25 مليار دولار على الكهرباء أثناء تولّي باسيل وأعوانه وزارة الطاقة اللبنانية
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
شكّل قطاع الكهرباء أشدّ تبعات الأزمة إيلامًا على اللبنانيين، بظل العتمة شبة الشاملة منذ بدء الأزمة عام 2019، والتقنين القاسي قبلها. “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها الصادر في آذار الماضي بعنوان: “كأنك عم تقطع الحياة: تقاعس لبنان عن ضمان الحق في الكهرباء” لفتت إلى سوء إدارة القطاع على مدى عقود. هذا القطاع كلّف وحده خزينة الدولة 42 مليار دولار منذ العام 1992، أي حوالي نصف الدين العام، منها 25 مليار دولار خلال الأعوام العشرة الأخيرة، أثناء تعاقب وزراء التيار الوطني الحر على وزارة الطاقة، استنادًا إلى ما أعلنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مقابلته الأخيرة، في معرض ردّه على تصريح رئيس التيار البرتقالي النائب جبران باسيل “هناك تضليل من قبل باسيل، فالبنك المركزي يعالج نتائج سياسات الحكومة التي أدت إلى عجز في الكهرباء، والسياسات التى أدت الى الضغط بخطة الكهرباء، التي صرفنا عليها 25 مليار دولار خلال 10 سنوات”.
الرقم صادم جدًا، لاسيّما وأنّ شركة سيمنز الألمانيّة تمكّنت خلال 18 شهرًا، من بناء 3 معامل لتوليد 14 ألف ميغاوات بكلفة 6 مليارات دولار في مصر، فيما أنارت الكهرباء دولة الصين العظيمة بكلفة بلغت 20 مليار دولار. أمّا لبنان فلا يحتاج سوى إلى 3500 ميغاوات فقط. ما حقيقية الرقم الذي حددّه سلامة لجهة إنفاق 25 مليار دولار على القطاع خلال تولّي باسيل وأعوانه وزارة الطاقة؟ هل هناك مبالغة؟ أين انفقت كل هذه الأموال ولبنان لا زال غارقًا بالعتمة؟ ومن أين تمّ تأمينها؟
المدير العام السابق للإستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون لفت في حديث لـ “لبنان 24” إلى أنّ الرقم الذي اعلنه سلامة واقعي، حيث أنّ الإنفاق على قطاع الكهرباء يصل سنويًّا إلى مليار 200 مليون دولار، وهذه المبالغ واضحة منذ العام 2009 والسنوات التي تلتها، وهناك مبالغ أخرى كالاستملاكات وغيرها، واذا ما أضيفت الفائدة يتخطّى المبلغ 26 مليار دولار. ولغاية اليوم لا زالت مؤسسة كهرباء لبنان تطلب الأموال، منها السلفة الأخيرة البالغة 1000 مليار ليرة.
انفاق المليارات على الكهرباء من أموال المودعين
الجزء الأكبر من مبلغ الـ 25 مليار حوّله مصرف لبنان “فريش” إلى الخارج لمصلحة كهرباء لبنان، بعد فتح اعتمادات مستندية، لتسديد ثمن الغاز أويل والفيول أويل لمصلحة كهرباء لبنان، فضلًا عن تحويل جزءٍ من المبلغ لمصلحة وزارة الطاقة والمياه. أمّا مصدر الأموال فلم يكن من الخزينة التي تعاني من عجز دائم، بل من أموال المودعين واحتياطي مصرف لبنان. هذه المبالغ فادحة وكبيرة، وقد استنزفت موجودات مصرف لبنان بالعملة الصعبة، وفق ما أوضح بيضون “خصوصًا أنّ لا عائدات لمؤسسة الكهرباء بالدولار الأميركي، وحسابها في مصرف لبنان بالليرة، بينما عقودها ومصاريفها بالدولار، كدفع مستحقّات متعهدي التشغيل والصيانة ومقدّمي الخدمات وقطع الغيار، بالتالي بيع الدولار للمؤسسة من قبل المركزي على الـ 1500 ليرة أطاح بجزء كبير من احتياطاته”. تبعات سلبيّة أخرى أشار إليها بيضون، وهو ما سماه الضرر النسبي وفق التوقيت “بمعنى أنّ المليار دولار التي أُعطيت سنويًا للمؤسسة عام 2015 أو 2016، ضرره وثقله أكبر بكثير من المبلغ نفسه الذي أُعطي في العام 2000 أو 1998، لأنّه في حينه كانت الخزينة قادرة وإمكانية الإستدانة قائمة، وكان هناك إمكانيّة أن تحسّن كهرباء لبنان وضعها وتبدأ بتسديد ما عليها. أمّا في السنوات الأخيرة وخلال الأزمة، كان الوضع أشبه بأخذ دم من مريض يعاني من فقر الدم”.
الحل بالتحرر من خطط باسيل وفريقه وإقرار لامركزية الطاقة
إذا استطاعت مصر أن تنتج 14 ألف ميغاوات بستة مليارات دولار، فإنّ حاجة لبنان لإنارة مساحته الجغرافية كاملة ليست أكثر من مليار ونصف مليار دولار، يؤكّد بيضون “خصوصًا بظل وجود خيارات في الطاقة البديلة، أقل تكلفة من تلك التي أُسرنا بها من ضمن ما يسمى بخطّة الكهرباء، التي خضعت إمّا للتعديل او للتطوير والتجميل، وتغيير مسمياتها كإطلاق تسمية خطّة طوارئ وطنية ومستدامة، وما تضمّنته من التمسّك بخيارات سيئة لا تتناسب مع الوضع المالي الراهن للدولة، كمعمل سلعاتا الذي لا زال وزير الطاقة متمسكًا بإنشائه حتّى يومنا، على رغم كلفة الإستملاكات. بينما الحل يبدأ بالخروج من صندوق الخطط العقيمة، والانطلاق نحو تحرير القطاع، وإصدار قانون لامركزيّة الطاقة إنتاجًا وتوزيعًا، والإجازة للبلديات بإنتاج الطاقة المتجددة بالتعاون مع القطاع الخاص، وتوزيعها على القرى الواقعة في اتحاد البلديات، وهناك مستثمرون محليّون ومغتربون جاهزون للتنفيذ، وهناك مشاعات شاسعة في البقاع ورأس بعلبك تقدّر بمليوني متر مربع أي 2000 دونم، يمكن استخدامها في مشاريع إنتاج الكهرباء وتوزيعها على القرى”.
التهرب من تعيين الهيئة الناظمة فاقم الأزمة
فضلًا عن مسؤولية وزراء التيار الوطني الحر الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة بهدر 25 مليار دولار من دون تأمين الكهرباء، وهدر أموال إضافية على استئجار البواخر، يتحمّل تيار باسيل مسؤولية الوقوف في وجه تعيين الهيئة الناظمة للقطاع على مدى سنوات، في مخالفة واضحة لأحكام القانون، وتجاهل دعوات الجهات الدوليّة ونداءاتها المتكررة بوجوب تعيين الهيئة، وتحرير القطاع من يد الوزير”لو وُجدت هذه الهيئة لما كانت الكهرباء على ما هي عليه اليوم” وفق مقاربة بيضون “كون الهيئة تمنح تراخيص بموجب معايير محدّدة، وتحرّر ارتباط التراخيص والتنفيذ بشخص الوزير ووجوده، أو استبداله بآخر”.
فداحة الأرقام التي أُنفقت على الكهرباء من دون تأمينها، لا تقتصر على المليارات المحوّلة من مصرف لبنان فراش دولار للخارج، بل هناك خسائر إضافيّة تتجاوز الـ 50 مليار دولار من جرّاء انقطاع التيار الكهربائي واضطرار اللبنانيين، أفرادًا وشركات، إلى تأمين الكهرباء من مصادر أخرى، كبّدتهم أكلافًا كبيرة، ونتج عنها خسائر اقتصادية هائلة.