الجمهوريون “أسرى” ترمب والحزب الثالث مجددا
بقلم: رفيق خوري
نصف الرؤساء الأميركيين عانوا مرضاً عقلياً في بعض مراحل حياتهم لكن المعاناة صارت أوسع على الصعيد الشعبي
النشرة الدولية –
ليس في تاريخ أميركا رئيس بقي زعيماً لحزبه بعد خروجه من البيت الأبيض، لكن الرئيس دونالد ترمب فعلها. فالحزب الجمهوري الذي لم يكن ترمب من شخصياته البارزة قبل الترشح للرئاسة يبدو أسير صورة الرئيس السابق. حتى الشخصيات الجمهورية البارزة التي نافسته على الترشح ونالت السخرية منه، تصطف وراءه خوفاً على مقاعدها. وما كان أمراً قليل الدلالات أن يتمكن الرئيس السابق من إسقاط ليز تشيني في ترشيحات ولاية وايومينغ لـ”الكونغرس”، وهي ابنة الجمهوري المتشدد وزير الدفاع ونائب الرئيس سابقاً ديك تشيني، عقاباً على تصويتها لعزله في المحاكمة أمام “الكونغرس” من موقعها في المرتبة الثالثة لقادة الحزب بمجلسي الشيوخ والنواب، لا بل إن ترمب أخذ الجمهوريين إلى أخطر أنواع “الهيستيريا السياسية” والتعصب وتفسير كل شيء بنظرية “المؤامرة”.
والمفارقة أن حزب الرئيس أبراهام لينكولن الذي قاد الحرب الأهلية لتوحيد أميركا في القرن الثامن عشر صار حزب دونالد ترمب الذي يعمق الانقسام داخل الشعب الأميركي في القرن الحادي والعشرين من أجل حربه الخاصة للبقاء في السلطة على الرغم من خسارته للانتخابات.
وقمة السخرية أن تدني الخطاب السياسي الذي كان في إطار ضيق أيام الجهل صار على مدى واسع أيام العلم والثقافة والتكنولوجيا. ويروي المؤرخ تيد ويدمر في كتاب “لينكولن على الحافة: 13 يوماً إلى واشنطن” أن خصوم الرئيس الذي حرر العبيد وكان واحداً من أهم رؤساء أميركا اتهموه بأنه “اشتراكي سيوزع الأرض والملكية والزوجات، وقالوا للعبيد إنه من أكلة لحوم البشر وله ذنب وقرنان”.
وأقل ما نسمعه اليوم في الهجوم على خصوم ترمب أنهم مخربون يساريون يهددون مجد أميركا. وحتى هجوم الغوغاء على مبنى “الكونغرس” لمنعه من إعلان فوز جو بايدن بالرئاسة في سابقة بشعة ضد الديمقراطية يراه ترمب “واحداً من أعظم التحركات في التاريخ لإعادة عظمة أميركا”. وكل ذلك هرولة وراء كذبة اخترعها ترمب وأصر عليها على الرغم من رفض المحاكم لدعواه بـ”سرقة الفوز منه”. وإذا كان ترمب كما نقل بوب وودوارد في كتاب “خوف” عن دان كوتس المدير السابق للأمن الوطني “يعتبر أن الكذبة ليست كذبة بل هي ما يفكر فيه”، فكيف يستمر نصف الأميركيين في تصديق الكذبة والعمل لها والتعصب لصاحبها؟.
تفسير جو هيبينغ في كتاب “الشخصية الواثقة” هو أن أتباع ترمب الراديكاليين ليسوا مثل أشباههم في الخمسينيات باحثين عن سلطويين أقوياء، بل يؤمنون بأن لديهم مهمة ضد المهاجرين والأقليات الدينية وغير الأميركيين وغير البيض لحماية عائلاتهم وثقافتهم”، لكن فرنسيس فوكوياما يقول إن هؤلاء من ملايين الأميركيين “اعتنقوا دجل الشعبويين”. أما آن آبلبوم، فإنها تتحدث عن “البربرية الجديدة” بحيث تصبح “الديمقراطية مستحيلة”. وإذا كان هناك من يدعو إلى إنقاذ الديمقراطية من التكنولوجيا، فإن المهمة الأهم هي إنقاذها من الشعبوية والشعبويين.
في إحصاء نشرته جامعة “ديوك” جاء أن “نصف الرؤساء الأميركيين عانوا مرضاً عقلياً في بعض مراحل حياتهم”، لكن المعاناة صارت واسعة على صعيد شعبي. والتململ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بات يتطلب حركة جريئة مثل التجربة المتجددة التي يعمل لها جمهوريون وديمقراطيون سابقون بينهم أندرو بانغ، وهي إنشاء حزب ثالث اسمه “إلى الأمام”. وليز تشيني قد تجد في الحزب الثالث حلاً، لكن هذه التجربة لم تنجح في الماضي. ولا أحد يعرف إن كانت ستنجح اليوم مع أن الديمقراطية الأميركية المحصورة بحزبين كبيرين تعاني الانقسام العميق والعجز أمام سيطرة الرأسمالية على اللعبة. وأربع سنوات أخرى لترمب في البيت الأبيض كافية لجعل أميركا “أمة خرافات”.