الحاكم الوحيد والمطلق لـ «رحلة الدجل»
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
ثلاث محطات توقفت عندها في كتاب «الملحمة» لعبدالسلام جلود، الأولى جاءت تحت عنوان «صدام حسين واحتلال الكويت»، والثانية تصفية المعارضين الليبيين، أما الثالثة فهي تصفية القذافي للإمام موسى الصدر الذي دعاه للمشاركة في احتفالات «الثورة».
عندي حنين دائم إلى مكتبات منطقة شارع الحمراء في بيروت، لم أتوقف عن التردد إليها منذ غادرت لبنان إلى الكويت عام 1976، حتى صارت عادة متأصلة. أحدث زيارة لي كانت مع الصديق محمد القديري إلى دار بيسان لصاحبها عيسى الأحوش، والذي سبقنا إليها الأخ والأستاذ محمد جاسم الصقر صاحب التجربة الطويلة في عالم الصحافة والنشر وحبه للبنان ولبيروت وللكتاب.
وقع نظري على كتاب «الملحمة» لعبدالسلام جلود، الصادر هذه السنة عن «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات»، الكتاب يؤرخ لمرحلة الانقلابات العسكرية في العالم العربي، أقصد مرحلة القذافي وجلود ورفاقه، وهي امتداد لعقدي الخمسينيات والستينيات في مصر والعراق وسورية والسودان، وجدت فيه جرأة بتعرية نظام القذافي ونقده وتبيان الأخطاء والانحرافات التي وقع فيها هذا النظام.
عبدالسلام جلود هو شريك القذافي أصلاً، والرجل الثاني في ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969، تولى رئاسة الوزراء مدة خمس سنوات (1972-1977) أقيل عام 1992 بعد خلافة مع «الأخ معمر» واكتشاف جلود أن رفيق الدرب، يعتقد أنه بات الحاكم الوحيد والمطلق في ليبيا، هذا هو السبب الرئيسي.
أما السبب الثاني كما يروي، في مذكراته، فهو عزم القذافي على الاعتراف بإسرائيل، لأنه السبيل الوحيد لإرضاء أميركا والسماح له بإتمام «مشروع الوحدة» الذي سعى إليه! وبعدها، أي عند إنجاز هذا الحلم يعاود محاربة إسرائيل!
قصة خلافه مع القذافي، أحد الفصول المهمة، يسرد فيه تلك الرحلة التي جمعته به ومواقف مفصلية حدثت بينهما، لا سيما منذ مطلع عام 1974 عندما بدأ «الأخ معمر»، على حد قول الكاتب، «رحلة الدجل» والظهور بمظهر الزاهد في السلطة وشرع في مسلسل استقالات زائفة! وكانت هناك مجموعة من المنافقين والأتباع وموظفي الأجهزة، تقود هذا التلاعب بالجماهير، وكان الغرض من إعلان الاستقالة الزائفة في كل مرة أن يقول للشعب «إما أنا، وإما أعضاء مجلس قيادة الثورة».
سأنقل كلاماً عن كتاب عبدالسلام جلود حول عقلية وأسلوب وإدارة حكم ليبيا على يد القذافي، يقول: «كان الأخ معمر يمارس سياسة show ويفتعل البرامج والسيناريوهات للضحك على الجماهير والاستخفاف بوعيها، كان يعتقد في أعماق نفسه أنه أذكى من الجميع، وأنه يستطيع مواصلة التلاعب بالجماهير، وأنها ستردد كل ما يقوله بلا قناعة، وذلك باستخدام المهرجين والمنافقين، هكذا أصبح أي شخص يمكن أن يعارضه، أمام تهمة جاهزة، خائن، معاد للثورة، مرتد، عميل».. تلك هي صورة العقيد والأخ وريث الناصرية وقائد مشاريع الوحدة العربية!
قصص وحقائق غطت أحداثاً مصيرية امتدت من عام 1969 حتى 1992 عند خروجه بعد إقالته ولجوئه إلى إيطاليا.
ثلاث محطات توقفت عندها في الكتاب، الأولى جاءت تحت عنوان «صدام حسين واحتلال الكويت» والتي يعتبر أنها كانت «فخاً نصبته واشنطن وجرته به إلى احتلال الكويت» بعد أن زودته بأسلحة متطورة أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، وبكل ما يلزم من معلومات استخبارية، ورأى أن مؤتمر القمة العربي في القاهرة لا شرعية له لأن هدفه «تدمير الترسانة العراقية» وهذا مطلب أميركي – صهيوني – رجعي عربي! وفي الواقع فإن طرد القوات العراقية من الكويت، كما يزعم ويدعي بقوله، هو في الواقع «قرار أميركي» لا عربي والقرار كان معداً سلفاً!
الثانية: تصفية المعارضين الليبيين وبالأخص، منصور الكيخيا وزير الخارجية الأسبق، عندما تم اختطافه من الطائرة التي أقلته إلى القاهرة لحضور اجتماع المنظمة العربية لحقوق الإنسان وقامت بالمهمة المخابرات المصرية بناء على طلب القذافي وسلمته إلى السلطات الليبية.
الثالثة: تصفيته للإمام موسى الصدر، والذي دعاه للمشاركة في احتفالات «الثورة»، حيث أقدم على اغتياله، مما حدا بعبدالسلام جلود إلى تأنيبه ولومه واتهامه بقتله، فرد عليه القذافي: «هل تتهمني بقتل الصدر، اذهب وفتش عنه»… ثم عمد القذافي إلى تزوير جواز له ليذهب به إلى إيطاليا عقيد في المخابرات الليبية، يدعى محمد علي المبروك الرحيبي، توفي مؤخراً.
الكتاب «وثيقة اعتراف تاريخية» تفضح وتفصح عن انحرافات نظام بطله القذافي وزمرة المنافقين «بطانة الحكم»… وتستحق أن تقرأ لأخذ العبرة والدروس.