مصارف لبنان ترفض أو تعرقل بيع دولارات “المنصة”.. وتخدع الموظفين
بقلم: عزة الحاج حسن

النشرة الدولية –

المدن –

يستمر مصرف لبنان ببيع الدولارات عبر منصة صيرفة، وإن بمبالغ ضئيلة، في حين أن المستهدفين من تلك الدولارات، وهم الموظفون، لا يستفيدون بغالبيتهم من المنصة. فالمصارف تتعامل مع التعميم 161 باستنسابية وانتقائية تامة، ترفض طلب موظف وتحرم آخر من سحب راتبه وفق دولار صيرفة، وتقبل طلب زميل له من دون أي معايير أو تبريرات واضحة.

 

ورغم ضآلة المبالغ المالية التي يتم التداول بها عبر منصة صيرفة، إلا أن المستفيدين منها لطالما كانوا مجهولين، ربما عدد قليل من التجار وموظفي المصارف وسواهم، طالما أن آلية الاستفادة من دولارات صيرفة وضعت بيد المصارف، تفصّلها على “مزاجها” كيفما ومتى شاءت.

 

مزاجية البيع الدولارات

بوضوح ووقاحة يجاهر بنك سوسييتيه جنرال SGBL برفض استفادة موظفي القطاع العام من المساعدة الاجتماعية على سعر منصة صيرفة. وبعد مراجعة أحد فروع المصرف في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت، أتى الجواب واضحاً أن “هناك تعميماً من مصرف لبنان يمنع المصارف من سداد المساعدات الاجتماعية للموظفين وكل ما يزيد عن أصل الراتب بالدولار على منصة صيرفة”.

 

لكن في حقيقة الأمر أن لا تعميم ولا قرار بهذا الشأن من مصرف لبنان، وSGBL ببساطة يخدع الموظفين. ثم أن مَن أعطى الحق للمصرف بالتمييز بين الراتب والمساعدة الاجتماعية وبدلات مالية أخرى تُضاف إلى رواتب موظفي القطاع العام؟ ومن أعطى الحق للمصرف بحرمان موظفي القطاع العام من الاستفادة من التعميم 161؟ وهو الذي صدر تحت ذريعة تعويضهم بعضاً من رواتبهم التي تآكلت بفعل انهيار قيمة العملة الوطنية.

 

ويقول موظف آخر يوطن راتبه في المصرف نفسه SGBL أنه لم يتمكّن من الاستفادة من منصة صيرفة، لأن المصرف يحتسب قيمة أصل الراتب فقط، وهو ما لا يتجاوز مليون و500 ألف ليرة. والمصرف لا يتيح سحب أقل من 100 دولار. بمعنى أنه يجب ألا يقل راتبه عن مليونين و720 ألف ليرة كي يستفيد من المنصة، وفي الوقت عينه يرفض المصرف احتساب المساعدة الاجتماعية المُضافة غلى الراتب. باختصار يضع المصرف العراقيل لمنع الموظفين من الاستفادة من دولارات المنصة.

 

“تفنّن” بالعراقيل

لا تقتصر العراقيل التي تضعها المصارف لمنع الموظفين من الاستفادة من دولارات منصة صيرفة على منعهم بشكل مباشر، وخفض السقوف وحجب المساعدات الاجتماعية، بل تعتمد بعض المصارف اساليب مُبتكرة لوضع العراقيل كبنك البحر المتوسط Bank Med. هذا المصرف لا يجاهر بوضع الضوابط ولا بمنع موظف ولا بحجب مساعدة اجتماعية، لكنه في الوقت عينه يحجب دولارات منصة صيرفة عن الجميع. كيف؟ يضع نظاماً داخلياً بكل بساطة يمنع بموجبه بيع دولارات صيرفة، ويحصر عمليات البيع بيومين في الأسبوع، نظرياً. بمعنى أن طالب الدولارات أو الموظف حين يحاول سحب راتبه بالدولار على سعر منصة صيرفة يأتيه الرفض والتبرير “اليوم أغلقنا باب صيرفة.. حاول غداً”. وطبعاً الجواب عينه يأتي غداً.

 

أما بالواقع فـBank Med كان يحصر بعض عمليات بيع دولارات صيرفة في أيام محددة من الاسبوع وخلال ساعتين فقط، من دون أن يعلن تلك الدوامات مسبقاً. وبذلك لا يمكن للموظفين وغالبية العملاء سحب الدولارات على منصة صيرفة. وحسب مصدر من المصرف المذكور، فإنه توقف يوم الثلاثاء الفائت كلّياً عن بيع دولارات صيرفة للموظفين وعموم العملاء. في وقت يستمر فيه مصرف لبنان ببيع الدولارات للمصارف بهدف التداول عبر صيرفة.

 

هذا الواقع يُعيدنا إلى العديد من التعاميم السابقة التي خالفتها المصارف وطبّقتها باستنسابية. وحسب الخبير المصرفي، جو سروع، فإن كافة التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان مؤخراً تتعامل مع ودائع الناس بانتقاص. حتى الهيركات الذي فرضته المصارف والإجراءات الاستثنائية والانتقائية في خدمة الزبائن، والفوائد على الحسابات والعمولات والرسوم وتحديد سقوف السحب… كل تلك الاجراءات المجحفة تصب في خانة واحدة، هي الإستهانة بالودائع وبحقوق المودعين.

 

ويسأل سرّوع في حديث لـ”المدن”: تخرج الأموال من منصة صيرفة بعشرات الملايين يومياً، مَن يراقب، مَن يستفيد منها، ومَن يشتري تلك الدولارات؟ لا أحد. فالبعض امتهن تصريف الدولارات عبر المنصة لتحقيق الأرباح.

 

وعن مصير التعميم 161، يرى سرّوع بأن الاستمرار بتطبيقه يعود لعدم وجود بدائل. ويختصر واقع التعميم بالقول “هذه التعاميم غير مدروسة وغير مقبولة، ولا يوجد لها مثيل في كل دول العالم”.

 

عراقيل في المناطق

وتبقى أبرز العراقيل التي تمنع الموظفين من الاستفادة من دولارات منصة صيرفة، لاسيما أولئك القاطنين خارج المدن، في البقاع والشمال والجنوب، هو بُعدهم عن فروع المصارف. ففي منطقة الهرمل على سبيل المثال، وعموم منطقة البقاع الشمالي، يصعب على الموظفين سحب رواتبهم على منصة صيرفة. إذ أن أقرب فرع مصرفي يبعد بين 70 و100 كيلومتر عن مناطقهم، لاسيما بعد إغلاق الغالبية الساحقة من الفروع المصرفية خارج مدينة بعلبك.

 

فمصرف فرنسبنك Fransabank من المصارف التي لم يعد لديها فروع في منطقة البقاع الشمالي إلا في مدينة بعلبك. فيضطر الموظفون إلى التوجه إليه مع بداية كل شهر، ومنهم من تقارب تكلفة انتقالة إلى المصرف قيمة راتبه الذي يتقاضاه. وأكثر من ذلك يحصر المصرف سحب الدولارات على منصة صيرفة في صراف آلي محدّد، في فرعه الوحيد. فيشهد يومياً طوابير لا تنتهي. قلّة منهم يتمكّنون من السحب، والغالبية يخفقون. فيتكلّفون في اليوم التالي نفقات انتقالهم إلى المصرف من جديد.

Back to top button