“متلازمة” التحذلق بالأمثال الشعبية
بقلم: يمينة حمدي
الأمثال غريبة الأطوار مازالت إلى اليوم تأخذ مكانتها المقدسة في حياة المجتمعات، رغم أنها واحدة من أغرب الأحكام المسبقة وأكثرها إزعاجا
النشرة الدولية
العرب –
تلقت زميلة لي في العمل إشعارا من فيسبوك ذكرها بموعد عيد زواجها، فبادرت باقتناء هدية لزوجها بعد أن أخذت بنصيحة بعض أصدقائها، وكانت متحمسة جدا للاحتفال بهذه الذكرى المهمة في حياتها، غير أن زوجها نسي المناسبة تماما، وبعد أن مرت ثلاثة أيام بلياليها من دون أن تسعفه الذاكرة، أو منشوراته المخزنة على موقعي فيسبوك وإنستغرام بالمدد والعون، فيشاركها الاحتفال بتلك الذكرى، خاب أمل زميلتي، وانفطر قلبها حزنا، لأن زوجها غرق في النسيان، وحطم جميع توقعاتها.
عندما سألتها عن أجواء الاحتفال، عقبت بشكل ساخر “هل رأيت صيادا يطعم سمكة بعد اصطيادها”.
حاولت أن أجد مبررا لزوج زميلتي الذي قد يكون نسي عيد زواجه عن حسن نية لا أكثر، إلا أنها حولت الأمر إلى مبالغة درامية، بعد أن اعتبرت أن مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ قد تذكر عيد زواجها، بينما نسيه المعني بالأمر زوجها، ويبدو أنها وجدت تعلّتها في ذلك المثل الشعبي البسيط، الذي بدا لها أكثر صدقا من زوجها.
على أي حال لا تبدو زميلتي استثناء، فالملايين من الناس من مختلف المجتمعات والثقافات والمستويات العلمية والأكاديمية، استقوا الكثير من المواعظ والحكم والدروس الأخلاقية والصور النمطية عن العلاقات الزوجية والعاطفية من التأثير الدائم للأمثال الشعبية على حياتهم، خصوصا أنهم التهموا ولائم كبيرة منها خلال المراحل الأساسية لتكوين وعيهم ومعرفتهم.
المفارقة، أن مثل هذه الأمثال أصبحت بمثابة الحقائق التاريخية، فهي لا تستحوذ فقط على تفكير الناس، بل بوسعها كذلك التأثير على سلوكياتهم، وتحدد الطريقة التي يتعاملون بها مع شركاء حياتهم، وقد تشكل ملامح حياتهم، وحياة أبنائهم من بعدهم.
هذه الأمثال غريبة الأطوار ما زالت إلى اليوم تأخذ مكانتها المقدسة في حياة المجتمعات، رغم أنها واحدة من أغرب الأحكام المسبقة وأكثرها إزعاجا، لما يحتويه معظمها من رسائل “مضمرة” وانطباعات سلبية بشأن العلاقة بين المرأة والرجل.
على الرغم من المزايا التي قد ينطوي عليها استخدام بعض هذه الأمثال في المساعدة على فهم قضايا وموضوعات معينة في حياتنا، فإنها أحيانا تصنع عقبات وحواجز قد تزيد الأمور تعقيدا، ومن دون أن تقدم أي حلول موضوعية.
أشار العديد من علماء الاجتماع والباحثين إلى عدد لا حصر له من الأمثال الشعبية التي تشكل في حد ذاتها مصادر للضغوط والمشكلات عميقة الجذور في العلاقة بين الجنسين، وتعرقل التفاهم والتناغم بينهما، كما لو أن الرجال والنساء قد جاءوا من كوكبين مختلفين، ومع ذلك، فإنهم يتوقعون من بعضهم البعض أن يريدوا ما يريدون، ويشعروا بما يشعرون، مما شحن علاقاتهم بالخصومات والنزاع الدائم.
قبل سنوات قال الكاتب البريطاني من أصول سويسرية آلان دو بوتون إن الحب الرومانسي الذي تخمت به الأفلام، قد نشأ في نهاية القرن الثامن عشر، وشكل ثورة ونكبة في الوقت نفسه، مشيرا إلى أنه مع وجود الحب الرومانسي، قد انتفى الزواج بدافع المال أو الأرض أو المنصب، وصار الدافع الوحيد المقبول للزواج هو المشاعر أو ما اصطلح على تسميته بـ”الحب الحقيقي”. لكن تعريف الرومانسيين للحب قضى على حظوظ الناس “العاديين” في ربط علاقات متوازنة وغير مهددة بالانهيار.
يمكن شرح فكرة دو بوتون ببساطة على أنها تعني ضرورة أن يبدي الزوجان الصبر والتحمل حينما يواجهان مواقف غير متوقعة أو صعبة في حياتهما المشتركة، وهو ما يمكنهما من الحفاظ بالتبعية على التناغم والانسجام في علاقاتهما، بعيدا عن مفاهيم نرجسية مغلوطة براقة أو الإصابة بـ”متلازمة” التحذلق بالأمثال الشعبية التي تظهر العلاقة الزوجية على أنها صراع دائم بين المرأة والرجل أو تصيد لأخطاء بعضهما.