“بلطجة” مصرفية
بقلم: بشارة شربل
النشرة الدولية –
لإضراب جمعية المصارف الذي نُفذ أمس فائدة وحيدة تتمثل في إنعاش ذاكرة اللبنانيين الذين عايشوا الحياة الثقافية في سبعينات القرن المنصرم، وفي تنبيه الجيل الجديد المتفاجئ بالخراب الى مسرحية “إضراب الحرامية” للفنانة نضال الأشقر عام 1971. فهي “رائعة” تستحق أن تُلعب من جديد، إذ لو أضفنا اليها دور السلاح غير الشرعي، لطابَقَت وصفاً دقيقاً لتحالف مافيا السلطة والفساد الحالي وصولاً في العبث حدَّ مناشدة السارقين الموصوفين معاودة إنقاذ الشعب من حفرة الإنهيار المريع.
ولأن الموضوعية تقتضي توزيع المسؤوليات وعدم اتهام طرف واحد بسرقة ودائع المواطنين، يجب الإقرار بأن المصارف ليست المرتكب الوحيد ولو أنها الأساسي صاحب الحرفة الأنيقة والدربة في الإغواء بالفوائد وإيهام الناس بأنها الى جانبهم في السراء والضراء، لشراء سيارة أو لقرض تجميل.
أما حاكم المصرف المركزي فشريك فعال ولاعب “كشاتبين” من الصنف الرفيع يضيف الى موسوعة الاحتيال العالمي نكهة لبنانية من “سيولة” أخلاق مسؤول محصن بصلاحيات استثنائية لكنه يستنكف عن القرار السليم وتحكيم الضمير بفعل الجشع وضعة الولاء.
ثالث الشركاء هي الدولة ممثلة بكل من تعاقبوا على السلطة وكانوا في كراسي الحكم وموقع القرار والرقابة والمحاسبة. ومن نافل القول إنها تشكلت من مجموعة أوغاد تقاسموا النفوذ والحصص وجسَّدوا المقولة الشهيرة “حاميها حراميها”… أليسوا هم أنفسهم وورثتهم وأحزابهم الذين لا نزال نرجوهم التعطف علينا بالأدوية المستعصية أو بإنقاذ ربطة خبز من معابر التهريب وننتظر منهم خطة التعافي والكابيتال كونترول ورزمة الإصلاحات؟!
الإضراب قمة الوقاحة. والمؤسف أن المصارف التي فعلت “السبعة وذمتها” بحق من إئتمنها على أمواله وجنى عمره لا تزال قادرة بقوة ارتباطاتها وشراكاتها العميقة مع أهل السلطة ورموزها على إنكار مسؤوليتها الجسيمة عن خيانة الأمانة، وترفض حتى حساب رساميلها في توزيع الخسائر ضمن خطة الاصلاح المالي، وهي اليوم، في خضم امتناعها عن إعادة النزر اليسير من حقوق المودعين، تتواطأ مع الحاكم لتذويب الأرصدة مثلما تستمر في التآمر مع النافذين لمتابعة تحويلات استنسابية جنى منها بعض أعضاء مجالس الإدارات أموالاً طائلة بعدما توزّعت السمسرات على أكثر من فريق.
تعلم المصارف أن تهديدها اللبنانيين بإضراب جديد سيرفع سعر الصرف ويعرقل ما تبقى من خدمات مصرفية ضرورية، لكن هدفها الرئيس تحذير أي قاض نزيه من مغبّة اتخاذ قرار جريء يعيد فتات حقّ لضحية من ضحاياها. وهي ما كانت لتلجأ الى تلك الخطوة لولا استفادتها من شراكاتها مع أهل السلطة ومن تخاذل معظم القضاء ومن “إثم” ارتكبه نصف المواطنين بإعادتهم جلاديهم الى مجلس النواب معمِّمين الضرر على كل مواطن ومقيم في البلاد.
من حقّ أي جمعية أو مواطن الإضراب دفاعاً عن مصالح حقيقية أو قيم وأفكار. أما إضراب “الجمعية” فبلطجة خالصة تستقوي باهتراء شامل للمؤسسات، أتفَه مظاهره السجال المعيب بين الرئاسات، وجوهرُه إصرار المنظومة على خنق رهينة اسمُها “دولة لبنان”.