صحيفة إسرائيلية تلقي الضوء على أكبر عملية ترحيل للفلسطينيين تقوم بها إسرائيل منذ عام 1967
ألقت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، مؤخرا الضوء عبر تقرير إعلامي ميداني قام به آرون بوكسرمان، حول قرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية في أوائل مايو الماضي والقاضي بإعطاء الإذن للجيش الاسرائيلي بأن يطرد أكثر من 1300 فلسطيني يعيشون داخل أراضيهم في منطقة تدريب عسكرية إسرائيلية تغطي أميالا من قمم التلال الفلسطينية المحتلة.
ويعتبر التقرير محاولات الجيش الإسرائيلي إخلاء مجموعة القرى الصغيرة الفلسطينية في جنوب الخليل المحتل من قبله بمثابة صراع إرادات مستمر منذ عقود بين الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية وقد إقترب من نهايته.
يقول التقرير الإسرائيلي “بعد معركة قانونية استمرت لأكثر من 20 عاما، قضت محكمة العدل العليا الإسرائيلية في أوائل مايو بأنه سيكون بإمكان الجيش أن يطرد أكثر من 1300 فلسطيني يعيشون داخل منطقة تدريب عسكرية تغطي أميالا من قمم التلال”.
يقول هيثم أبو صبحة، وهو مدير مدرسة يقول إنه عاش في قريته طوال حياته، “يحاولون إخراجنا من هنا بشكل نهائي”.
إذا تم تنفيذ الخطوة، فستكون هذه أكبر عملية إخلاء منفردة في الضفة الغربية منذ استيلاء إسرائيل على المنطقة في حرب “الأيام الستة” عام 1967، وفقا لجمعية حقوق المواطن في إسرائيل.
الفخيت هي قرية واحدة فقط من بين أكثر من عشرين قرية فلسطينية صغيرة منتشرة في مسافر يطا، الاسم العربي للتلال مترامية الأطراف جنوب الخليل. سيتم إخلاء نحو ثمانية منها وفقا لقرار المحكمة. الفلسطينيون المحليون يعملون كرعاة ومزارعين، ويقومون بتربية الماعز والأغنام التي ترعى على سفوح التلال.
في عام 1979، صادر الجيش حوالي 30 كيلومترا مربعا من الأراضي وأعلنها منطقة إطلاق نار 918. ومنذ ذلك الحين، سعى الجيش الإسرائيلي إلى إخلاء الفلسطينيين الذين يعيشون بأراضيهم في ثماني قرى تقع داخل منطقة إطلاق النار، معظمهم في مجموعات منازل منخفضة الارتفاع وبأسقف مرتجلة.
يجادل الفلسطينيون المحليون بأن وجودهم يسبق منطقة إطلاق النار، مما يعني أنه لا يمكن طردهم من أراضيهم المشروعة بموجب القانون الإسرائيلي.
تطعن السلطات الإسرائيلية في حجة الفلسطينيين وقدم محامو الحكومة صور أقمار اصطناعية التي يزعمون أنها تظهر عدم وجود مبان سكنية على قمم التلال قبل التسعينات.
ويقول كوبي إليراز، مستشار كبير لوزارة الدفاع الاسرائيلية في شؤون المستوطنات: “لم يعيشوا هنا قط. لا ترى على سبيل المثال الزراعة والبساتين المتسقة [في صور الأقمار الاصطناعية]… لا توجد هناك منازل دائمة وواضحة ومرئية للعين”.
ويزعم إليراز: “يعرف الفلسطينيون أن بإمكانهم سرقة الأراضي من اليهود، لذا فهم يفعلون ذلك”.
لكن الفلسطينيين يقولون إن المنازل لم تكن مرئية بسبب أسلوب حياتهم الفريد: استخدام الكهوف الفسيحة كمنازل وتربية قطعان على سفوح التلال. قام عالم الأنثروبولوجيا ، يعقوب حبكوك، بتأريخ المنازل الفريدة في سرد معاصر.
“أنا نفسي نشأت في كهف. لقد قضيت بعض أسعد أيام طفولتي هناك”، كما يشهد أحد سكان قرية طوبا المجاورة الذي فضل عدم الكشف عن اسمه.
ودعمت جماعات حقوقية يسارية السكان الفلسطينيين. بحسب ألون كوهين-ليفشيتس، وهو مخطط حضري في منظمة “بمكوم” غير الربحية، فإن فحص أدق للصور يظهر بوضوح المنازل الكهفية وغيرها من المباني.
منذ الإعلان عن منطقة إطلاق النار في أوائل الثمانينات، هدمت السلطات الإسرائيلية مبان بُنيت بشكل غير قانوني في المنطقة. ولكن في عام 1999، قرر الجيش الإسرائيلي إخلاء الفلسطينيين المقيمين في المنطقة بشكل نهائي.
وتم نقل نحو 700 فلسطيني إلى مناطق على أطراف منطقة إطلاق النار. وقال أبو صبحة، مدير المدرسة، إنه تم هدم العديد من المباني في القرى وملء بعض الكهوف بالأسمنت. قدم الفلسطينيون، بدعم من جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، التماسا للمحكمة العليا.
لأكثر من عقدين من الزمن، خاض الطرفان المعركة أمام هيئة القضاة. في غضون ذلك، اضطر الفلسطينيون المقيمون في مسافر يطا للعيش في حالة تيه.
جميع عمليات البناء الجديدة كانت غير قانونية، لكن الفلسطينيين استمروا في بناء منازل جديدة ومبان زراعية لدعم السكان الآخذين بالازدياد. ولقد أصبح مشهد الجرافات التي تقوم بهدم المنازل مشهدا معتادا.
يقول دان يكير، وهو محام في جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، “لا يمكن الحصول على تصاريح في منطقة إطلاق النار. إن مقدمو الالتماس [الفلسطينيين] محاصرون في فخ منذ 22 عاما”.
نظرا لأنه تم بناؤها في منطقة إطلاق النار، لا يمكن توصيل منازل القرية بشكل قانوني بالكهرباء أو الماء. فعل الفلسطينيون ذلك من خلال وضع ألواح شمسية أو استخدام المولدات، التي يقوم الجيش بمصادرتها من وقت لآخر هي أيضا.
خارج منطقة إطلاق النار مباشرة، ظهرت بؤر استيطانية إسرائيلية – التي تم بناؤها هي أيضا بصورة غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي – على التلال القريبة. على عكس الفلسطينيين، يتمتع المستوطنون بمياه جارية وكهرباء في منازلهم.
بحسب كوهين-ليفشيتس، توسع المستوطنون بهدوء في أطراف منطقة إطلاق النار أيضا، بما في ذلك مبان زراعية صغيرة وطرق مؤدية إلى ثلاث بؤر استيطانية – حفات معون وأفيغايل ومتسبيه يائير.
وكتب كوهين-ليفشيتس عن البؤرة الاستيطانية الثلاث “هناك اتجاه واسع النطاق لانتشار المستوطنات المتاخمة لمنطقة إطلاق النار إلى المنطقة نفسها، في انتهاك كامل للقيود التي تفرضها مناطق إطلاق النار”.
ويقول الفلسطينيون إن المستوطنين الذين يسكنون البؤر الاستيطانية يضايقونهم باستمرار. ووقعت في المنطقة بعض من أعمال العنف الأكثر وقاحة لمتطرفين يهود في السنوات الأخيرة – بما في ذلك الحشد الذي ألقى الحجارة على السيارات والمنازل في سبتمبر الماضي، مما أدى إلى إصابة طفل فلسطيني يبلغ من العمر ثلاث سنوات.
يقول أبو صبحة “تعمل السلطات الإسرائيلية على جعل حياتنا هنا لا تطاق. سيكون من المحرج للغاية [طردنا]، لذا فقد حرمونا من الحقوق الأساسية على أمل أن نقوم بحزم أغراضنا والمغادرة”.
ويضيف “لكنهم يدركون الآن أن ذلك لن ينجح. لقد فرضنا حقائقنا الخاصة على الأرض خلال الأعوام العشرين الأخيرة”.
أخيرا، في منتصف ليل الثالث من مايو – يوم استقلال إسرائيل – أصدرت المحكمة قرارها بهدوء. قرر القضاة أنه سيكون بإمكان الجيش طرد الفلسطينيين، كما كتب القاضي دافيد مينتس بالنيابة عن الأغلبية.
أيد مينتس موقف الجيش: لم يكن الفلسطينيون مقيمين دائمين، وإنما رعاة موسميين دخلوا التلال وخرجوا منها مع قطعانهم.
وكتب مينتس، “لا يمكن ملاحظة أي علامات استيطان في المنطقة قبل عام 1980، وبالتأكيد ليس سكنا دائما في المنطقة بأكملها”، مشيرا إلى أن الجيش قدم “صورة إثباتية واضحة”.
وانتقد مينتس الفلسطينيين لاستمرارهم في بناء مبان في قراهم في غضون ذلك، قائلا إنهم أساءوا استخدام الإجراءات القانونية للبناء.
وقال: “إن أخذ القانون باليد والسعي للحصول على تعويض منصف لا يتوافقان معا”.
وأشاد القيادي المحلي للمستوطنين يوحاي دماري، الذي يرأس المجلس الإقليمي تلال الخليل، بالقرار، وانتقد الفلسطينيين لسكنهم في أراض صادرها الجيش.
وقال دماري في رسالة فيديو نشرها عبر صفحته على “فيسبوك”، “ليس من المفترض أن يكونوا على أراضي الدولة. إنهم مستقطنون، ولهذا أمرتهم المحكمة العليا بإخلاء [المنطقة]. احيي هذا القرار، لأننا نقاتل من أجل أراضي بلدنا”.
في قاعة المحكمة، صاغ محامو الجيش والمدافعون الفلسطينيون حججهم ضمن مجموعة من الاعتبارات التقنية المنصوص عليها في القانون. تجادلوا حول كل شيء من وقت وصول الفلسطينيين إلى المنطقة وصولا إلى عدد المرات التي استخدم فيها الجيش المنطقة.
خارج جدران المحكمة العليا، ينظر كل من المستوطنين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى الصراع على سفوح التلال كجزء من لعبة شد الحبل الأكبر حول مستقبل الضفة الغربية.
يأمل الفلسطينيون ونشطاء اليسار الإسرائيلي في رؤية المنطقة جزءا من دولة فلسطينية، وهي فكرة يعارضها اليمين الإسرائيلي. يرى كلا الطرفين في المنطقة (C) الخالية بعظمها – حيث تقع الغالبية العظمى من المستوطنات الإسرائيلية – ساحة معركة حاسمة. يتهم كل طرف الآخر بالسعي إلى وضع حقائق على الأرض.
وصف دماري، القيادي الاستيطاني، القرار بأنه “جيد للمشروع الاستيطاني، وجيد لأراضي الدولة، وجيد فيما يتعلق بالمعركة على المنطقة C التي ننخرط فيها بقوة”.
تحتل مناطق التدريب العسكرية حوالي 18% من أراضي الضفة الغربية، بحسب منظمة “كيرم نفوت” اليسارية غير الربحية. يقول الجيش الإسرائيلي إنه يستخدم المناطق لإجراء عمليات تدريب أساسية.
قال محامو الجيش للمحكمة العليا خلال إحدى الجلسات التي لا حصر لها بشأن مسافر يطا إن “الأهمية الحيوية لمنطقة إطلاق النار هذه لجيش الدفاع تنبع من الطابع الطبوغرافي الفريد للمنطقة، الذي يسمح بأساليب تدريب خاصة في كل الأطر الصغير والكبيرة، من فرقة إلى كتيبة”.
لكن الوثائق الأرشيفية من السنوات الأولى للحكم الإسرائيلي في الضفة الغربية تشير إلى أن دافع آخر لإعلان مناطق إطلاق النار المحلية قد يكون ضمان السيطرة الإسرائيلية الكاملة على المنطقة.
خلال اجتماع عُقد في عام 1981 للجنة المستوطنات الحكومية، قال من سيكون رئيس الوزراء في المستقبل، أريئل شارون، إن مناطق إطلاق النار في تلال جنوب الخليل ضرورية لضمان بقاء المنطقة في أيد إسرائيلية.
قال شارون، الذي كان يُعتبر مؤيدا قويا للمستوطنات الإسرائيلية، “لدينا فكرة أنه يجب علينا إغلاق المزيد من مناطق التدريب على الحدود، عند سفوح الخليل باتجاه صحراء يهودا. هذا في ضوء ظاهرة ناقشناها في وقت سابق – ظاهرة انتشار عرب التلال الريفية على التل باتجاه الصحراء”.
أرسلت لجنة شارون توصية رسمية للجيش الإسرائيلي بالإعلان عن منطقة إطلاق نار عسكرية في تلال جنوب الخليل. تم إنشاء منطقة إطلاق النار 918 بعد ذلك بوقت قصير.
قدم محامو الفلسطينيين محضر الاجتماع كدليل خلال جلسات المحكمة العليا. لكن ذلك لم يقنع القضاة، الذين رفضوه في حكمهم ووصفوه بأنها عام للغاية بحيث لا يمكن استخدامه.
في حالتين على الأقل، قام المسؤولون الإسرائيليين بتعديل أو اقتراح نقل حدود مناطق إطلاق النار للتكيف مع بناء المستوطنات الإسرائيلية.
في عام 2015، وقّع قائد الضفة الغربية الإسرائيلي آنذاك نيتسان ألون أمرا بإزالة نحو 200 دونم من منطقة إطلاق النار 912، المتاخمة لمستوطنة معاليه أدوميم، بحسب وثائق اطلع عليها “تايمز أوف إسرائيل”. تم بناء منازل في المنطقة يمكن رؤيتها بوضوح في صور الأقمار الاصطناعية.
في شمال الضفة الغربية، قالت الحكومة الإسرائيلية في إقرارات قضائية إنها تدرس نقل حدود منطقة إطلاق النار 904 لاستيعاب بؤرتين استيطانيتين إسرائيليتين غير قانونيتين تم بناؤهما في المنطقة، مزرعة إيتمار وغفعات أرنون.
تم تقديم ملفات المحكمة بعد أن قدم فلسطينيون من خربة طانا المتاخمة التماسا للمحكمة العليا الإسرائيلية، يسألون فيه عن سبب هدم منازلهم الوشيك، في حين أن ذلك لن ينطبق على البؤرتين الاستيطانيتين الإسرائيليتين، اللتين تقعان داخل نفس منطقة إطلاق النار.
رد الجيش بأن “المستوى السياسي طلب من المسؤولين العسكريين المعنيين إزالة الأرض التي تقع عليها البؤرتان الاستيطانيتان من منطقة إطلاق النار”، وأبلغ المحكمة أنه لا يزال ينظر في الأمر.
“خطوط حمراء”
قرار المحكمة في شهر مايو أعطى الجيش الضوء الأخضر لإخلاء الفلسطينيين، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن السلطات الإسرائيلية ستفعل ذلك.
قد تكون حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية المؤقتة، المنقسمة بشدة بين اليسار واليمين، غير قادرة على تنفيذ أوامر الإخلاء.
وقال إليراز: “سيكون ذلك مؤسفا – لأن هذه خطوة أساسية وضرورية وعاجلة”.
كما يرى نشطاء اليسار الإسرائيلي إن الطرد الجماعي غير مرجح؛ تقول شير ليفني، وهي مسؤولة في جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، إن المنظمات الحقوقية تتوقع استخدام إجراءات إدارية مختلفة للضغط على الفلسطينيين ببطء لترك المنطقة.
يضع السكان الفلسطينيون في مسافر يطا، الذين رفضت المحاكم الإسرائيلية حججهم، آمالهم الآن في حملة ضغط دولي على إسرائيل لوقف عمليات الهدم.
وقال يونس، رئيس المجلس المحلي: “نطالب المجتمع الدولي بالعمل على إنهاء هذا. بما أنه لا توجد عدالة في المحاكم الإسرائيلية”.
لكن دبلوماسيا غربيا يتابع القضية عن كثب قدر أن الضغط الدولي سيكون له تأثير ضئيل على السلطات الإسرائيلية إذا اختارت في النهاية طرد الفلسطينيين بشكل جماعي.
وقال الدبلوماسي، الذي تحدث مع تايمز أوف إسرائيل بشرط عدم الكشف عن هويته، “هناك الكثير من الخطوط الحمراء التي تم حرقها ولم يحدث الكثير. ستكون هناك تغريدات وبيانات، وستقوم الولايات المتحدة بالضغط من وراء الكواليس”.
في مؤتمر صحفي عُقد في واشنطن في أوائل شهر يونيو، أعاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس التأكيد على الموقف الأمريكي المعارض لخطوات “أحادية الجانب” من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين، “بما في ذلك عمليات الإخلاء”.
وقال الدبلوماسي الغربي: “ما الذي يمكننا فعله بصدق؟ لا شيء يمكنه وقف ذلك”.
تقرير منقول عن صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”