قراءة في القصة القصيرة بهلولة

النشرة الدولية –

غرفة 19 – إخلاص فرنسيس –

أعود لمقاعد دراستي، غرفة الصفّ، الطاولات والتلاميذ وفي بعض الوجوه ملامح من بهلولة، أوجه الشبه كثيرة ومثيرة للدهشة، تنطلق صرخات بهلولة في وجهي، ووجهها الذي صبغه الاضطراب واللامبالاة

عن دار الرواد للنشر قريبا المجموعة القصصية للكاتبة الليبية عزة المقهور بعنوان “بهلولة” الغلاف من تصميم ورسم الفنان محمد بن لامين، والغلاف الخلفي للأديب والقاص عطية الأوجلي.

علمت منذ أن وقعت عيني على عنوان القصة أنّ هناك ما سيؤلمني، ولن أستطيع الإفلات من الكتابة عنه، هذه التنهدات، وهذه الكلمات عرفت أنّها سوف تنتزع قلبي من صدري كما انتزعت الدمعة من عيني. أثبت نظراتي على الشاشة أمامي تلتهب وتثير أعصابي كلما سرت من سطر إلى آخر، وروعة التصوير والوصف ودقة التفاصيل رأيتني أجلس على المقعد المقابل في الفصل أشهد عملية اغتصاب إنسان بالتنمّر والوجع بالصمت والضحك، العيون الصفراء الصارخة بصمت اللعنة التي صاحبتها، التعاويذ، الأساطير، الدموع، والإهانات، يسارع حرفي بالنزف، أعود لمقاعد دراستي، غرفة الصفّ، الطاولات والتلاميذ وفي بعض الوجوه ملامح من بهلولة، أوجه الشبه كثيرة ومثيرة للدهشة، تنطلق صرخات بهلولة في وجهي، ووجهها الذي صبغه الاضطراب واللامبالاة قناع صنعته يقيها من نظرات المعلّمة والتلاميذ وكلّ مَن حولها، وبالذات من “كلمات الكبار”، الكبار الذين كان من واجبهم حمايتها أمام هذا المجتمع الصارم الذي داسها برجليه، وركلها بعدوانيته. طاغية كلّ مَن حولها. القصة من شدّة جمال السرد تجعلك تسمع النحيب، تشمّ رائحة التونا والخبز، ترى غضب بهلولة المكظوم ينفلت نحو فضاء الغرفة، دوران رجليها، صوتها الأجشّ، الأمّ وخوفها وحرصها على ابنتها، وترى كم تختلف البيوت في المدن، وكم نتلفّع بمعاطف أوسع منّا لتقينا سياط العيون وبرودة القلوب. لم يتنازل أحد للسؤال عن بهلولة سوى قلب صنعت فيه بهلولة لها مكاناً، الثقة التي مُنحت لها كانت الأساس، الصباحات تتوالى، وتغرب الشمس يوميّاً، تتعاقب الفصول، ولكن الطفل في داخلنا يحمل في لاوعيه مآسيَ وأوجاعاً لا يمكن أن ينسى الماضي المضطرب. كانت فتاة طيبة، ولكن المجتمع لا يحبّ الطيبين، فاختارت الرحيل على العويل، الفضاء الرحب الذي كان يشغلها، وليس المعلّمة وما تكيل للتلميذة التعبة من كلمات قاسية. شكراً عزة المقهور.. قصة ذات كثير من الوصف وكأنّك درست علم الفراسة، ونقلت لنا خطوط الوجوه ولغة الجسد بعفوية وسلاسة وتماسك، واقتسمت معنا الرغيف الفارغ بطل القصة، كيف لمعدة فارغة جائعة أن تتلقّى العلم، عزة قدّمت لنا مائدة ريا في ما لذّ وطاب من الوجع.

 

زر الذهاب إلى الأعلى