الكاتبة كوثر عظيمي: لتكشف قدرة الأدب على تحطيم الحياة

النشرة الدولية –

الأدب يحمل قضية في الغالب، وينتصر للمهمّشين ويقف مع القضايا العادلة التي يمكنه المساهمة في نشرها والتوعية بها، لكن في نفس الوقت يمكن للأدب أن يكون طاقة شر مدمرة، وهو ما رأيناه في بعض التجارب التي تحث على العنصرية وغيرها. وهناك أيضا الأدب الفضائحي الذي يمكنه إفساد حياة الآخرين، وهذا تماما ما حدث لبطلة رواية “نذير شؤم” الجزائرية كوثر عظيمي.

بعد خمس سنوات على فوزها بجائزة رونودو لتلامذة الثانويات عن روايتها “ثرواتنا” التي كانت بمثابة تكريم للكتب، تنشر الكاتبة الجزائرية كوثر عظيمي قصة عائلية تكشف فيها القدرة المدمرة للأدب وتحديدا السيرة الذاتية التخييلية.

تعتبر عظيمي روايتها “نذير شؤم” الصادرة الجمعة عن دار “سوي” الفرنسية، مناقضة تماما لروايتها “ثرواتنا” الصادرة عام 2017 والتي عرفت الجمهور العريض بها.

كانت تلك الرواية تكريما حقيقيا للأدب والكتب، روت فيها قصة إدمون شارلو الذي عايش ونشر أعمال أكبر روائيي عصره وبينهم ألبير كامو. وتتطرق إلى واقع الأدب والكتاب والمجتمع الجزائري المعاصر وكذلك إلى النشاط الكبير لحركة النشر في الثلاثينات من القرن الماضي من خلال قصة مكتبي ومالك دار نشر أغلقت أبوابها بعد 70 عاما من الوجود. وتميز ذلك الكتاب بأنه يدعو إلى الترحال عبر الزمان والمكان ويقدم فرصة لاكتشاف مدينة الجزائر.

الأدب المدمّر

الرواية لا تقدم “عرضا جيوسياسيا عن الجزائر”، لكنها تعطي لمحة عن مختلف حقبات تاريخ البلد منذ الاستعمار

تجري وقائع رواية عظيمي الجديدة كالعادة في موطنها الجزائر التي شكلت أيضا خلفية لشخصيات روايتها “صغار ديسمبر” عام 2017.

تروي “نذير شؤم”، رواية عظيمي الخامسة، قصة ثلاثي: سعيد، الابن المدلل لعائلة ميسورة، وطارق الذي ربته والدته وحدها، وليلى الفتاة المتمردة التي يسعى أهلا لتزويجها على وجه السرعة.

افترق الثلاثة مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، غير أن طارق وليلى التقيا مجددا لاحقا وتزوجا، في حين بقي مصير سعيد مجهولا.

وبعد سنوات، ظهر سعيد مجددا في حياة الزوجين مثيرا فضيحة حقيقية. فهو أصبح كاتبا وأصدر رواية لقيت أصداء واسعة، رواية مفعمة بالشهوة عن سنوات شبابه، يتحدث فيها بشكل طاغٍ عن ليلى فيصف وجهها وجسدها محتفظا باسمها الحقيقي ومبقيا حتى على اسم القرية الجزائرية حيث نشآ.

وشكلت هذه الرواية نقطة تحول قلبت حياة ليلى وطارق رأسا على عقب.

لا تقدم الرواية “عرضا جيوسياسيا عن الجزائر”، لكنها تعطي لمحة عن مختلف حقبات تاريخ البلد، من الاستعمار إلى السنوات الأولى من الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وصولا إلى “العشرية السوداء” بين 1991 و2002.

“إذا استطاع الأدب أن ينقذ، فقد يكون أيضا ريحا شريرة”. هذا ما نخرج به من الرواية وهي تتابع أبطالها منذ أوائل العشرينات منذ نشأة ليلى وطارق وسعيد في قرية الزهراء الصغيرة شرق الجزائر، طارق وسعيد يعتبران نفسيهما أخوين، أما ليلى فتتزوج مبكرا ثم تترك زوجها لتعود رفقة طفلها إلى والديها. إذ ستعاني من الخيانة والإذلال من عار ظل يلاحقها لسنوات، لتصبح بعد ذلك امرأة معذبة لن يغادرها الغضب.

تقول الروائية “أردت أن أروي كيف يمكن للأدب أحيانا أن يكون نذير شؤم، لأن ما يقلب حياة زوجين ويدمّرها في هذه القصة هو كتاب”.

وتضيف أنه في نهاية المطاف “إنها قصة امحاء. امحاء أتاحه الأدب الذي جعل زوجين متواضعين لم يكن لهما يوما وصول إلى الثقافة، غير مرئيين، خلافا لسعيد الذي يستخدمه ضدهما”.

وتعود جذور القصة إلى تجربة شخصية عاشتها الكاتبة أيام دراستها في جامعة الجزائر، إذ وقع “بالصدفة” بين يديها كتاب سرعان ما أدركت أنه يتحدث عن جديها.

حرية التخييل

كاتبة مفعمة بالأدب تعطي لمحة عن مختلف حقبات تاريخ الجزائر
كاتبة مفعمة بالأدب تعطي لمحة عن مختلف حقبات تاريخ الجزائر

تقول عن المسألة “هذه القصة أحرجتني كثيرا في البداية. ثم شيئا فشيئا أصبحت أشبه بطرفة أرويها في نهاية سهرة على الأصدقاء الذين يبقون لمساعدتنا على التوضيب”. غير أن الكتاب ليس سيرة ذاتية تخييلية.

تصر الكاتبة “أحب التخييل، أحب الحرية التي يمنحني إياها وأحب خصوصا الاستسلام لمخيلتي. هذا أمر أنا متمسكة به كثيرا. قد يتبدل الأمر في أحد الأيام، لكنني في الوقت الحاضر أريد البقاء في المجال الروائي”.

وتختم “لطالما تساءلت لماذا يحتاج الكتاب إلى هذا الحد إلى الواقع، في حين أن التخييل مصدر إلهام لا ينضب”.

منذ روايتها الأولى، سعت عظيمي للبحث في الجانب المستور من ذاكرة الجزائر المعاصرة، متوقفة مرارا عند العشرية السوداء التي أدمت وطن طفولتها. خاصة في روايتها “صغار ديسمبر” التي تصور الإذلال الذي يخضع له يوميا الجزائريون على يد السلطة الحاكمة، إذلال لا يلبث أن يقود إلى ثورة يقودها أطفال. تتحدث عن الفساد والثراء الفاحش، وعن الوعي بإمكانية تغيير الأشياء، كما تتخذ عظيمي من حي 11 ديسمبر في دالي إبراهيم بالعاصمة معقلا لحكايتها التي تروي مغامرة شبان يدافعون عن ملعب كرة قدم يمارسون فيه هوايتهم فيما تريد جماعة من الجنرالات النافذين تحويل الملعب والاستيلاء عليه.

وربما تبتعد قليلا عن تلك الأجواء في روايتها الجديدة لكنها تمرر بذكاء لمحات من تاريخ الجزائر، كما تحاول أن تكشف خفايا الشخصيات والأزمات الاجتماعية، فتتحول الشخصيات الثلاث إلى نوافذ على مجتمع كامل يخفي الكثير من تفاصيله وحقائقه التي تكشفها الكاتبة بشجاعة وجرأة.

زر الذهاب إلى الأعلى