بيت على القمر!
بقلم: د. يسرى المصري
النشرة الدولية –
كان حلمي ..منذ الطفولة أن أبني بيتاً على القمر ..وأزرع حديقة من النجوم ..وكان الشعر يُلهب فضولي باكتشاف الطريق ..
في ثنايا الزمن الحديث، وعلى تخوم القرن الحادي والعشرين .. بدأت أفتقد الشعر، وتلك الكلمات التي تُنبت للخيال أجنحة .. كانت العاصفة التكنولوجية شديدةً وقاسيةً، اقتلعت لغّات الشعر، وأحلّت مكانها لغّات البرمجة ..
ومع ذاك التقدم المريع للبرامج، تراجعت اللّغة الإنسانية، وبدأت الكلمات تنزاح إلى كتابات عامية، وصار الهاشتاج عنوان الابداع والعبقرية، وتابعت الكلمات القهقرى، فصار الشعر مصفوفة من الكلمات والأحرف، التي لا تُحرّك في الروح أيّة مشاعر، ولا تضيء الكون بأيّة أفراح .. وصار الرسم فرشاةً مبرمجةً وخطوطاً جاهزةً، والألوان تعمل بالضغط على لوحة المفاتيح، وصار بين اليد والريشة جدارٌ من الشاشات المسطّحة ..
حتى لغة الحب والجمال تقوقعت ضمن منشور.. وتقزّم التفاعل حتى بات محصوراً في خيارات اللايك أو التجاهل ..
ورويداً رويداً تسرّب الذكاء الاصطناعي إلى العقول ..وبدأ يؤسّس لعالم من الرّعب والخوف، يتحكّم به المبرمجون ..
حتى عندما نُفكّر بالهروب إلى الموسيقى، نُفاجأ بالاهتزازات الصنعية والأمواج تضرب على آذاننا، وتدفعنا إلى الهذيان وحالات انعدام الوزن واللاوعي ..
ومن عالم الافتراضات والتشابك يخرج صوتٌ كالصخرة، هل ما يُصيبنا من إيقاعات مبرمجة، تجعلنا ننفتح على العالم، فنصبح أسرى للمبرمجين ؟!
هل خرج الفن والشعر والحب من أرواحنا ؟ أم أن الأحلام مازالت ممكنة ..
أعود إلى حلمي لأكتشف قدرتي على استعادة الدفء والهدوء والروحانيات .. عبر النوافذ أكتشف أنني مازلت مسكونةً بالفضول، وأودُّ اكتشاف دروب جديدة في السماء، حيث يصير الحب نجماً يضيء أرواح العشّاق، ويصير الأمل شجرةً دائمة الخضرة والزهور ..
لقد أبصرت الطريق خارج حدود الشابكة، فتحت عيني حتى آخر المدى، وتبعت ذاك النور الذي ينبع من القلب، وينتشر مبشراً بالعودة إلى الفرح ..
وعبر رحلة غريبة أهتف .. فلتحيا الكلمة المولودة من نبض القلب والروح، وليعيش الشعر والأدب والفن، وليضيء الإنسان بأنواره، ويكتشف طريق الخلاص