الصادق الحمامي: السياسة فقدت مصداقيتها وتحولت إلى لعبة لدى التونسيين

موقع الواو – بقلم بثينة عبد العزيز غريبي –

الدكتور الصادق الحمامي  (مؤلف الديمقراطية المشهديّة ) لمنصة الواو:

فوز قيس سعيد مرتبط بشخصيته وبالجماعات الرّقمية

الصحافة بلا صحفيين…!

السياسة فقدت مصداقيتها وتحولت إلى لعبة لدى التونسيين…

*اقرأ الجزء الأول من المقابلة التي أعدتها بثينة عبد العزيز غريبي.

إحدى عشرة سنة تمرّ على اندلاع الثّورة التونسية يمكن تشخيصها في الكثير من الأحداث السّياسية بين مظاهرات وصراعات وانتفاضات وعدد كبير من الأحزاب السياسية. ويقابل ذلك الكثير من الشخوص التي تواترت على الحكم والمؤسّسات التي ظهرت بتعلّة تأمين مسار الانتقال الديمقراطي وفتحت المنابر الإعلامية للنقاش حول المسائل والمستجدّات السياسية، إلى حين صار هذا النقاش في حد ذاته بوابات أزمات معرقلة للتحول الديمقراطي، لأنها تقام في غير أطرها المستوجبة وتسمح بغير الاختصاصين للتدخل في شؤون لا يفقهون فيها إلى حين وصولنا إلى الأحداث الكبيرة التي نعايشها حاليًا منذ غلق مجلس النواب إلى الدستور الجديد ومشروع الاستفتاء. وفتح جدالًا واسعًا حول مسار العشر سنوات ولكن فقط من منظور سياسي، ومن هذا المنظور نفهم أهميّة الكتاب الجديد للدكتور الصادق الحمامي: “ديمقراطيّة مشهديّة: الميديا والاتصال والسّياسة”، والذي تناول من خلاله  الديمقراطية التونسية في العشرية الأخيرة من منظور الصحافة والميديا والاتصال السياسي. من منطلق “أنّ السياسة يمكن أن تدرس من منظور تواصلي.ّ”

لقد مرّت الدّيمقراطية بثلاث موجات بين القرن الثامن عشر وتسعينات القرن الماضي، من الثّورة الفرنسية والإنجليزية امتدادًا مع الحرب العالمية الثانية وصولًا إلى الثّورات الديمقراطية في أوروبا. هذه التّحولات انتهت بنا إلى: “تشكّل مبحث مخصوص بالإنتقال الدّيمقراطي موضوعه دراسة الانتقال الميديائي أي دراسة الميديا وأدوارها داخل هذا المسار الذي يفصلهما.” أو بعبارة أخرى نظرية الانتقال الديمقراطي التي استخدمها الدكتور الصادق الحمامي في معالجة الانتقال الديمقراطي من زاوية الاتصال ودور الميديا في المجال السياسي، ساعيًا بذلك إلى استكشاف السياسة كما تمارس في مرحلة الانتقال الديمقراطي من منظور الاتصال السياسي.

ويطرح الكتاب عدّة مفاهيم ربما ليست جديدة سياسيًا، ولكنها أخذت معان مغايرة اتصاليًا مثل “المشهديّة الديمقراطية” و”الزعامة” و”النرجسية السياسية” وصولًا إلى “الميديا التي أخذت دور الحزب. “فـفي السّياسة الجديدة ذات الطبيعة المشهديّة، تحوّلت الزّعامة وأصبحت بدورها مشهديّة. إنّ الناظر إلى تطوّرات الزعامة في العشريّة الأخيرة، يلاحظ بكل وضوح تنامي ملمح الزعيم المشهدي الذي يجيد الخطابة والبلاغة والذي يتميّز بحضوره الملفت في مستوى الصوت والباتوس بشكل عام، أي في مستوى قدرة الزعيم على إقامة علاقة عاطفيّة وانفعالية مع الجمهور. وهذه الشخصيات المشهديّة، وإنّ تنوّعت أساليبها، فهي في كثير من الأحيان شخصيّات نرجسيّة تملأ الشّاشة بحضورها.” (ص.270).

 

كيف يرى المؤّلف الديمقراطية المشهدّية؟ وأي قراءة يقدّمها للإعلام والاتصال في العشريّة الأخيرة، إذ لا يمكن قراءة هذا الكتاب الذي يطرح قضايا أساسيّة إشكاليّة مثيرة للجدل حول تطوّرات الزعامة في العشرية الأخيرة دون الخوض فيها مع مؤلّفه الدكتور الصادق الحمامي.

ود.الصادق الحمامي أستاذ التّعليم العالي بمعهد الصّحافة وعلوم الإخبار بتونس منذ 1996. متحصّل على دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال من جامعة ستندال قرونوبل بفرنسا ودرّس لعدّة سنوات بكلّية الاتصال بجامعة الشارقة بالإمارات العربيّة المتحدة ،وصدرت له عدّة مؤلّفات هي نتاج مجهود مستمرّ في البحث والتعمّق في مجال علوم الإعلام والاتصال.

  • أولًا تهانينا على صدور الكتاب الجديد، بداية أين تصنفه مقارنة بإصداراتك السّابقة؟

هذا الكتاب هو امتداد لكتاب أوّل نشرته عام 2012 بعنوان:”الإعلام التونسي: أفق جديد…” والكتاب كان في تلك الفترة تحقيق أولي في ما يسمّى الانتقال الديمقراطي في علاقته بالصحافة وبالميديا وبالاتصال  السياسي وبقضايا المجال العمومي. ومن 2012 إلى حين صدور كتاب “ديمقراطية مشهدية”، اشتغلت على عديد المباحث والمسائل المتعلقة بالاتصال السياسي والتعديل والصحافة والتلفزيون. وكل هذه البحوث تكوّن لي بفضلها تصور عام حول الصحافة والميديا والاتصال السياسي في علاقته بالانتقال الديمقراطي، وتشكلت عندي فرضيات جديدة  ومباحث جديدة، وظهرت عندي رؤية شاملة لمقاربة الانتقال السياسي من منظور الاتصال ونتائجه الحاسمة على الحياة السياسية بشكل عام وعلى علاقة التونسيين بالسياسة.

ومن الفرضيّات الأساسيّة التي طرحتها أن الممارسة السياسية في العشرية الأخيرة مرتبطة بشكل عضوي بالاتصال السياسي، فالنخب السياسية استثمرت في الميديا والاتصال السياسي بشكل غير مسبوق للصراع على السّلطة، ولم يحصل في المقابل أيّ استثمار حقيقي في عمليّة بناء المؤسّسات الديمقراطيّة. أريد أن أؤكد كرة أخرى على وصف الكتاب بأنه تحقيق في الديمقراطية وفي ما يسمّى الانتقال الديمقراطي، الذي يعرف اليوم منعرجًا خطيرًا. الانتقال الديمقراطي هو نتاج لعدد من الانتقالات إذا شئنا في كل مؤسسات المجتمع: في القضاء، في الإدارة، في الميديا  ومؤسساتها المختلفة، في الأمن…فشل الانتقال السياسي هو إذن فشل كل هذه الانتقالات معًا، والتحقيق الذي قمت به يبين على وجه الخصوص كيف أن المنظومات الجديدة (القانونية والمؤسسية) ذات العلاقة بالصحافة والميديا والاتصال السياسي التي كانت لتنظيم مجال عمومي ديمقراطي فشلت كلها تقريبًا.

نتيجة الانتقال هنا هي صحافة مكتوبة في أزمة شاملة، تلفزيون عمومي مشوه وفي حالة وهن أصبح معاد لفلسفة المرفق العمومي ومؤسسات عمومية لا يشتغل وفق الشروط الدنيا قطاع وتلفزيوني وإذاعي خاص خاضع تقريبًا برمته إلى منطق الترفيه، بسبب مقاربة تعديلية تعمل وفق منطق الحد الأدنى، صناعة إخبارية ما تزال جنينية، بل أكاد أقول صحافة لا صحفيين، وصحفيون يشتغلون في ظروف مهينة أحيانًا أو غير قادرين على أداء  مهامهم، سياسات عمومية تعمل على ترك الصحافة والميديا على حالتها. ويمكن أن نزيد على كل هذا كيف أن الفاعلين السياسيين طوروا إستراتيجيات وتكتيكات متنوعة لتوظيف الصحافة والميديا  لصالح غايات الاتصال السياسي، إضافة بطبيعة الحال إلى نتائج الفايسبوك على الحياة السياسية من  تضليل معلوماتي شامل أدى إلى نتائج وخيمة جدًا على معرفة التونسيين بالحياة السياسية وأحداثها…الكتاب يحقق في كل هذا وفي كيف تحول الاتصال إلى قوة تخريب للانتقال الديمقراطي.

أنا أدافع عن مقاربة منهجية لدراسة الانتقال الديمقراطي لا تعتمد التوصيفات السببية الكبرى، بل الاستكشاف الإمبريقي -أيّ الميداني- إذا أردنا أن نعرف  فعلًا ما  حصل طيلة هذا الانتقال.

  • هل “السياق” الذي نشرت فيه هذا الكتاب يختلف عن “سياق” التأليف أو أنّه يوجد تشابه بين السياقين يعكس عدم تطور أو التحوّل في الواقع التونسي؟

هناك نوع من الاختلاف والسبب أنّي عندما كنت  يصدد الانتهاء من الكتاب طرأ ما يسمّى  بالحالة الاستثنائية، عندما علق الرئيس عمل البرلمان ثم قام بحله  وتعليق الدستور، كل هذه الأحداث أكدت لي بعض الفرضيات: وهي أنّ أحداث 25 جويلية لم تكن فقط أحداث سياسية، أي لم تكن لها فقط علاقة بالصراع على السلطة السياسية بين قيس سعيد والنهضة، بل ما يجب الانتباه إليه أنّ الانتقال السياسي أفضى إلى تراجع إيمان التونسيين بالديمقراطية، من أسبابه الحاسمة  تحويل السياسة إلى  صراع مشهدي، إضافة إلى إستراتيجيات النخب السياسية في  الانقسامات  وتأجيج المشاعر…

يمكن أن نختزل العشريّة الماضية من منظور الكتاب في التنافس على السّلطة بواسطة الاتصال وبواسطة الأساليب المشهدية، حتّى أّنّ السياسة فقدت مصداقيتها وتحوّلت إلى “لعبة” لدى التّونسيين الذين سئموا من مشهد الحياة السّياسية. وبالتّالي فإن كل ما وقع بعد 25 جويلية من رفض للنخب ولما يسمّى بالأجسام الوسيطة هو على نحو ما جنته النخب التونسية على نفسها، بما أنّها استثمرت في التنافس على السلطة بواسطة المشهديّة وبعدم إرساء المؤسّسات التي تقوم عليها الدّيمقراطية على غرار الميديا.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى