أين تقع «فلسطين» في ظل حرب الصواريخ؟
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
الفلسطينيون هم ثقافياً ولغوياً عرب ومعظمهم لا كلهم مسلمون… والسكان الفلسطينيون المسلمون ينحدرون في الغالب من المسيحيين واليهود والسكان المحليين الذين أصبحوا مسلمين بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع.
عُدت إلى التاريخ ففيه قد تكون الرؤية أشمل وقد تغنيك عن التوهان في خضم المواجهات التي تحدث في قطاع غزة بين «جيش الدفاع» و«حركة الجهاد»… أحياناً نغرق في التفاصيل وننسى الجذور والأساس، ونحن نعيش «عصر التطبيع» نحتاج إلى ركيزة تعيننا على فهم ما يجري على الأرض الفلسطينية.
حصلت على كتاب، أهدتني إياه مديرة مركز دراسات الوحدة العربية بحلته الجديدة، السيدة «لونا أبو سويرح».
عنوان الكتاب «فلسطين أربعة آلاف عام في التاريخ» لمؤلفه نور مصالحة، المؤرخ والأكاديمي الفلسطيني، وهو من مواليد الجليل، قام بترجمة الطبعة العربية الأولى، فكتور سحاب.
يحتاج الكتاب إلى وقت لقراءته كاملاً، لكنني حاولت قدر الإمكان معرفة جوهر الفكرة والسياق العام، شعرت بالقيمة التاريخية والأكاديمية للجهد المبذول في كتابته الأصلية باللغة الإنكليزية وترجمته إلى اللغة العربية.
سيكون الكلام مفيداً في سنوات المواجهات المتكررة والمتاهات التي وصلنا إليها، بالعودة إلى الأصول وهذا ما قصدته وما سعيت إليه، فالمسألة ليست عابرة وإن إنتهت هذه «الجولة الصاروخية» بهدنة بعد أن تدخل فيها على خط الوساطة «فرقاء التطبيع».
يستكشف الكتاب تطور مفهوم فلسطين وتواريخها وهويتها ولغاتها وثقافاتها من العصر البرونزي المتأخر حتى العصر الحديث.
هذا الكتاب يتحدى المقاربة الاستعمارية لفلسطين والخرافة الخبيثة «أرض بلا شعب»، فغالباً ما يدرّس تاريخ فلسطين في الغرب على أنه تاريخ أرض، لا على أساس أنه التاريخ الفلسطيني، أو تاريخ شعب، كذلك يرى «مصالحة» أن يقرأ تاريخ فلسطين بأعين شعب فلسطين الأصلي، وقد سبقت هويتهم الأصلية وميراثهم التاريخي بزمن طويل، بروز حركة وطنية فلسطينية محلية وليدة، في أواخر العصر العثماني، وقدوم الاستعمار الاستيطاني الصهيوني قبل الحرب العالمية الأولى.
هذا الكتاب يسعى لتفسير البدايات المتعددة ومراحل تطور مفهوم فلسطين، ووضعها في السياقات الجغرافية والثقافية، والسياسية والإدارية، كذلك يرمي إلى أن يثبت كيف أن اسم فلسطين كان الأكثر شيوعاً في الإدارات الرسمية في التاريخ القديم، ويناقش أسطورة غزو «الإسرائيليين» أرض كنعان، والروايات الأساسية في العهد القديم – أو التوراة العبرية – وهي روايات خرافية غرضها التأسيس لوعي خاطئ.
اليوم، الفكرة عن بلد ما غالباً ما تختلط بمفهوم «الدولة – الأمة» لكن هذا لم يكن دوماً الحال، فالبلاد وجدت زمناً طويلاً قبل القومية أو نشوء السرديات الشاملة «للدولة – الأمة».
وعلى الرغم من وجود عدد من البدايات والمعاني المتعددة لفكرة فلسطين، يبقى السؤال المهم، لا يتعلق كثيراً بـ«أصل» فكرة فلسطين، أو من أين أتت الفكرة، ولكن كيف تطورت هوية فلسطين وتجربتها عبر الزمان.
اليوم الفلسطينيون هم ثقافياً ولغوياً عرب، ومعظمهم، لا كلهم، مسلمون، والسكان الفلسطينيون المسلمون ينحدرون في الغالب من المسيحيين واليهود والفلسطينيين المحليين، الذين تحولوا إلى الإسلام بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع، وورثوا كثيراً من التقاليد القديمة، الاجتماعية والثقافية والدينية واللغوية، بما في ذلك تقاليد الإسرائيليين والكنعانيين والفلستيين، واللغة العربية لم تكن دخيلة على فلسطين من عام 638م وما بعد، في أثر الفتح العربي الإسلامي، كذلك كثير من الفلسطينيين مسيحيون عرب لهم جذور تاريخية في فلسطين وتراث قديم في الأرض حيث عاش السيد المسيح عليه السلام.
يؤكد الكتاب في الخاتمة على أنه خلافاً لأسطورة «الشتات والعودة» كثير من سكان فلسطين القديمة اليهود، ظلوا فيها لكنهم تقبلوا المسيحية والإسلام، بعد أجيال متعددة.
التعايش بين اليهود والمسلمين والمسيحيين جرى على أرض فلسطين تاريخياً، وهذا بيت القصيد، أما ما يجري الحديث عنه بإقامة «دولة لليهود» تضم فلسطينيين عرباً، مسلمين ومسيحيين وتحمل اسم «إسرائيل»، فهذا أمر مغاير تماماً لوقائع التاريخ الذي نقرأه!