تقرير دولي.. طالبان تنتهج منذ إستيلائها على أفغانستان سياسة منهجة تتآكل فيها حقوق المرأة وتُشرع القمع التعسفي ضد السكان
أصدرت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما) اليوم الأربعاء تقريراً يلخص أوضاع حقوق الإنسان في أفغانستان على مدى الأشهر العشرة الماضية منذ استيلاء طالبان على السلطة.
ويلخص التقرير النتائج التي توصلت إليها بعثة يوناما فيما يتعلق بحماية المدنيين، وعمليات القتل خارج نطاق القضاء، والتعذيب وسوء المعاملة، والاعتقالات التعسفية والاحتجاز، وحقوق النساء والفتيات في أفغانستان، والحريات الأساسية والوضع في أماكن الاحتجاز. كما يتضمن التقرير توصيات لسلطات الأمر الواقع وللمجتمع الدولي.
على الرغم من الانخفاض الملحوظ في العنف المسلح بشكل عام، بين منتصف آب /أغسطس 2021 ومنتصف حزيران /يونيو 2022، سجلت البعثة 2106 ضحايا مدنيين، بما في ذلك 700 قتيل و 1406 جريح. وتُعزى غالبية الضحايا المدنيين إلى الهجمات المستهدفة من قبل جماعة مسلحة تعرّف عن نفسها على أنها “الدولة الإسلامية في العراق والشام – ولاية خراسان” ضد الأقليات العرقية والدينية في الأماكن التي يذهبون فيها إلى المدارس يمارسون شعائرهم الدينية ويديرون شؤونهم اليومية.
وقال ماركوس بوتزيل، القائم بأعمال الممثل الخاص للأمين العام لأفغانستان: “لقد حان الوقت ليتمكن جميع الأفغان من العيش بسلام وإعادة بناء حياتهم بعد 20 عاماً من الصراع المسلح. لقد كشفت أرصادنا أنه على الرغم من تحسن الوضع الأمني منذ 15 آب /أغسطس، إلا أن شعب أفغانستان، ولا سيما النساء والفتيات، محرومون من التمتع الكامل بحقوقهم الإنسانية.”
وأشار التقرير إلى أنه في حين أن سلطات الأمر الواقع قد اتخذت بعض الخطوات التي يبدو أنها تهدف إلى حماية وتعزيز حقوق الإنسان، فهي تتحمل أيضاً المسؤولية عن مجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان.
تآكل حقوق المرأة
وسلط الضوء على تآكل حقوق المرأة باعتباره “أحد أبرز جوانب إدارة الأمر الواقع حتى الآن”. فمنذ 15 آب /أغسطس، تم تقييد حقوق النساء والفتيات في المشاركة الكاملة في التعليم ومكان العمل والجوانب الأخرى للحياة العامة واليومية بشكل تدريجي وفي كثير من الحالات تم إلغاؤها بالكامل.
وقالت يوناما إن قرار عدم السماح للفتيات بالعودة إلى المدرسة الثانوية يعني أن جيلاً من الفتيات لن يكمل تعليمه الأساسي. وفي نفس الوقت، تم تقييد وصول ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى العدالة بسبب حل مسارات الإبلاغ المخصصة وآليات العدالة والملاجئ.
قال بوتزيل: “إن تعليم النساء والفتيات ومشاركتهن في الحياة العامة أمر أساسي لأي مجتمع حديث. إن عزل النساء والفتيات في المنازل يحرم أفغانستان من الاستفادة من مساهماتهن الكبيرة التي يمكنهن تقديمها. التعليم للجميع ليس حقاً أساسياً من حقوق الإنسان فحسب، بل هو مفتاح تقدم الأمم وتطورها.”
القتل خارج نطاق القضاء والعقوبات اللاإنسانية
وقالت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان إنه يبدو أن العفو الذي أعلنت عنه طالبان في آب /أغسطس للمسؤولين الحكوميين السابقين وأفراد الأمن الوطني الأفغاني وقوات الدفاع لم يطبق باستمرار، حيث سجلت ما لا يقل عن 160 حالة قتل خارج نطاق القضاء في هذا الصدد على أيدي أفراد من سلطات الأمر الواقع.
كما أعربت البعثة عن قلقها إزاء الحصانة التي يبدو أن أفراد حركة طالبان ارتكبوا من خلالها انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القضاء لأفراد متهمين بالانتماء إلى الجماعات المسلحة، فضلا عن العقوبات القاسية واللاإنسانية والمهينة وعمليات القتل خارج نطاق القضاء ضد الأفراد المتهمين بالجرائم “الأخلاقية” والاستخدام المفرط للقوة من قبل المسؤولين عن إنفاذ القانون. وشددت يوناما على ضرورة قيام سلطات الأمر الواقع بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، مضيفة أنه يجب محاسبة الجناة، وفي نهاية المطاف ينبغي منع تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
سلط تقرير البعثة الضوء أيضاً على مخاوف محددة فيما يتعلق بهيئتين داخل سلطات الأمر الواقع – وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمديرية العامة للاستخبارات.
وقالت إن العديد من التوجيهات الصادرة عن وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحد من حقوق الإنسان والحريات للأفغان، ولا سيما النساء والفتيات. على الرغم من أن مثل هذه التوجيهات تأتي على شكل توصيات، إلا أن أعضاء سلطات الأمر الواقع اتخذوا مواقف قاسية بشأن تنفيذها في بعض الأحيان، بما في ذلك تنفيذ عقوبات جسدية على الانتهاكات المزعومة لتوجيهاتهم.
كما عرف مسؤولو الاستخبارات بمعاملتهم القاسية بشكل خاص تجاه الأشخاص المحرومين من حريتهم. ويفصّل تقرير يوناما الحالات التي تورطت فيها المخابرات في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد الأفراد المحتجزين لديها، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القضاء والتعذيب وسوء المعاملة، فضلاً عن الاعتقالات والاحتجاز التعسفيين.
حرية التعبير
كما أشارت البعثة إلى أنه في الأشهر العشرة التي انقضت منذ سيطرتها على أفغانستان، حدت سلطات الأمر الواقع من المعارضة من خلال قمع الاحتجاجات وكبح الحريات الإعلامية، بما في ذلك عن طريق الاعتقال التعسفي للصحفيين والمتظاهرين ونشطاء المجتمع المدني وفرض قيود على وسائل الإعلام.
وقالت فيونا فريزر، رئيسة قسم حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان: “إن الحقوق في حرية التجمع السلمي وحرية التعبير وحرية الرأي ليست حريات أساسية فحسب، بل هي ضرورية لتطور الأمة وتقدمها. إنها تسمح للنقاش الهادف بالازدهار، كما تفيد أولئك الذين يحكمون من خلال السماح لهم بفهم القضايا والمشاكل التي تواجه السكان بشكل أفضل.”
وخلص التقرير إلى أن طالبان تسعى على ما يبدو إلى الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بمعاملة المحتجزين، ولكن التقدم تعرقل بسبب القيود المالية، مما أدى في بعض الأحيان إلى عدم كفاية الغذاء والرعاية الطبية ومستلزمات النظافة للمحتجزين ووقف برامج التعليم والتدريب المهني للسجناء التي كانت تمول من قبل المجتمع الدولي.
الوضع الإنساني وحقوق الإنسان
وفقاً للبعثة، فقد تفاقمت حالة حقوق الإنسان بسبب أزمة اقتصادية ومالية وإنسانية على الصعيد الوطني لم يسبق لها مثيل، حيث يحتاج الآن ما لا يقل عن 59 في المائة من السكان إلى مساعدات إنسانية – بزيادة قدرها ستة ملايين شخص مقارنة ببداية عام 2021.
ويدعو تقرير البعثة المجتمع الدولي إلى مواصلة دعمه لشعب أفغانستان من خلال ضمان تلبية الاحتياجات الإنسانية والأساسية العاجلة. وقالت يوناما إن المجتمع الدولي “عليه التزام بضمان ألا يكون للعقوبات، أثناء بقائها، تأثير سلبي على حقوق الإنسان.”
وتعكس النتائج والتوصيات الواردة في التقرير العديد من الشواغل التي أثارتها البعثة مع عدد من كيانات سلطات الأمر الواقع على مدى الأشهر العشرة الماضية. وقالت يوناما إنها تقدر مستوى المشاركة حتى الآن و”لا تزال ملتزمة بدعم سلطات الأمر الواقع في حماية وتعزيز حقوق الإنسان لجميع الأفغان من النساء والرجال والفتيات والفتيان”.
وقال القائم بأعمال الممثل الخاص للأمين العام لأفغانستان، ماركوس بوتزيل: “إن أفغانستان كدولة تبقى طرفاً في عدد من الصكوك المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية. ومن هذا المنطلق، أحث سلطات الأمر الواقع على بذل قصارى جهدها لمعالجة الشواغل الواردة في تقريرنا والوفاء بالتزاماتها الدولية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان لجميع الأفغان.”