كيف وصل نصرالله إلى تجريد معارضيه من صفة “الإنسان”؟
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

شغل مقطع من كلمة “عاشورائية” ألقاها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، في الحادي والثلاثين من تموز/ يوليو الأخير وسائل التواصل الاجتماعي، نظرًا لخطورته.

خطورة ما ورد من كلام في هذا المقطع لا تكمن في زعم نصرالله أنّ الأعمال التي يقوم بها كلّفه الله بها، فهذا ما دأب عليه جميع هؤلاء الذين بنوا عملهم السياسي على العقيدة الدينية، إذ إنّهم، في حقيقتهم، لا يعترفون بالدساتير والقوانين الوضعية التي على أساسها تقوم الأوطان، بل ينسبون شرعيتهم الى “التكليف الإلهي”.

في الواقع، إنّ خطورة ما قاله نصرالله في هذا المقطع تكمن في أنّ احتقاره كلّ من يعترض على ما يقوم به أوصله إلى ما دون الحدّ الأدنى المعقول، بحيث جرّد كلّ من يمكن أن يعترض على ما يزعمه من صفته الإنسانية.

في هذا المقطع المتلفز يعلن نصرالله، باللهجة اللبنانية العامية: “يقولون: إنت مين مكلفك؟

ليتابع، بنغمة وإيماءات تحقيرية:” حِلْ عنّي، إنتَ أصلًا إنسان؟ بتقللي إنت مين مكلفك؟ أنا الله مكلّفني.

هذا المنحى التعبيري لا يمكن إهماله ، فنصرالله الذي عُرف عنه أنّه لا يقيم أيّ قيمة لمعارضيه، وينظر إليهم من زاوية “توازن الرعب”، تجاوز نفسه، هذه المرّة، بحيث لم يعد يعتبر حتى المعترضين على ما يزعمه “أناسًا”.

ونظرة نصرالله الإحتقارية هذه سبق أن عرفتها العصور المظلمة التي أنتجت الويلات والكوارث والمجازر، حيث كان ما سمّي ب”الرجل الأبيض” يصنّف الأعراق الأخرى في مرتبة دون مرتبة الإنسان، ناهيك عن تجربة “النازية” مع الأعراق المتفوّقة والأعراق الدنيا.

ما الذي أوصل نصرالله إلى هذا المستوى من الكلام، على الرغم من أنّه يملك مؤهّلات ممتازة للتعبير الدقيق عمّا يجول في خاطره من أفكار وآراء وقناعات؟

التفسيرات التي يُمكن أن تُعطى لهذا المنحى ليست كثيرة، إذ إنّ الوقائع الميدانية تُبيّن أنّ استراتيجية “حزب الله” الرامية إلى احتواء غالبية اللبنانيين قد مُنيت بفشل ذريع، فهو يُدرك أنّ القواعد الشعبية المعارضة له على امتداد البلاد كما الفئات المعترضة عليه ضمن الطائفة التي يسيطر عليها بيد من حديد، قد تنامت، في السنوات القليلة الماضية.

ولا يقتصر الأمر على هذا المستوى، إذ إنّ نصرالله بدأ يلمس، عن كثب، أنّ تهديداته التي كانت، بالأمس، تهزّ الرأي العام، لم تعد تؤخذ على محمل الجد، وأصبحت، في بعض الأحيان، مادة فكاهية يستغلّها اللبنانيون لرسم ابتسامة تعينهم على تحمّل شظف مقاومتهم اليومية للموت.

 

وقد دفع هذا الإدراك بنصرالله إلى التحرّر من ضوابط استراتيجية الإحتواء والإنغماس في استراتيجية التحقير.

وما عبّر عنه نصرالله في هذا المقطع “العاشورائي” يُترجم التوجّه الذي طالما اعتمده “حزب الله” عبر “جيشه الإلكتروني” في التعاطي مع كلّ شخص أُطلق موقفًا مناوئًا لمواقف نصرالله.

وهذا المنحى التحقيري الذي رفع نصرالله من مستوى اعتماده ليس من علامات القوة، بل من علامات اليأس، إذ إنّه، على الرغم من كل المحاولات الحثيثة التي يبذلها بمعونة أدوات الدعاية التي يملكها وأتباعه ومؤيّديه، يبقى تأثيره هامشيًا، ففي ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، تشخص العيون الى الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين وليس الى كلمات نصرالله ومسيّرات “حزب الله”، وفي ملف “الفيول الإيراني” المجّاني، أظهرت الأدبيات الرسمية الإيرانية، أنْ لا هبة في الأفق، بل مجرّد استعداد لعقد جلسات تفاوض مع الحكومة اللبنانية للتوصّل الى اتفاق، وفي ملف التهريب الحدودي، لم تعد أصابع الإتّهام الموجّهة إليه، مجرّد “حملات افتراء، بل أضحت موثّقة، بفضل “انتفاضة السويداء” الأخيرة، وبفضل الجيش الأردني الذي يحارب مهرّبي الكبتاغون على حدوده مع سوريا.

أكثر من ذلك، فإنّ التقارير التي يتم تزويد نصرالله بها، بالإضافة الى متابعته، خلال الوقت الشاسع المتوافر له، وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، تتيح له أن يدرك عن كثب أنّ “حزب الله” في مكان وأكثرية اللبنانيين، في مكان آخر.

وعليه، فإنّه لم يبق أمام نصرالله، في محاولة جديدة منه، لفرض قواعد “حزب الله” على اللبنانيين، سوى الهجوم التحقيري على المعارضين والمعترضين، مكتفيًا برص صفوف الموالين والمؤيّدين.

في وقت سابق، كان رئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي وليد جنبلاط يُردّد أنّه ينتظر أن “ينزل نصرالله الى مستوى البشر حتى نستطيع التحدّث معه”، لكن ما حصل في الحادي والثلاثين من تموز/ يوليو الأخير أن نصرالله لم يبقَ في “مسكن الآلهة”، فحسب  بل أنزل المعارضين والمعترضين إلى ما تحت مستوى البشر، أيضًا!

زر الذهاب إلى الأعلى