الشعوب تصنع الكاليغولا.. والخيول تعتلي البشر
بقلم: صالح الراشد

النشرة الدولية –

غادر كاليغولا العالم بشرورة التي يعجز عنها أعتى الجبابرة واسوء المرضى النفسيين، وظننا ان عصره قد انتهى وذكراه لن تعود، وفي العصر الحالي توقعنا أن ينضم كاليغولا للعنقاء والغول والخل الوفي ليصبح المستحيل الرابع، وان الخضوع الكُلي لن يعود كما خضعت روما وشعبها الذي صفق للمريض طويلاً، ليشعر كاليغولا أنه على صواب وان كل ما يقوم به من قتل وتنكيل وحُمق حق أصيل له، وان سرقته للجميع حق، فشرع قانون بأن كل من يموت تذهب ثروته للدولة، وكاليغولا هو الدولة، وعلى الجميع السمع الطاعة ومن يخرج عن طاعته فقد عصى الإله كاليغولا، ليكون مصيره محتوم وظاهر للعيان بالقتل والنهب.

وفي العصر الحديث توالد وتكاثر من هم على شاكلة كاليغولا من رؤساء وحتى موظفين في المؤسسات التي تحكم احتياجات المواطنين، وأصبح العديد منهم يعتقدون أنهم آلهة وأنهم أصحاب النصر على البحر وهم من حصلوا على الصدف، وأنهم يملكون كوكب المريخ ولم يتبقى إلا أن ينصبوا الجسر بينه وبين الأرض، وأنهم أبرز الشعراء والمطربين وسادة الخطباء وخبراء الرياضة والسياسة والفلك والاقتصاد، فكل من هؤلاء يملك داخله كاليغولا شرير صغير ينتظر الفرصة حتى يكبر ويفرض سيطرته على الآخرين.

ويتطابق فعل الكثيرين مع كاليغولا حين عين حصانه عضواً في مجلس الشيوخ، ويكثر هذا الأمر في هذه الايام وفي شتى دول العالم وبالذات المتخلفة سياسياً منها، حيث يتم تعيين العديد من “الخيول أقصد رجال لا يختلفون في فكرهم عنها” في مجالس يُطلق عليها مجالس الشعوب زوراً وبهتانا، فالحصان ليس من يأكل التبن والشعير فقط، بل هو من لا يحمل فكر ناضج للذود عن الفقراء وذوي الدخل المتوسط، ولا يملك القدرة على قراءة المستقبل، ويتواجد في موقع أكبر منه ويصفق ويهلل ويصهل لكل قرار ياتيه من مسؤول، وفي النهاية يدعي البطولة وأنه صاحب الرأي السديد والقول العتيد ليرتفع صوت صهيله في كل مكان وهنا مكمن الخطر…

وحتى لا يعتقد الآخرون أنهم أبرياء، فكل من يجد نفسه في منصب لا يستحقه أو جاء لهذه المنصب بالمظلة أو الواسطة فهو مجرد حصان لا يملك قراره، وان منصبه في الوظيفة مهما ارتقى وارتفع في أعين الناس يبقى مجرد ركوبة لكاليغولا الذي أوصله لهذا المنصب بالواسطة وقهر الآخرين، فالخيول لا يجب أن تسود على البشر وتقودهم، لأن أهم أعمالها يقتصر على حمل من أوصلوها للمناصب على ظهورها، وأن يسيروا بهم أينما شاءوا، لذا فإن مكان الخيول الحظيرة ولن تتراجع قيمة البشر حتى إن دخلوا الحظيرة، كون سيف “كاسيوس” موجود في كل عصر وكل وظيفة، لكن بطريقة مختلفة وفِعل يتناسب مع النهج الحالي.

ولا ينمو كاليغولا لوحدة بل يحتاج لجماهير جاهلة مرعوبة بلا رأي توافق على كل ما يقول حتى يسود، لنجد ان في كل موقع عمل في العالم المتخلف يتواجد كاليغولا بوجود طائعين صاغرين، وتكثر الخيول التي تقدس كاليغولا على صنيعه بأن رفعها لمكانة لا تستحقها، لذا فإن الشعوب بموظفيها الصامتين هي من تصنع كاليغولا، ودون هؤلاء المطبلين المهللين سيذوب كاليغولا كما سيذوب المسيخ الدجال، ولضمان ذوبانه علينا ان نتخلص من الدجالين الذين يسبق ظهورهم ظهور كاليغولا والاعور الدجال، لكنهم يتكاثرون ويصعب السيطرة عليهم ليمهدوا الطريق لبروز أحفاد كاليغولا ويصبح ظهور الدجال الأكبر مسألة وقت.

آخر الكلام:

لا أقصد أي كاليغولا صغير أو كبير إلا من شك بنفسه، فهو أخبر من الجميع بنفسه، فعليه البدء بتلقي العلاج قبل أن تتفاقم حالته ويصبح الشفاء أمر مستحيل.

زر الذهاب إلى الأعلى