البقالة المتنقلة والبنك الوطني
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

كتبت أكثر من مقال عن دور التجار في تأسيس الدولة، ودورهم الحيوي في أي مجتمع، ولم أقصد طبقة التجار الحالية بطبيعة الحال، فقد تغيرت النفوس، مع تغير أشياء وأمور كثيرة في الدولة، ولم يبق شيء على حاله، ولكن الحقائق التاريخية يصعب إنكارها.

من قصص دور التجار في تنمية وتطوير البلد، قصة تأسيس أول بنك في الكويت قبل 70 عاماً. فقد ورد على لسان المرحوم خالد سليمان الحمد (1890 _ 1998)، والذي كان من مؤسسي بنك الكويت الوطني، وشركة ناقلات النفط والخطوط الكويتية، في حديث له مع المرحوم سيف مرزوق الشملان، أنه كان ورفاقه يجلسون يوما في ديوان المرحوم مشعان الخضير في السوق، عندما دخل عليهم المرحوم خليفة الغنيم، ودمعته على خده، وعند سؤاله عن سبب كدره وتأثره، قال إن ذلك يعود للطريقة التي عومل بها في البنك البريطاني، الذي كان يعمل منفرداً في الكويت حينها ومنذ الأربعينيات، حيث رفض موظف البنك أن يفتح له اعتماداً بمبلغ عشرة آلاف روبية (ما يعادل 750 ديناراً)، لاستيراد بضاعة، وحز في نفسه أن الموظف الأجنبي طلب منه إحضار من يكفله!

شرح الحمد كيف وجه خليفة الغنيم اللوم لهم لقبولهم الوضع وعدم تحركهم، وعند سؤاله عما يقصد، قال إن عليهم المبادرة وتأسيس بنك وطني يقوم بتسهيل أعمالهم بدلا من الاعتماد على بنك أجنبي يتحكم بهم. فطلبوا منه أن يتولى الأمر ويؤسس البنك ويتعاقد مع المدير العام له، خاصة أنه على دراية بهذه الأعمال، ويتحدث الإنكليزية بطلاقة، وعليهم تدبير رأسماله، وهكذا تجمعوا في اللحظة ذاتها، وتعهدوا بدفع مبلغ مليوني روبية، أو 150 ألف دينار، ليكون نواة أو رأسمالاً لتأسيس البنك، على ألا تزيد حصة أي مساهم على 500 ألف روبية. وتعهد المتحدث، خالد الحمد، بمفاتحة الحاكم، الشيخ عبدالله السالم بالموضوع، وتم ذلك بسهولة، حيث وافق لهم على الفكرة وبارك القرار، وكانت تلك بداية تأسيس البنك الوطني في الكويت، عام 1952 بسبب خطأ من موظف صغير، كلف البنك البريطاني بعدها الملايين من الأرباح!

 

ثم يأتي من يسمي نفسه الكاتب الصحافي الذي أعلن نيته الترشح لعضوية مجلس الأمة، بأن «التجار» أكلوا البلد!

***

من المؤسف أن تحاول جهات الإساءة لمثل هؤلاء الرجال المؤسسين، الذين على الرغم من تواضع معارف بعضهم، فإنهم اتسموا بقدر كبير من حب المغامرة، وخاطروا في مشاريع ما كان من الممكن أن ترى النور، لولاهم، كالخطوط الكويتية وشركات أخرى غيرها.

كما كانوا، لفترة طويلة، المورد أو الجهة الرئيسية التي كانت تغذي موازنة الدولة بالمال من خلال الرسوم الجمركية التي كانوا يدفعونها، ونشاطهم التجاري الواسع، وغير ذلك من أنشطة، وقبل عهد النفط بكثير.

***

واليوم، تساوى صاحب رخصة البقالة المتنقلة في الصحراء، التي لا يعرف صاحبها عنها شيئا، تساوى مع رئيس أكبر شركة استثمارية في اختيار عضو مجلس إدارة تجارة صناعة الكويت،

Back to top button