تحية لسيدي في الذكرى الثالثة و العشرين لرحيله
بقلم: د. فلك مصطفى الرافعي
النشرة الدولية –
الشراع
عشية الذكرى الثالثة و العشرين لآخر رحلة لسيّدي الوالد _ يرحمه *الله* _ بدون توضيب حقيبة السفر، فعدّة الراحل هي العمل و اكفان بلا جيوب و حدقة التقطت آخر مشهد من دار الضيافة ..
استذكرك و انت الباقي فينا ، و رحم *الله* الامام الشافعي في قوله :
“قد مات قوم وما ماتت مكارمهم ،
و عاش قوم و هم في الناس اموات …”
و كما جرت العادة اقدّم لك (كشف حساب) …
بعد أيام إن *شاءالله* الاعلان في مؤتمر صحفي عن برنامج المهرجان السنوي (للإتحاد العربي للشعراء و الادباء و الفنانين)، و ذلك بصفتي الجديدة “رئيسة الاتحاد العربي في لبنان / لقاء العلاّمة القاضي الدكتور مصطفى الرافعي” …
و هكذا ستكون أول الحاضرين، فدائما استذكار الكبار هو للتدليل و التوكيد على الاعتصام بحبل *الله* بالإيمان و المعرفة ..
فالإيمان ما وقر في القلب و صدّقه العمل، و لا مندوحة من ضرورة معرفة الإيمان لمعرفة الخالق، و لمعرفة دور العقل الربّاني …
فالجهل موروث يهدم الحضارة و الامان، و في هذه المعرفة التي اوصيتنا بها جعلتني ابحر نحو جزيرة قديمة ، فيما كتبه عنها الشيخ الحكيم ابن سينا و استفاض به الفيلسوف ابن طفيل في رائعته “حي بن يقظان” ..حيث كان الطفل وحيدا جرّاء حدث ما، فعاش في حضن الادغال و كبر لا يفقه شيئا سوى التعامل البدائي مع سكان الجزيرة من وحوش و حيوانات أليفة و طيور و ثمار و مطر و قمر و شمس لا يفقه تسمياتها….كما جاء في التنزيل الحكيم “وعلّم آدم الاسماء كلها” …
و عند اكتمال غزوة الليل كان عقل ابن يقظان الخالي من الذاكرة يفكر بما حوله دون معرفة الاسماء و الاشياء و من صنعها و أدار شؤونها بدقة .
الكثير قرأوا ابن طفيل و كيفية دخول المعرفة .
يحدّثنا ايضا عن رجل وُجد في نفس المكان في ظروف ما، و تعارف ابن يقظان و العارف بأحوال العالم ، لنصل أن الإيمان فكرة إنسانية تحتاج فقط للمعرفة التي اختصرتها الآية الكريمة ” اهدنا الصراط المستقيم “…
في أحد أيام عرفة المباركة كنتَ والدي تُكثر من قول في “عرفة يوم المعرفة” ..
و من انبل القصص عن حادثة جلل أن نبي *الله* و خليله ابراهيم عليه السلام و هو العارف بحكمة *الإله* ، و بين الشيطان الرجيم و معرفته ، أن كيد الشيطان كان ضعيفا الا بما يوسوس به، فكان رمي الجمرات و ليس رجم ابليس ماديا ، فالقضية في أركان الإسلام الحج لمن استطاع إليه سبيلا و الفرض فيه مرة واحدة في العمر ، والتعدد اجر و عودة للتوبة .
فلا اشتباك سنوي بين ابراهيم و الشيطان ، بل في خلع الشيطان من رقبة الايمان اتماما للقصة التي يؤكدها الحجيج كل عام …
قصة ابن طفيل عالجها أيضا الغرب اعترافا بقدرة المعرفة و منها قصة طرزان و قردته” شيتا” التي تحاكي قضية المعرفة لاكتمال حلقة الايمان و بدونها نفقد البوصلة و تنطفئ اضواء المنارة لترتطم سفننا في لجج مظلمة و ليل حالك ، و لتبقى أيضا معرفتنا هي ” جهاز المناعة ” غير المختّل في تصويب أعمالنا و منع الشيطان من هز وتد الخيمة ، حيث فعلها في قبيلة ما بعد يأس من تكفير اهلها ، فلجأ إلى إثارة التوترات العالية الصاعقة حينما قرر الرحيل عن القوم فقام بآخر عملية .
كانت الخيمة الهادئة فقام المطرود من الجنة بهز وتدها فجفلت البقرة التي كانت في داخلها و هاجت و ماجت و داست على طفل صغير فقتلته، فقام الاب بقتل البقرة فتشاجر مع زوجته فرماها برمح قاتل ..
اهل الزوجة قتلوا صهرهم ثاروا و انتفضوا و ما زلنا ندفع حتى اليوم أثمانا باهظة مع ضرائب ربويّة و TVA تتراكم علينا الثارات و بدل عن ضائع ايا يكن البديل و الضائع هو الوطن .
هز الشيطان الوتد فكان الذين جاثوا فينا فسادا و دمارا و جوعا و مرضا ، لأن أهل الخيمة عندنا خانتهم المعرفة بدسائس ابليس ..
بالأمس هز الشيطان وتد خيمة عين الحلوة ، فتوقفت شاحنة الدماء المخبأة لريّ تراب الأقصى و المدن المجاهدة و افرغوا جرار النضال بأرض لا تشبه فلسطين ..
و ليس منا ببعيد يوم هز الشيطان وتد خيمة القرنة السوداء فتنادى الجميع إلى “لعبة الموت على طريقة الروليت الروسي.” و كانت بوسطة عين الرمانة بصور كأنها ” صندوق الفرجة” تعيد إلى ذاكرتنا مجازرها بعد عشرات السنين…
هز الشيطان وتد خيمة العيش الواحد لأن معاقرة الخمر لم تكن في قائمة الطلبات في مطعم لا يقدم الكحول، فتشظّت العاصمة بالحرية الفردية التي ترفض كل حريات الآخرين، و كادت الصورة الجغرافية السوداء أن ترسم من جديد فدرلة ” الغربية ” و ” الشرقية ” ومقولة ” لكل منا لبنانه”، و صارت ثقافة الالتزام عودة إلى مجاهل القرون الغابرة ، و “تعقيدا” من تعاليم هي في الأصل مبنية على ” لست عليهم بمسيطر “..
كل يوم تهتز أوتاد الف خيمة و نعود إلى مسلسلات ابو جهل وبيلاطس البنطي، لاننا تركنا جانب المعرفة و احتكمنا إلى وسوسة الشيطان ..
و اخيرا سيدي و عفوك سنمسك بأطراف المعرفة كما اوصيتنا، و بعد أن أخذنا ثلاث جرعات للمناعة ضد التصحّر ….
سلام عليك لتبقى ذكرى رحيلك درسا …
فالخوف من سداد القول
المأثور(أن *الله* ينزع العلم بقبض ارواح العلماء) ،
فكلنا مسؤول و الويل عند السؤال لمن يقول ( يا ليتني كنت ترابا) ….
من حسن صبرا الى الاديبة فلك مصطفى الرافعي:
لعلك تكتبين او تقرئين او تلقين كلمة مكتوبة او تقدمين رسالة منهجية وانت مقتنعة ان الشيخ الدكتور العلامة مصطفى الرافعي هو رئيس اللجنة المقررة لمنحك الشهادة في الادب الرفيع
لذا فأنت تهيئين نفسك في الكتابة كأنك ستقفين امام من سيمنحك الدكتوراه وانت تمنحينه شرف الإنتماء
كم هو فخور في جنة الفردوس والدك يا فلك