“جسدي ملكي”…. نساء ينتصرن على سرطان الثدي ويلجأن إلى الترميم
النشرة الدولية –
رصيف 22 – ريتا بولس شهوان –
“السرطان يحسّسك أنه يتوجّه بك إلى المجهول، وعندما أصيب ثديي، الذي هو عضو بارز والتهمه، وجدت نفسي أمام خيارين: تقبّله وقبول صورتي الجديدة كما هي، واضعة نصب عيني النجاة من الموت، أو رفضه هو ونتائجه، والإصرار على استعادة صورتي القديمة التي كنت متصالحة معها”، هذا ما قالته سابين (اسم مستعار) وهي دكتورة جامعية لرصيف22.
وقد رجّحت هذه السيدة الخمسينية الكفّة للطب الترميمي، وفق ما كشفت: “كانت النتيجة الإيجابية للترميم الذي أعاد تصالحي مع ذاتي وصورتي المحبّبة لي، واتجهت نحو هذا الحلّ، فأنا كنت خائفة أساساً من مشهد الاستئصال”، مشيرة إلى أنها تصالحت مع هويتها الجسدية والنفسية الأنثوية “التي لم تخضع للبتر من جذورها مع تجربة سرطان الثدي”، على حدّ قولها.
واستدركت سابين بالقول: “إلا إنني لا أختزل نفسي بالجسد، فتجاوزت كل العقبات النفسية، وأنا أؤمن أننا نخلق في هذه الحياة ونحن نصارع الموت في كل لحظة، وهذا هو الانتصار الحقيقي وأنا أحب الحياة وأعمل للحياة”.
ترميم الثدي ليس كتكبير الشفاه
حب الحياة والكفاح يتمثل بانتصار رانيا (32 عاماً) على آثار سرطان الثدي: “أرفض اعتبار عملية ترميم الثدي كعملية تجميل”.
وتابعت بالقول لرصيف22: “من حقي التحكّم بجسدي، فهو ملكي، ولا يجوز للمجتمع أن يعتبر الثدي جزءاً يمكن الاستغناء عنه، طالما يمكن ترميمه بسهولة واستعادة الشكل الذي أريده. أريد فقط أن أتساوى بكل الفتيات بعمري اللواتي لم يصبن بالمرض سابقاً، والندوب لو أبقيتها ستذكرني كلما دخلت إلى الحمام أن السرطان هاجمني وسوف أدخل حينها في حلقة مفرغة من الأفكار”.
وتساءلت رانيا: “لمَ عليّ الإبقاء على هذه الذكرى طالما تغلّبت على المرض وأنا في مرحلة ما بعد الشفاء منه”، كاشفة أنها فكّرت في رسم وشم معيّن على بعض الندوب في حال لم تنجح عملية الترميم: “أنا صبية والحياة أمامي، ودقائقها اكتسبت معنى جديداً، وأصرّ على أن أعيش كما لم أفعل سابقاً بصورتي التي كوّنتها عن نفسي”.
“من حقي التحكّم بجسدي، فهو ملكي، ولا يجوز للمجتمع أن يعتبر الثدي جزءاً يمكن الاستغناء عنه، طالما يمكن ترميمه بسهولة واستعادة الشكل الذي أريده”
أما ريما (42 عاماً) فشكت من أسلوب المحيط وكيفية التعامل مع تبعات الاستئصال: “نصحني البعض بحشو الملابس النسائية الداخلية بجوارب، وهذا ما زاد رفضي لجسدي مع اكتسابي وزناً، فانزويت”.
وعن قرار الترميم قالت: “أعاد لي أسلوبي الجذاب في اختيار الملابس، فرميت كل الملابس الفضفاضة وعدت إلى عادة التقاط الصور والمفاخرة بأنوثتي، متحدية نظرة المجتمع… فسرطان الثدي لم يبترني كإنسان”.
شرح الأخصائي في الجراحة العامة وجراحة أمراض الثدي في مستشفى القديس جاورجيوس، عماد الحج، أن ترميم الثدي قد يكون بواسطة أنسجة الجسد نفسه، أو استعمال حشوات من خارج الجسد، وقد تُستخدم الوسيلتان معاً: “يقسم الترميم إلى آني أو متأخر، أي بعد العلاج، غير أن عدداً كبيراً من المرضى يستأصلون ويرمّمون مباشرة”.
وأوضح الحج لرصيف22 أن “الترميم الآني يتأثّر بالعلاج بالأشعة، لذا يجب زرع حشوة مؤقتة، ثم تجري عملية أخرى للتصحيح في مرحلة لاحقة”، مشيراً إلى أنه “حالياً 80 إلى 85% من العمليات الترميم تحصل بالحشوات، لأن العمليات الأخرى التي تستعين بأنسجة مكلفة أكثر ونسبة نجاحها غير عالية ومؤلمة وكبيرة”.
هل من جمعيات تتكفل بترميم الثدي؟
تتكفّل جمعية “باربرا نصار” بترميم الثدي لناجيتين من مرض سرطان الثدي سنوياً،
واللافت أن هذه الجمعية غير متخصّصة فقط بسرطان الثدي، بل تستهدف مرضى السرطان ككل.
إضافة إلى الدعم المعنوي كما الدعم المادي، يمكن المساعدة بتكاليف المستشفى والأدوية المجانية إن كانت موجودة، فضلاً عن تشكيل مجموعات دعم تثقيفية مع أطباء/طبيبات متخصصين/ات.
هناك جمعية أخرى باسم “نهاد غنطوس لسرطان الثدي”، تتكفّل بعلاج بعض الحالات غير القادرة على تأمين كلفة العملية.
في حديثه مع رصيف22، كشف وزير الصحة السابق الذي أطلق الحملة الوطنية الأكبر في لبنان للتوعية بشأن سرطان الثدي، جميل جبق، أن “الحملة توقفت في العام 2019، ولا يوجد في لبنان عدد كبير من الجمعيات المتخصّصة بسرطان الثدي”، موضحاً أن “عمل الجمعيات يشمل حملات تستهدف مريضات سرطان الثدي من خلال توفير يوم مجاني للقيام بتصوير أشعة”.
هذا ونوّه جبق أنه “قبل الأزمة، كانت وزارة الصحة تقدّم هذه الخدمة للنساء فوق الأربعين ليوم واحد، وتوقفت عن ذلك لأن الدولة مفلسة”، على حدّ تعبيره، مشدّداً على أهمية الكشف المبكر الذي هو نصف العلاج.
هل من أمل بعودة الحياة الجنسية؟
أكد مدير برنامج الصحة الجنسية المتكامل للناجيات من السرطان والصحة الإنجابية في الجامعة الأميركية في بيروت، فيصل القاق، أن “الحياة الجنسية ليست مرتبطة بالمعنى الفيزيولوجي بالثدي، إنما تأثر المرأة يحصل بسبب (التشوّه) المؤقت للجسد، كما أنه تتراجع نفسياً معنوياتها لأنها تفكر بأنها خسرت جزءاً من أنوثتها، إضافة إلى أن الإدراك نفسه بالمرض والعلاج يخفّض الرغبة ويؤدي إلى ألم خلال الجماع”.
هذا وختم القاق بالقول: “كل ذلك يُستدرك بالعلاج والمشورة والتثقيف الذي يخوّل المراة فهم ذاتها، فيكون العلاج سلوكياً ومعرفياً، يستهدف الناجية من السرطان لتدرك أن هذا الوضع مؤقت”.
الرجل وتعزيز الثقة بالنفس
شرحت الدكتورة في علم الاجتماع، ماريز يونس، لرصيف22 أنه “بعد السرطان واستئصال الثدي من المفترض أن تقدّس المرأة الحياة وتركّز على التعافي، ولكن للرجل دوراً كبيراً في تعزيز ثقة المرأة بنفسها”.
وشرحت يونس أنه في حال كان الرجال حولها داعمين في بيئة غير ذكورية، هذا يخفّف عنها ويجعلها قادرة على التصالح مع جسدها وأن تحيا حياة صحية بعد الاستئصال كنتيجة طبيعية، وتقدّس الحياة الصحية، وليس التوجّه إلى مزيد من العمليات والتعرّض للخطر.
“الحياة الجنسية ليست مرتبطة بالمعنى الفيزيولوجي بالثدي، إنما تأثر المرأة يحصل بسبب التشوّه المؤقت للجسد، كما أنه تتراجع نفسياً معنوياتها”
وتابعت بالقول: “أما إذا كان الرجل متطلباً ويشكّل عنصراً ضاغطاً خلال التجربة المرضية ويُشعرها بالنقص، بشكل مباشر أو غير مباشر، فهذا يؤدي إلى فقدانها ثقتها بنفسها”.
إذن على المجتمع أن يدفع نحو الأفكار الإيجابية عن الذات والخالية من الأحكام الذكورية، وهذا السبيل الوحيد ليتمكن الرجل والمرأة سوياً من التغلب على التجارب المؤلمة كسرطان الثدي.
هل حقاً ما زلنا نطالب بحقوق المرأة؟
حقها في نقل جنسيتها، واختيار شركائها، والنجاة من مما يُسمى بجرائم الشرف، أو إيقاف تشويه أعضائها الجنسية/ التناسلية…؟
وفي عصرنا هذا؟!
نحارب من خلال العمل مع منظمات المجتمع المدني لتسليط الضوء على وجهات النظر النسوية، ونتأكد من وصول القصص المناصرة للمرأة وقضاياها إلى الملايين يومياً، وفخورون وفخورات بأننا نناضل من أجل التغيير، ونريده الآن الآن وليس غداً.