الجزائر تعزز حضورها العربي: عودة سوريا ولمّ شمل البيت الفلسطيني
النشرة الدولية –
في اتصال تاريخي بين الرئيس الجزائري هواري بومدين والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، رد الأول على اقتراح الأخير بالانضمام إلى الوحدة المعلنة بين ليبيا وتونس، بالقول “إن الجزائر لا تمتطي القطار وهو يسير”. زاد الاثنان من كلماتهما، ثم انتهى الاتصال بعد التحذير من الخطأ الحاصل والعواقب غير المتوقعة بالنسبة إلى المنطقة كلها، بحسب كلام بومدين.
ولعل الجملة التي قالها بومدين هي نهج ما زالت الجزائر تتبعه في سياساتها العامة من دون تتبع خطوات الآخرين.
الجزائر التي كانت حاضرة على مستوى العمل العربي المشترك منذ نيلها الاستقلال، وكانت فاعلة في هذا الحضور، شهدت نوعاً من التراجع في السنوات العشر الماضية، بسبب الظروف الداخلية التي مرت بها. ولأن الأمور استقرت نوعاً ما داخل البلاد بعد استلام الرئيس عبد المجيد تبون مقاليد السلطة، فقد عادت سياسياً لملء الفراغ السابق في سياستها الخارجية، وأداء دور أكثر فعالية في الفضاء العربي.
سوريا وأزمة 2011
بعيد اندلاع الأزمة السورية عام 2011، بقيت الجزائر تغرد خارج سرب الدول العربية على أثر اتخاذها مجتمعةً قراراً بتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية وقطع العلاقات معها. لم توافق الجزائر على هذا القرار مع العلم أنه لم يكن موقفاً جديداً، إذ إن الجزائر وسوريا، ومنذ ما قبل الأزمة، تتشاركان رؤى إقليمية ودولية متشابهة، أبرزها عدم اعترافهما بـ “إسرائيل”، في وقت اتجهت العديد من الدول العربية نحو التطبيع معها.
الموقف الجزائري الرسمي الأول خرج إلى العلن عام 2016، عبر وزير الخارجية رمطان لعمامرة الذي اعتبر وقتها أن “الجيش السوري استرجع مدينة حلب من الإرهابيين”. أثارت تصريحاته يومها الكثير من القيل والقال، وخصوصاً أنه جاء خارج سياق “الربيع العربي”، إلا أن العارفين بخبايا العلاقات بين البلدين كشفوا أن التواصل والعلاقات لم تنقطع خلال فترة ولاية الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، وصولاً إلى استلام الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبون الحكم.
لم يختلف الأخير عن دعوة سلفه لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية. وناهيك بالموقف المبدئي للجزائر، فإن القمة العربية المرتقبة التي ستقام في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل تأخذ حيزاً مهماً من العمل على إصرارها على حضور الدولة السورية في القمة، خصوصاً أن الدولة المضيفة دائماً ما تسعى لإنجاح دورتها، ما يعد إنجازاً لها ولعلاقاتها الدبلوماسية، وهذا ما يفسر زيارة لعمامرة لدمشق، بعد أقل من شهر على زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد للجزائر، للمشاركة في الاحتفالات بالذكرى الـ60 لاستقلالها.
أجندة القمة ستكون على رأسها، إذا ما تمت الخطوة، عودة سوريا، وهو ما يمكن أن يضمن لها نتائج مميزة، وخصوصاً في ظل الانقسام العريي العمودي الحاصل والخلاف على ملفات المنطقة بشكل عام.
ورغم ذلك، يرى لعمامرة أن الدولتين يمكنهما، بالرغم من الظروف الداخلية التي يعيشانها، أداء دور إقليمي مهم في المستقبل القريب، متعلق بإعادة التوازنات وإعادة الاستقرار في المنطقة، ومن شأن ذلك أن يفرض نوعاً من إعادة التوازنات السياسية فيها.
رحبت الجزائر أيضاً بخطوات بعض الدول العربية نحو إعادة العلاقات مع دمشق، وخصوصاً الإمارات، واستكملت جهدها الدبلوماسي لعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة، داعيةً البلدان العربية إلى تأييد هذا التوجه، بعد اتخاذ مسار سابق لم يسهم في حل الأزمة في سوريا، بحسب لعمامرة.
على خط الانقسام الفلسطيني
إضافة إلى العمل على إعادة ترتيب العلاقات بين دمشق والدول العربية التي تورطت في النزاع السوري، تسعى الجزائر لأخذ دور إقليمي آخر يندرج تحت إطار “لم شمل البيت الفلسطيني”، وهو ما قد يعزز قمتها المرتقبة أيضاً.
في 5 تموز/يوليو الماضي، عقد تبون لقاءً جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية، على هامش مشاركتهما في احتفالات الذكرى الستين لاستقلال الجزائر.
هذه المبادرة أطلقها تبون لتحقيق مصالحة وطنية من أجل إنهاء الانقسام الداخلي، وتحضيراً للقاء أوسع لمختلف الفصائل قبل انعقاد القمة العربية.
ورغم أن تحرك السلطات الجزائرية جرى بعد مشاورات مع القاهرة، إلا أن مصر أرسلت إشارات ضمنية إلى الفصائل، يقفضي بألا يكون ملف المصالحات الفسلطينية إلا تحت كنفها حصراً، وهو ما أكده الطرفان الفلسطينيان أيضاً.
بدا جلياً أن مبادرة “البيت الفلسطيني” جاءت بعد زيارة هنية إلى المغرب عام 2021، في خطوة اعتبرتها الجزائر آنذاك “مستفزةً” بالشكل، لكن خطوة زيارة هنية للجزائر كسرت الجليد معها، وحقق اللقاء “الصلحة” الذي حصَّله تبون طابعاً إيجابياً، وأخذ، ولا يزال، حيزاً سيدخل ضمن جدول القمة العربية كبند مهم، وخصوصاً ضد الاتجاه المطبع لبعض الدول العربية.
وعلى الرغم من أن ردود فعل الفصائل الفلسطينية كانت مرحبة بشكل كبير بالمبادرة، وأن هذه الفصائل أبدت ترحيبها بإنهاء حالة الانقسام، فإنَّ تقريب وجهات النظر ستشوبه عقبات قد تعرقل المسعى الإيجابي، ولا سيما مع وضع الأطراف شروطاً مسبقة مرتبطة بإجراء انتخابات شاملة من جهة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وفق قرارات الشرعية الدولية من جهة أخرى.
يبقى الخلاف الجزائري المغربي، وخصوصاً الصراع على النفوذ بين البلدين، مشتعلاً ويؤزم علاقات الجزائر العربية أو يؤثر فيها، وهو يأخذ حيزاً لا لبس فيه من شغل الدبلوماسية الجزائرية، وخصوصاً بعد قيام المغرب بتطبيع علاقاته مع “إسرائيل” أواخر عام 2020. مذاك، وقّع الطرفان 12 اتفاقاً، أهمها اتفاق أمني عسكري غير مسبوق اعتبرته الجزائر موجهاً ضدها، بحسب رئيس مجلس الأمة الجزائري صلاح قوجيل.