ميشال سماحة وزير لبناني أسبق تورط في مخطط اغتيالات سياسية
خرج من السجن بعد 13 عاماً واعترف بمشاركته في نقل متفجرات من سوريا إلى بيروت
النشرة الدولية
اندبندنت عربية –
في شهر أغسطس (آب) من عام 2012 أوقف الوزير اللبناني الأسبق ميشال سماحة وحول إلى القضاء العسكري بتهمة التخطيط مع رئيس جهاز الأمن السوري اللواء علي مملوك، أحد أبرز الوجوه الأمنية لنظام الأسد، ومدير مكتبه عدنان (مجهول باقي الهوية) “لاغتيال شخصيات سياسية لبنانية ورجال دين ومسلحين سوريين ومهربين” على الحدود بين سوريا ولبنان.
وفي 8 أبريل (نيسان) 2016، أصدرت محكمة التمييز العسكرية وهي أعلى هيئة قضائية عسكرية في لبنان حكماً نهائياً ومبرماً بسجن سماحة 13 سنة مع الأشغال الشاقة وتجريده من حقوقه المدنية بتهمة “التحضير لأعمال إرهابية والتخطيط لنقل متفجرات من سوريا إلى لبنان بهدف تفجيرها واغتيال شخصيات سياسية لبنانية ورجال دين ومسحلين سوريين ومهربين”، بالتنسيق مع علي مملوك ومدير مكتبه.
اعتقل سماحة الذي كان مستشار رئيس النظام السوري بشار الأسد، في أغسطس 2012، وحكم عليه بالسجن أربع سنوات ونصف السنة، قبل أن يخلى سبيله مقابل كفالة مالية في يناير (كانون الثاني) 2016 بناءً على حكم صادر عن المحكمة العسكرية، إلا أنه عاد إلى السجن بعد أن نقضت محكمة التمييز العسكرية حكم المحكمة العسكرية. مع الإشارة إلى أن المدة التي كان قضاها الوزير السابق في السجن تحتسب ضمن حكم الـ13 عاماً، علماً بأن السنة السجنية في لبنان مدتها تسعة أشهر.
وكان سماحة قد اعترف في أول مثول له أمام المحكمة العسكرية بارتكابه “خطأ كبيراً” في أبريل (نيسان) 2015، بنقله متفجرات من سوريا لتنفيذ سلسلة تفجيرات واغتيالات في لبنان، مصراً على أنه تم استدراجه من قبل ميلاد كفوري (مخبر لدى القوى الأمنية) إلى هذا الفخ. وقال سماحة، إن “الهدف من التخطيط لتنفيذ تفجيرات على الحدود كان إقفالها نهائياً بالتالي وقف عبور المقاتلين المعارضين للنظام السوري”.
وجاء في اعترافات سماحة، “علم اللواء مملوك بنقل المتفجرات والتحضير لعمليات التفجير”، واعترافه أيضاً بأن أحد معاوني مملوك هو من عمل على تأمين المواد المتفجرة بموافقة وعلم رئيسه. كذلك اعترف بأنه عاد إلى بيروت مع المتفجرات برفقة المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء جميل السيد الذي سبق وتحدثت معلومات عن وجوده مع سماحة لدى نقله المتفجرات من دون أن يكون بالضرورة على علم بحمولة السيارة.
وأوضح سماحة، أنه تسلم “170 ألف دولار من السوريين داخل كيس في مكتب عدنان (مدير مكتب مملوك) ووضعتها في صندوق سيارتي مع المتفجرات. ولدى وصولي إلى بيروت عند الساعة السابعة مساء اتصلت بميلاد كفوري وسلمته الأموال والمتفجرات في مرأب منزلي في الأشرفية”. وميلاد كفوري هو أحد معارف سماحة، وقد وشى به إلى القوى الأمنية قبل أن يغادر البلاد. ولدى سؤاله في المحكمة عن الهدف من التخطيط لاغتيالات وتفجيرات في شمال لبنان وبينها محاولة اغتيال النائب خالد الضاهر المعارض بشدة لنظام الأسد، أجاب “كنت أسمع على المنابر تحدياً للدولة وسباً للجيش وإيقاظ الغرائز ولا أحد يلاحق”. وأضاف، “صحيح أخطأت، لكن كنت أريد تجنب فتنة طائفية”.
“تورط النظام السوري”
وأشارت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام حينها، إلى أن المضبطة الاتهامية التي تلاها ممثل النيابة العامة خلال الجلسة نصت على أن “سماحة أقدم مع اللواء في الجيش السوري علي أحمد المملوك على تأليف عصابة ترمي إلى ارتكاب الجنايات على الناس والأموال والنيل من سلطة الدولة وهيبتها ومحاولة قتل سياسيين ونواب ورجال دين ومواطنين، كما أقدم على الحض على القتل في عكار، وأقدم مملوك على حيازة متفجرات بقصد القتل وتسليمها إلى سماحة الذي أقدم بدوره على حيازتها ونقلها بقصد ارتكاب أعمال القتل والإرهاب”. وكان سماحة قد اتهم من قبل فريق من اللبنانيين بالمشاركة في اغتيال العديد من الشخصيات بين أعوام 1976 و2012. وأحرجت اعترافاته حلفاء دمشق أو قوى 8 آذار حينها، والرئيس ميشال عون الذي كان لا يزال نائباً في البرلمان اللبناني، وذلك بوصف الاعترافات إقراراً صريحاً ومباشراً بتورط النظام السوري في أمن لبنان، وتخطيطاً موثقاً لاغتيال شخصيات دينية رفيعة كالبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ومفتي الشمال مالك الشعار والنائب السني خالد الضاهر.
وكانت وكيلة الدفاع عن سماحة المحامية رنا عازوري قد ذكرت لـ”وكالة الأنباء الفرنسية”، أن موكلها أوضح للمحكمة أنه “وقع في فخ نصبته له أجهزة الاستخبارات اللبنانية عبر عميل محرض هو ميلاد كفوري”. وأوضحت أنه “وفقاً للاجتهاد اللبناني فإن التصرف بضغط من محرض قد يلقى أسباباً تخفيفية مثل مسألة الدفاع المشروع عن النفس”.
أزمة داخل حكومة تمام سلام 2016
أثار الحكم الصادر بحق سماحة اعتراضات واسعة في لبنان حينها، لا سيما أن المتهم ظهر في بعض الفيديوهات وهو يسلم المتفجرات لعميل مزدوج في لبنان، وفي أخرى وهو يعترف بعزمه شن هجمات ضد أهداف في لبنان بعلم ومعرفة مملوك ومستشارة الأسد بثينة شعبان. وبعد موجة الغضب الواسعة أمر مفوض الحكومة بإعادة محاكمة سماحة، إلا أن محكمة التمييز العسكرية قررت، في يناير 2016 محاكمته مع إخلاء سبيله بكفالة مالية قدرها 150 مليون ليرة لبنانية (نحو 100 ألف دولار أميركي). وأثار قرار إعادة محاكمته وهو خارج السجن غضباً أيضاً في لبنان، وحاول وزير العدل آنذاك أشرف ريفي نقل المحاكمة إلى المجلس العدلي إلا أن بعض الوزراء، لا سيما الموالين لـ”حزب الله”، عارضوا مناقشة الموضوع داخل مجلس الوزراء. ودفع ذلك وزير العدل إلى الاستقالة في فبراير 2016، بسبب “هذا المشهد الصعب الذي نعيشه، حيث وصل العبث بالدولة ومؤسساتها إلى مستويات خطيرة، وأمام التعطيل الذي فرضه حزب الله وحلفاؤه داخل الحكومة وخارجها”. وأشار ريفي، في بيان الاستقالة، إلى أن حزب الله وحلفاءه تسببوا في “الفراغ الرئاسي وتعطيل المؤسسات الدستورية اللبنانية وضرب الحياة السياسية، مروراً بعرقلة إحالة ملف إحالة ميشال سماحة إلى المجلس العدلي”.
وكان سبق لوزير العدل السابق النائب الحالي أشرف ريفي، أن اتهم أجهزة الاستخبارات السورية في فبراير (شباط) 2015 بأنها تنوي اغتيال سماحة في السجن. وأضاف ريفي أن هدفه من الإعلان عن المعلومات التي تلقاها من أجهزة أمنية غير لبنانية بخصوص السعي السوري لاغتياله هو حماية سماحة، وإبلاغ الجهات التي تريد اغتياله أن مخططها مكشوف.
وتابع ريفي حينها بأنه “والراحل وسام الحسن (رئيس فرع المعلومات حينها)، ضبطنا يوم أوقفنا ميشال سماحة 24 عبوة ناسفة منها أربع عبوات كبيرة و20 صغيرة، وكانت الأخيرة مجهزة بمغناطيس لاصق، أي أنها يمكن أن تستخدم في عمليات اغتيال كما حصل مع ضحايا بينهم جورج حاوي ومي شدياق، وهذا يدل على أننا أمام جريمة إرهابية كبرى، خصوصاً أننا ضبطنا مع العبوات أجهزة التفجير ومتمماتها مبلغاً مالياً كبيراً (170 ألف دولار) لاستخدامها في دفع أجر المجرمين الذين كانوا سيكلفون تنفيذ العمليات”. وأوضح أنه “يومها أنجز الملف مصحوباً بالأدلة الموضوعية والمضبوطات، وكانت الاعترافات مدونة بالصوت والصورة”.
وكانت مصادر مقربة من المستشارة السياسية والإعلامية للأسد بثينة شعبان، قالت إن شعبان رفضت الرد أو التعليق حول تورطها المزعوم مع الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة بمخطط تنفيذ تفجيرات في لبنان. ونقلت “وكالة الأنباء الفرنسية” حينها، أن “شعبان اكتفت بالقول إن ما يجري لا يعدو كونه نوعاً من المهاترات والسجالات السياسية المتعارف عليها في لبنان، والتي لا تستحق الرد أو التعليق”.
من ميشال سماحة؟
ميشال فؤاد سماحة مواليد 9 سبتمبر (كانون الأول) 1948، سياسي لبناني ووزير سابق ومستشار للأسد، وكان يمضي جزءاً كبيراً من وقته في دمشق. انضم في سنة 1964 إلى حزب الكتائب وأصبح مسؤولاً عن القطاع الطلابي داخله، كان أثناء الحرب من المكلفين بالاتصالات بين الحزب وسوريا، وفي سنة 1985 ترك الكتائب سنة بعد تأييده انتفاضة سمير جعجع وإيلي حبيقة، أصبح بعدها من المقربين من الأخير. سنة 1992 عين وزيراً للإعلام والسياحة في حكومة رشيد الصلح، ثم وزيراً للإعلام في حكومة رفيق الحريري الأولى. انتخب سنة 1992 نائباً في أول انتخابات بعد اتفاق الطائف. انهزم في انتخابات 1996 و2000 أمام أنطوان حداد. عين في 17 أبريل 2003 مرة أخرى وزيراً للإعلام واستمر في منصبه إلى 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2004. في يونيو (حزيران) 2007 أعلنت الإدارة الأميركية قرار منعه من دخول أراضيها إضافة لعدة شخصيات لبنانية وسورية بحجة “التورط أو إمكانية التورط في زعزعة الحكومة اللبنانية”، و”رعاية الإرهاب أو العمل على إعادة ترسيخ السيطرة السورية على لبنان، وأنهم بذلك “يلحقون الضرر بمصالح الولايات المتحدة”. في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2012 أدرجت الولايات المتحدة سماحة على لائحة الإرهاب بموجب القرار 13224 الذي يمنع المواطنين الأميركيين أفراداً ومؤسسات من عقد صفقات معه وتجميد أي أصول له.
وكان وكيل سماحة، المحامي صخر الهاشم أكد في تصريح تلفزيوني، “خروج موكله من السجن الثلاثاء 2 أغسطس الحالي، وهو في منزله وبصحة جيدة”. وأخلي سبيل ميشال سماحة بعد انقضاء مدة محكوميته 13 سنة سجنية مع الأشغال الشاقة، أي ما يعادل 10 سنوات، وتجريده من الحقوق المدنية.