ثلاثة مشاهد «متناقضة» من بيروت
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
فقد لبنان منذ الحرب الأهلية في السبعينيات عناصر القوة التي امتلكها وجعلته «سويسرا الشرق»، لذلك عليه أن يبحث عن دور جديد لكي يتعافى ويعود إلى وضعه الطبيعي.
المشهد الأول:
المجتمع اللبناني بصفة عامة قبل «النكبة المالية» وما بعدها يحمل الشيء ونقيضه، إذا وضعت مظاهر البؤس والإفلاس والمعاناة جانباً فستجد صورة أخرى رائعة وجميلة قد لا تصدق عيناك ما تشاهده، وأفضل عبارة تلخص هذا المشهد، أن بيروت ولبنان مازالا بخير، وإذا ساقك الحظ وذهبت إلى مدينة جونية ليلاً وتجولت في أسواقها التراثية ومبانيها الحلوة من حجر الصخر الأبيض ودلفت نحو أي مطعم على البحر، فستجد نفسك في عالم آخر، كل مظاهر البذخ والترف والموضة والوجه الحسن ستكون أمامك فلا شيء ينغص حياتك، وبالكاد تجد طاولة لتجلس عليها وتستمتع بالأجواء الناعمة والهواء العليل وعلى هدير أمواج البحر والإضاءة المشعة، تلتفت حواليك فإذا بأصوات الضحك والسهر والعبارات الفرنسية والإنكليزية تدخل أذنيك دون استئذان، وإن لم ترتوِ من هذا «الوجه البحري» فما عليك إلا التوجه نحو «الداون تاون» في بيروت وتحديداً منطقة «ستاركو» وستذهل مما تراه عيناك، هنا «سويسرا الشرق» وأشهر المطاعم والفنادق والأسماء التجارية لبيوت الأزياء، وعلى الجانبين أفخم وأحدث موديلات السيارات التي لم تشاهدها من قبل، ما إن تودع هذا «الحي الباريسي» حتى يستقبلك حي «الجميزة» و «مار مخايل» وهات يا سهر حتى آخر الليل…
المشهد الثاني:
اقتحام الشاب «بسام» أحد فروع المصارف حاملاً رشاشه ومحتجزاً الموظفين ومدير الفرع كرهائن أوصل عدة رسائل: أولاً: هذا بداية الغيث فالقادم سيكون الأسوأ من قبل المودعين والذين وجدوا أنفسهم «فقراء» ولا حيلة لهم للحصول على أموالهم إلا بهذه الوسيلة والتي قد تشجع آخرين وهم بمئات الآلاف تمت سرقة جنى عمرهم من قبل البنوك بوضع اليد، بحيث باتت صورة قطاع المصارف في الحضيض، فلا ثقة بعد اليوم بهم وبمن يتولون إدارة البنوك والبنك المركزي، أعادني هذا المشهد إلى أزمة بنك أنترا الشهير عام 1966 وقصة الشيخ عبدالله السالم الصباح مع هذا البنك والمنشورة في كتاب يحكي كيف انهار أهم وأفخم وأكبر بنك، ليس في لبنان بل في العالم العربي، وكيف أعيدت أموال المرحوم الشيخ عبدالله السالم بطلب شخصي منه، وعندما أحضروا له المبلغ أمر بإعادته بعدما تأكد بنفسه مدى الثقة والقدرة المالية التي يتمتع بها البنك في حينه.
المشهد الثالث:
حديث الصالونات والمقاهي اليوم في بيروت عن «الثروة الموعودة» من النفط والغاز وما إذا كانت إدارة الدولة قادرة على حفظ حقوق اللبنانيين من خلال التفاوض والضغط، وهل سيعني ذلك بداية التطبيع بين لبنان وإسرائيل؟ أما الموضوع الآخر فهو عن الرئيس القادم والمنتظر والمعوّل عليه أن يكون محل توافق القوى السياسية والإقليمية، بعدما فتح «وليد بك جنبلاط» الباب واسعاً أمام هذا الاستحقاق بحيث يكون استنساخاً لمرحلة فؤاد شهاب أو إلياس سركيس!
في هذا الإطار يبقى هذا البلد ينازع ويتآكل أملاً في الإنقاذ، وهي مهمة شبه مستحيلة، لأن السؤال الأكبر هو من يصنع الرئيس وكيف وهل سيكون مفتاح الحل أم «راوح مكانك»… لقد فقد لبنان منذ الحرب الأهلية في السبعينيات عناصر القوة التي امتلكها وجعلته «سويسرا الشرق» لذلك عليه أن يبحث عن دور جديد لكي يتعافى ويعود إلى وضعه الطبيعي، فهل نأمل بذلك؟