تطبيقات الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي لا تساعدنا على أن نكون أكثر ذكاء أو على التفكير المنطقي
النشرة الدولية –
العرب – ي
يمينة حمدي صحافية وكاتبة تونسية مقيمة في لندن –
أصبح من السهل علينا حل الكثير من المشاكل المستعصية التي نواجهها في الحياة اليومية، بالاعتماد على الخدمات السريعة، التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية والتطبيقات الإلكترونية.
ساهمت وتيرة الحياة العصرية في جعل فكرة الاستغناء عن التكنولوجيا أمرا مستحيلا، وبسبب البيئات المتصلة بشبكة الإنترنت ومجالات الأعمال التي تعتمد عليها بشكل مكثف، بتنا مدمنين بشكل ميؤوس منه على النقر على الشاشات، ومتشابكين طوال الوقت مع الآلات، وبدل أن نحصل منها على ما نريد، ترسخ فينا هي ما لا نريد.
وفي ظل التوسع المتواصل لشبكة الإنترنت، وزيادة قاعدة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار الهواتف الذكية في أنحاء العالم، سيطر على معظمنا إحساس بأنه يتعين علينا حمل هواتفنا الجوالة معنا إلى الحمام، وطاولة الطعام ووضعها تحت المخدة عند النوم… لأنها هي التي تسطّر لنا حياتنا في كل زمان ومكان.
ومن تجاربي الشخصية، فإنني عندما أشعر بالقلق، وقبل أن أسأل نفسي لماذا انتابني هذا الإحساس، أهرول إلى هاتفي مباشرة، وعندما أحس بالوحدة، وقبل حتى أن أعي أنني لست بمفردي في المنزل، فإنني أفتح مباشرة فيسبوك للدردشة مع بعض الأصدقاء. وبالمثل، فإنني قبل أن أعي أنني أشعر بالملل أتصفح تويتر لمتابعة الأخبار والمنشورات. لا شيء يخبرني بأنه يجب علي فعل تلك الأشياء، فما يدفعني إليها شعور داخلي ولا إرادي، لا أجد له تفسيرا منطقيا في عقلي.
عزائي الوحيد، هو أنني لست وحدي، فالملايين من الأشخاص يعيشون يوميا مواقف مشابهة، ويمسكون لا شعوريا بهواتفهم الذكية، لتفقد الرسائل الإلكترونية أو التعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي، أو حتى لمجرد الاطمئنان أن هاتفهم على ما يرام.
إنه داء العصر الحديث، وأطلق عليه الخبراء مصطلح “النوموفوبيا”، وهي الرغبة الملحة في تفقد الهاتف بين الحين والآخر، وقد يتحول ذلك من مجرد لمس للهاتف باليد إلى تصفح مستميت، يدوم لساعات من دون أن نعي ذلك، في الوقت الذي تتراكم فيه أعمال ومهمات أخرى مؤجلة.
التعلق بوسائل التكنولوجيا ليس شيئا جديدا ولا يأتي صدفة، إنما هو عن سبق تخطيط من شركات التكنولوجيا، التي تستعين في معظمها بخبراء في السلوكيات النفسية والاجتماعية، بهدف توظيف أفضل الاستراتيجيات التي تخاطب حواس الناس وتؤثر على الاستمالات العاطفية لديهم، ما يجعل التطبيقات الإلكترونية أشبه بالمصيدة التي يسهل الوقوع فيها ويصعب الخروج منها.
لكن الأسوأ من هذا كله، أن تطبيقات الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي لا تساعدنا على أن نكون أكثر ذكاء أو على التفكير المنطقي، وفي العالم الافتراضي المشتت الذي نعيشه على مواقع التواصل والأوقات الطويلة التي نقضيها على شبكة الإنترنت، لا نترك المجال لأدمغتنا لتفكر من تلقاء نفسها، وهي المهارات التي يقوّضها الاعتماد الكلي على الوسائل التكنولوجية.
وفي حين لا يزال الخبراء مُنقَسِمين حول فوائد وسلبيات وسائل التكنولوجيا، فإن الكاتب الروسي الراحل مكسيم غوركي سبق وأن عبر قبل أن يتوقع اكتشاف الإنترنت، عن هذا الأمر بقوله “عندما يكون كل شيء سهلا يصبح المرء غبيا بسرعة”.