الفنان اللبناني أدهم الدمشقي يسافر وعصافيره إلى “إكسبو بودروم للفنون المعاصرة”

النشرة الدولية –

العرب – ميموزا العراوي –

يبدي الفنان اللبناني أدهم الدمشقي حساسية شاعرية تجاه الفن التشكيلي، فهو شاعر ورسام، جعلته حساسيته المفرطة لنوعين من الفنون يصور لوحات معاصرة ومجددة آخرها كانت “عصفور” التي هي عصافير متحررة وراحلة عن كل شيء، سافرت معه ليعرضها أمام جمهور تركي.

يوم الحادي والعشرين من أغسطس الحالي توجه الفنان التشكيلي والشاعر اللبناني أدهم الدمشقي إلى تركيا لأجل المشاركة في “إكسبو بودروم للفنون المعاصرة”، حيث يشارك الفنان في هذا الحدث الفني بمجموعة لوحات بحجم كبير تحت عنوان “عصفور”.

لم يكن انقضى على المعرض الفردي الأخير الذي نظمه الفنان التشكيلي اللبناني أدهم الدمشقي تحت عنوان “عبيط”، بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس، سنة واحدة حتى استعد وعقد الترحال إلى تركيا مع مجموعة أعمال فنية جديدة له حملت عنوان “عصفور” لأنها مجموعة وبكل بساطة امتلأت بعض فضاءاتها بالعصافير الملونة أو احتكر بعضها الآخر عصفورا عملاقا حلق أو اصطف مجاورا له وقيد إشارته سرب طويل من العصافير.

وعلى الرغم من أن مجموعة لوحات الفنان عُرضت ولا تزال ضمن “إكسبو بودروم للفنون المعاصرة” الذي هو حدث فني جماعي ضم أعدادا كبيرة من الأعمال الفنية المختلفة في الأسلوب وفي التقنية المُستخدمة لفنانين كُثر، فقد بدت وكأنها كافية في حد ذاتها لتكون معرضا فنيا منفصلا حمل عنوانا واحدا وتشعبت منه المواضيع. مواضيع عن الحب وعن الانتماء وعن الحرية وعن الحنين.

ذكر البيان الصحافي لهذه المجموعة وبكلمات الفنان أدهم الدمشقي أن “اللوحة بالنّسبة إلي تشبه الوطنَ، عندما يفقد هويّته، فيتحوّل إلى خريطة هَشَّة أو قماشة، تُقتطعُ أجزاؤها وتتلاشى”.

سافر الفنان في عزّ موسم الصيف إلى المدينة البحرية بشمسها ونوارسها وشطآنها “بودروم” ليعلّقَ لوحاته أقمشةً على جدران “إكسبو بودروم للفنون المعاصرة” ووضع أمامها مِقصًّا. وبذلك لم تعد تلك الأعمال الفنية لوحات تستدعي الناظر إليها للتمعن فيها فقط، بل عناصر بصرية من عمل فني مفهومي ومعاصر. فقد دعا الفنان زائر الجناح الخاص به إلى أن يشتري قطعة من القماش المرسوم والمُعلق أو أن “يقتطعَ عصفورًا من خريطة اللوحة، لكي يطير به إلى بلدٍ مختلف سيعود إليه يوما ما بعد زيارة المعرض. وهكذا سيكون العمل الفني قد تجزأ حدّ التلاشي”.

أما آلية وظروف ذهابه مع “عصافيره” في اللوحات فتشبه إلى حد بعيد ما عرفناه عن “الأمير الصغير” الشهير الذي غادر في فترة محددة وصف ظروفها كاتب الرواية الفرنسي أنطوان دو سانت إكزيزبوري بهذه الكلمات “أعتقد أنه اغتنم فرصة مرور طيور برية كانت مرتحلة من بلد إلى بلد ففر معها، على أنه في صباح يوم فراره رتب كوكبه ووضع فيه كل شيء فنظف بالكثير من الاعتناء البراكين المشتعلة..”.

وهكذا بدى الفنان في كلماته وفي أجواء لوحاته المشحونة بألوان إستوائية تشتعل فيها شمس لا تنطفئ قد “نظف براكينه الشخصية المشتعلة”، وأيضا جمع تحت أجنحتها و”بعناية كبيرة” مدينته المحبوبة أفكارا وشظايا قابلة للمّ شملها إن هو استدعاها، كما استدعى الهدهد الطيور في قصة “منطق الطير” فاصطفته قائدا لها حتى قبل أن يستدعيها.

في هذا السياق تحديدا لنتأمل لوحته ذات الملامح الصوفية والتي تتوسطها خلفية تميل إلى بياض يكتنز منمنمات لأشجار وجدناها في معرضه السابق وعصافير واضحة المعالم وأخرى تشبه الرموز. يقف عند طرفيها طائر عملاق وآخر وكأنه ظل له. ظل طير منكفئ بحمرته على أسراره وعلى قوة ضمنية تحيل إلى منطق البعث من جديد.

 

أعمال تحمل شاعرية الفنان المرهفة
أعمال تغوص في شاعرية الفنان المرهفة 

 

هذا الوسط “الأبيض” المعلق في الفارغ والذي تسبح وتتشقلب فيه عصافير الفنان ما هو إلا ما تكتنزه أفئدة تلك العصافير وإن تم “قصها” بالمقص الذي وضعه الفنان أمامها وحصلت بعثرتها في بلدان عديدة بحثا عن وطن بديل هي قادرة على العودة إليه من جديد. لم تعد تلك الأعمال الفنية لوحات تستدعي الناظر إليها للتمعن فيها فقط، بل عناصر بصرية من عمل فني مفهومي ومعاصر.

هذه الفكرة التي تحمل الكثير من المُساءلة والبعثرة الذاتية التي وسعها الفنان حتى باتت الناطقة باسم وطن بأكمله وهو لبنان، لم يكن أن يكون لها “سفراء” أفضل غير عصافيره الملونة والنزقة التي لا تعرف الهدوء بملامحها القلقة حتى وهي في عز وضعية الاسترخاء.

أما فعل الطيران الذي يجسده الفنان في لوحاته فهو أقرب إلى تحليق أثيري يمكن أن يكون قد حدث فعلا أو في خيال ساطع قادر على تغيير الواقع وهو لأجل ذلك تحليق ومغادرة يُمكن العودة منها.

◙ الأعمال لم تعد لوحات تستدعي الناظر إليها للتمعن فيها فقط، بل عناصر بصرية من عمل فني معاصر

فهذه العصافير تقول للمُشاهد إنه حتى لو اقتطعها من القماشة الواحدة وحرمها من المجاورة والعيش قرب العصافير الأخرى فهي بسحرها وغرائبيتها قادرة على أن تعود إلى حيث كانت إلى القماشة الأولى.

كيف يستحيل ذلك وهذه العصافير تحمل كما هائلا من الإنسانية في ملامحها ولا يكحل نظراتها إلا الأرق؟ وهل طيور الفنان في كل لوحاته المعروضة، المتميزة بخطوط حادة في الكثير منها هي مجموعة طيور تتحادث وتتحاور لأجل الرحيل عن الوطن؟ لا بل إنها عناصر من طقم سياسي يتخايله الفنان ويوظفه خلاصا سحريا لوطن ملّ من التطلع إلى العدالة القادمة من البشر.

وفي حين أراد الفنان أن يخترع عالما بصريا ترحل فيه العصافير الرحيل الكامل: عن بعضها البعض وعن القماشة التي رسمها عليها الفنان وعن الفنان ووطنها ووطنه، وكرس وحدتها عبر قوة تعبيرها عن الهوية، وعن حس الانتماء الذي لا يشرطه مقص ولا تبعثر ريشاته خاطرة واهية.

يُذكر أن الفنان أدهم الدمشقي (1990)، شاعر ومسرحي وفنان تشكيلي لبناني، يقيم في محترفه الفني في بيروت. وهو أيضا محاضر جامعي في دور العلاج في الفنون والتنمية الذاتية.

وشارك الدمشقي في أعمال مسرحيّة عدّة مع المخرج الراحل منير أبودبس، مؤسس المسرح الحديث في لبنان، بين 2011 و2014. كما أعدَّ وأخرج مجموعة أفلام وثائقيّة بين عامي 2012 و2019. حائز على ذهبية الشعر في أستوديو الفن وله أربعة كُتب تُرجِمَت إلى لغات عدة.

زر الذهاب إلى الأعلى