أزمة تمويل رواتب القطاع العام والأدوية المستعصية… بالدولار
بقلم: العميد المتقاعد دانيال الحداد

النشرة الدولية –

يترنّح المجلس المركزي لمصرف لبنان أمام قضية تمويل رواتب القطاع العام شبه المعدومة بالدولار منعاً لتحلّل هذا القطاع بشكلٍ كامل، بالإضافة إلى تمويل الأدوية المستعصية والطحين وبعض احتياجات القوى الأمنية ووزارة الاتصالات وغيرها.

الخيارات المتاحة لغاية الآن كلّها سلبية، فالخيار الأول، وهو طلب تشريع من المجلس النيابي يسمح للمصرف المركزي بإنفاق ٢٠٠ مليون دولار شهرياً، لم يلاق تجاوباً من الكتل النيابية وهي محقّة، لأنّ الإنفاق سيتمّ ممّا تبقى من أموال المودعين التي انخفضت وفق المعلومات إلى ٨،٧ مليار دولار، بفعل عدم تدخل المصرف لشراء الدولارات من السوق في الأسبوع الأخير من ولاية الحاكم السابق رياض سلامة.

الهدف من هذا الخيار هو اللجوء إلى قذف المشكلة إلى الأمام بضعة أشهر، علماً أنّ إنفاق أموال المودعين بقانون أو من دون قانون هو جريمة متمادية بحقّ المودعين الذين فقدوا جنى أعمارهم بسبب سياسة الدعم المباشر وغير المباشر على حسابهم، أمّا القول بأنّ الدولة ستسدّد لاحقاً الأموال المقترضة، فهو مهزلة لا تستحقّ التعليق.

الخيار الثاني، وهو مواصلة المصرف اعتماد السياسة المالية السابقة، أي إنفاق ما تبقى من أموال المودعين من دون قانون، وهذا فعلياً سيؤدي إلى تصفير هذه الأموال في غضون سنتين ونصف على أبعد تقدير. عندها سنكون أمام أزمة اقتصادية ومالية ونقدية شاملة، أين منها الأزمة الراهنة.

الخيار الثالث، وهو إقدام المصرف المركزي على شراء فائض الدولارات من السوق السوداء، أي بمعدل ٩ ملايين دولار يومياً، وهو أمرٌ ممكن، لكنه سيؤدّي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار إلى حدود معينة مع إمكانية تدخل المصرف المركزي للجم هذا الارتفاع بين الحين والآخر.
إن هذا الخيار وعلى علّاته يبقى أفضل من الخيارين السابقين، خصوصًا أن الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني باتت تتقاضى أجورها بالدولار أو بما يعادلها بالليرة، باستثناء موظفي القطاع العام، بالإضافة إلى أنّه يحمي ما تبقى من أموال المودعين.

الخيار الرابع، وهو السير بأسرع وقت ممكن بقوانين الاصلاح التي طرحها المجلس المركزي، ولكن دون تطبيق هذه الاصلاحات في الوقت المحدد جبال من المصاعب السياسية والادارية والتقنية، وهي غير مضمونة النتائج بفعل ضيق الوقت والمصالح المتشعبة للفرقاء السياسيين.

يبقى الخيار الأخير الذي ما زال قيد الكتمان، ولم يجرؤ أحد على تناوله علانية حتى الآن، وهو بيع قسم من الذهب لتثبيت سعر صرف الدولار على رقمٍ محدد، وهذا ما يحول دون المسّ بالاحتياط الالزامي بتاتاً، ويتيح الفرصة أمام الدولة لبدء الإصلاح التدريجي، على أن يعاد تكوين الذهب المباع فور البدء باستخراج الغاز والنفط، إلاّ أن هذا الخيار غير مقبول في نظر اللبنانيين والمسؤولين ويتهيّبه الجميع، حتى لو أصبح الذهب أشبه بصنمٍ لا يضرّ ولا ينفع.

إذاً ،جميع الخيارات سيئة أو غير قابلة للتطبيق، والتجارب تؤكّد أنّ الواقع يفرض شروطه، وما كان مرفوضاً بالأمس يصبح مقبولاً اليوم….

زر الذهاب إلى الأعلى