات وكتاباً أميركيين يهوداً ويونانيين يمدحون “السعودية الجديدة” وحلفاءها الإماراتيين والمصريين، داخل وطن العم سام.
ثانياً، من الطبيعي أن يؤثر ميزان القوى الذي أحدثه المحور السعودي-العربي- اليوناني في حسابات أنقرة. فبتنا نشاهد الحكومة التركية تخفف حدة التوتر مع حكومات التحالف العربي من القاهرة إلى الرياض فأبو ظبي إلى خفض المواجهة في ليبيا إلى زيارة الإمارات وتتويج العلاقة الهادئة الجديدة عبر زيارة ولي العهد السعودي إلى تركيا. فالرئيس أردوغان درس بدقة التوازنات الإقليمية، لا سيما بعد انفجار حرب أوكرانيا وقرر تسويات عقلانية.
ثالثاً، أدت زيارة الأمير السعودي إلى أثينا والاستقبال اليوناني الحافل إلى تأثير آخر غير محسوب، وإن كانت نتائجه ميكروسكوبية في الطوائف الأرثوذكسية الشرقية المقيمة ما بين إيران والعراق وسوريا فلبنان وحتى الأراضي الفلسطينية. فلليونان تأثير تاريخي في كنائس “الروم الأرثوذكس” وهذه الأخيرة قد تعرضت لحملات بروباغندا إيرانية لتعبئة هذه الجاليات ضد السعودية منذ الربيع العربي. وإذ بالمشهد من اليونان الأرثوذكسي يؤثر في كنائس الأرثوذكس ويضعف التسلط النفسي الخميني عليها.
المحور السعودي – الفرنسي
وبعد أثينا وصل محمد بن سلمان إلى قصر الإليزيه في باريس في ضيافة الرئيس ماكرون. فرنسا هي العضو الدائم في مجلس الأمن والقوة النووية ذات الأسطول الزائر دائماً لأفريقيا وأوقيانيا الموجود في المتوسط. وهي صاحبة حق النقض في الأمم المتحدة، وبالطبع هي الدولة الأطلسية المشاركة في قرارات “الناتو” الكبرى. فما هي المواد على الأجندة المشتركة بين الطرفين؟ معظم الملفات توحد المواقف بين المملكة والجمهورية الفرنسية إلا ملفاً واحداً.
- الأهم بالنسبة إلى الأمن القومي الفرنسي هو الإرهاب “الإسلاموي” والآلة التي تنشر العقائد المتطرفة في الداخل الفرنسي وشمال أفريقيا والشرق الأوسط. ومَن غير الأمير بن سلمان الذي أطلق أكبر حملة إصلاح فكري ومواجهة مع الراديكاليين الإسلامويين من قلب أرض الحرمين الشريفين، بإمكانه مساعدة فرنسا والغرب على التخلص من هذه الآفة؟ ففرنسا ستحصل على خبرة السعودية وسلطتها المعنوية في العالم الإسلامي، ودعم مصر والإمارات لمواجهة التطرف واستئصال جذوره العقائدية، مما سيحد انتشاره داخل أوروبا بالتالي فرنسا. القيادة السعودية باتت صديقة ضرورية لفرنسا حكومة ومعارضة.
- بناء علاقات تجارية بين الدولتين يؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية بين الشعبين. مصلحة مشتركة وتنسيق في إطار الـG20.
- مناقشة أزمة الطاقة الدولية بخاصة الغاز بالنسبة إلى أوروبا. فالسعودية هي عنوان للغرب ومستوردي الطاقة للمساعدة في حل المعضلة. وسيكون للمحور السعودي الفرنسي دور في الحوار الدولي بين المنتجين والمستوردين في معالجة الأزمة، وربما في إيجاد تصور مشترك غربي-عربي بعد قمة جدة لخريطة طريق، التوافق ضروري.
- أما الملف الذي فيه اختلاف في وجهات النظر فهو حيال إيران، إذ إن باريس المنغمسة في مشاريع ربحية كبيرة عبر “JCPOA”، هي تحت تأثير “لوبي الاتفاق النووي”، والشركات المستفيدة من العقود مع النظام الإيراني، لذلك لن يكون سهلاً على الرئيس ماكرون أن يغير سياسة حكومته تجاه إيران ولكنه لن يستطيع أن يغير موقف القيادة السعودية حيال التوسع الإيراني، لكن مراجعة التقدم الاقتصادي والاجتماعي في المملكة والمشاريع الهائلة التي يدفع بها محمد بن سلمان إلى الأمام مع الازدهار والاستثمار في الخليج بشكل عام، والقطار الاقتصادي الذي قد تخسره فرنسا إن لم تصعد عليه، سيعطي الرئيس ماكرون فرصة لإعادة التقييم في ما يتعلق بفرنسا ودورها الواعد في المنطقة.
الإنزال في أوروبا
رحلة ولي العهد السعودي إلى أوروبا وبدعم التحالف العربي كانت بمثابة “إنزال دبلوماسي نفسي” داخل الغرب. فبعد قمة جدة مع الرئيس الأميركي على البحر الأحمر وطدت القيادة السعودية-العربية جسرها مع اليونان عبر المتوسط، ومن ثم أوصلت رسالة التحالف إلى قلب أوروبا. القيادة العربية الحالية على الرغم من كل الصعوبات وتقصير الماضي تتقدم بثبات في عملية تغيير المعادلات لصالح الأمن والاستقرار والسلام، لصالح شعوب المنطقة.