غياب دعم الدولة.. أطفال القمر بين حلكة الظلام وأمل في سطوع الشمس
المغرب – مليكة أقستور –
يزداد أطفال القمر ليجدوا أنفسهم أعداء للشمس وأصدقاء للظلام، فيضطروا المكوث في منازلهم بين الجدران، ليسترقوا النظر بين الفين والأخر من نوافذ منازلهم، لأنهم يعانون من حساسية مفرطة من أشعة الشمس ما فوق البنفسجية، الشيء الذي يجعلهم يحرمون من النور الذي من المفترض أن ينير حياتهم، لكنه في الواقع يسبب لهم مرض جفاف الجلد المستبغ.
فحين نترقب فصل الربيع وطقسه المشمس لنستمتع ونتنزه في الطبيعة رفقة أهلنا وأصدقائنا، أطفال القمر لا يغادرون عتبة منازلهم، مما يشكله الأمر من تهديد حقيقي على حياتهم. فيعيشوا في حلكة الظلام، ليطوقهم الألم من كل جانب أملا في شمس تشرق حياتهم، ويرتاحوا من عذاب أنهك أكتافهم من ثقله.
فاطمة الزهراء غزاوي، 30 سنة، واجهت المرض بعزيمة وإصرار وبقوة شامخة.
بدأت معاناة فاطمة الزهراء مع المرض عندما كانت تبلغ من العمر سنتين وبما أن المرض كان نادراً وجديداً، قررت فاطمة الزهراء عندما بلغت من العمر 17 سنة، البحث عن مرضها على الأنترنيت لكي تكتشف أنها مصابة بمرض جلدي خطير قد يتطور إلى أورام في حال استمرت في التعرض إلى أشعة الشمس والأضواء.
تقول: ”طفولتي كانت جميلة جدا، وفي نفس الوقت كانت سيئة، لأن أهلي كانوا يريدون حمايتي من أشعة الشمس، وأنا لم أكن أسمع كلامهم، فأنا كأي طفل، يريد أن يخرج ويلعب خارج البيت مع أصدقائه، ولكن كان الأمر يشكل خطر عليَّ، حينها أنا لم أفهم الوضع، كنت فقط أريد أن أستمتع وأن ألهو ولم أكن أعرف مدى خطورة الوضع، فكان أهلي يحاولون قدر المستطاع منعي من الخروج للشمس ”.
تتابع: ” ألمَّ بي المرض وأنا في السنة الثانية من عمري، أخدني أبي لعدد من الأطباء، الى أن شخَّص أحدهم مرضي، أخبرنا أنه يسمى بمرض جفاف الجلد المصطبغ (xeroderma pigmentosum)، أهلي كانوا أكثر من تأثروا، فقد شكل المرض صدمة لهم، حينها كنت صغيرة، ولكن بعد أن كبرت لم أتقبل نفسي بكل صراحة، لأنني كنت أرى نفسي مختلفة عن الاخرين، وأتساءل عما يحدث معي، لماذا أنا هكذا؟ لم أتقبل مرضي الى أن وصلت لسن السابعة عشر، بدأت أتصفح الانترنيت وبحثت عن المرض كي أفهم لماذا أهلي يعاملونني بتلك الطريقة، وكنت أتساءل لماذا حين يريدون شرح مرضي لشخص معين يطلبون مني مغادرة الغرفة، ولكن بعد بحثي بدأت أفهم، وأصبحت أتقبل الوضع شيئا فشيئا، وعرفت لماذا كان أهلي يريدون حمايتي، وعرفت بخطورة المرض، وانه اذا خرجت لأشعة الشمس قد أفارق الحياة في سن مبكرة، أعرف أن الاعمار بيد الله ولكن أغلبية المصابين بهذا المرض لا يبلغون حتى العشرين سنة، والحمد لله أنا في الثلاثين من عمري، واستطعت أن أتعامل معه، وأصبحت أنا من يقول لأهلي أريد أن أذهب لزيارة الطبيب ”.
تضيف: ”حين كنت صغيرة كنت أرفض أن أذهب للطبيب، خصوصا بعد أول عملية قمت بها لإزالة الأورام السرطانية، فالشامات في وجهي كلها عبارة عن خلايا سرطانية، ولكن إذا تعرضت لأشعة الشمس قد يتحولن لأورام سرطانية، وإذا لم نقم بإزالتها وهي صغيرة، سنضطر لإزالة نصف الوجه أو نصف العين على حسب مكانها ”.
توضح: ”بدأت العمليات وأنا في سن السابعة، كنت حينها أدرس في المستوى الثاني ابتدائي، لم أكن أتقبل الامر حينها، أحيانا كنت أذهب الى المستشفى من الساعة السابعة صباحا ولا أدخل الى تمام الساعة الثامنة مساءا، وكان يطلب مني ألا أفطر، كنت أتعذب، لأنه لم يكونوا حينها يولون الاهتمام، والمستشفيات لم تكن محمية ”.
تتابع ” خرجت من المدرسة من المستوى الخامس ابتدائي، أصبت بالاكتئاب، لأنني لم أكن أريد أن أذهب للدراسة، وازدادت حالتي، لأنني كنت أقوم بعمليات بشكل كبير، أنا الان وصلت ما بين 56 و57 عملية، هذا ما أتذكره ، لانهم أكثر من هذا العدد، وهذا هو السبب الذي دفع أبي حينها أن يخرجني من المدرسة، لأن الطبيب خيَّرهُ بين أن أكمل حياتي بشكل طبيعي وبين أن أخسر حياتي، فاضطر أهلي لأخد هذا القرار، الا ان هذا القرار لم يكن في محله بالنسبة لي، كما أننا كنا نقطن في ضيعة، بحكم عمل والدي والمدرسة كانت بعيدة، كنت أمشي مسافة الكيلومترين تقريبا، حينها لم أكن أملك المعدات كي أحمي نفسي، كنت أغطي وجهي بالقبعة وهي أصلا لن تفيد بشيء، فانتقلنا الى المدينة، كنت ألقي نظرة من النافدة وأرى الأطفال متوجهون للمدرسة فأتألم وأبكي بحرقة لوضعي، ودخلت في اكتئاب ”.
تتابع فاطمة الزهراء: ” مراهقتي كانت عادية، والحمد لله كانت المرحلة التي تعرفت فيها أكثر عن مرضي وتعلمت التعامل معه، كانت مرحلة جميلة وخالية من المشاكل، وبدأت أتقبل كلام الناس ولا أهتم أو أكثرت حتى لأمرهم، كنت أقول إن الله هو من خلقني، ويجب أن أتقبل الامر لان الله هو خالقي”.
تقول: ” كنت أعيش لحظات الضعف حين كنت صغيرة، أما الان لا أحس بالضعف بتاتا، بالعكس فأنا عشت الكثير مع مرضي، أوقات عصيبة ومؤلمة جدا ما بين العمليات والمستشفيات، وما بين التعامل السيئ من طرف بعض الأطباء، سامحهم الله، كنت أنتظر بفارغ الصبر لحظة خروجي من المستشفى ولكن الحمد لله تغيرت الأوضاع الان، أحمد الله كثيرا وثقتي به كبيرة، ولما لا، فيجب أن يكون ايماننا قويا بالله”.
وعن مصدر قوتها تقول فاطمة الزهراء: ”مصدر قوتي هم أهلي، والداي وأخواتي، نحن أربع فتيات، وأنا هي الوسطى، يواصلان تشجيعي، فلا تكفيني الكلمات ولا العبارات لأوصف لكم كمية الحب لأهلي، وأنا لا شيء بغيابهم”.
تسترسل متأسفة: ” للأسف في المغرب لا توجد مدارس تفتح أبوابها بالليل، ولا توجد أي أمكانية للدراسة بالليل، فكان حلي الوحيد أن أودع مقاعد الدراسة، فحتى البيت كنت أرفض أن أدرس فيه، لأنني لا أستطيع أن أدرس وحدي بدون وجود زملاء الدراسة، كنت أريد أن أعيش وسط الجو المدرسي، وللأسف الشديد أطفال القمر لا مستقبل لهم، فلا دراسة ولا عمل في الليل. ”
تتابع: ” في 2016 فتحت حساب بمواقع التواصل الاجتماعي، بالانستغرام والفايسبوك وحتى قناة باليوتيوب للتعريف بالمرض، كان الأمر تحديا، فسابقا كنت لا أستطيع أن أنشر حتى صورة واحدة، لأنني كنت أخاف من رد فعل الناس، أو أن يشتموني، فالمجتمع العربي لا يرحم، لكني تشجعت وبدأت أشارك الناس قصتي ويومياتي، فبدأت أتعايش مع المرض، وأنصح الناس المصابين بنفس المرض، فأكثرهم يعيشون في البوادي، وأغلبهم لا يعرف كيف يتعامل مع أطفالهم المصابين والحمد لله لقيت اقبالا كبيرا من طرف الناس وأنا سعيدة جدا ”.
تتابع: “للأسف لم تتلقى أسرتي الدعم من أي جهات معينة لعلاجي، فهذا المرض يتطلب الكثير من المال، فالحماية وحدها من الشمس ليست كافية، نحتاج أن نقوم بزيارة للطبيب كل مرة للفحص وتفادي الإصابة بالسرطان، وفي المغرب المرضى لا يتلقون الدعم، كنا نريدهم أن يعتبروه نوع من الإعاقة، فلا نستطيع العمل ولا الدراسة ونحتاج الأقنعة التي تحمي من الشمس، والقناع الواحد يصل ثمنه الى 20000 درهم، ويوجد فقط خارج المغرب، أتمنى من كل أعماق قلبي أن تساعد الدولة أطفال القمر، وأن تمد لهم يد العون، وأن تأخذهم بعين الاعتبار”.
واختتمت بقولها: “أشكر الناس على تشجيعاتهم، وأطلب منهم أن يحترموا أطفال القمر، وإذا رأيتم مصابا ما، احترموه وابتسموا له، فأطفال القمر لا يؤدون أحدا، والمرض غير معدي، وأتمنى من الدولة أن تساعدهم، فنحن بأمس الحاجة لدعم الدولة”.