هل يبدأ زحف جديد على طرابلس بعد تصاعد الخلاف بين الدبيبة وباشاغا؟

النشرة الدولية –

يتواصل التحشييد العسكري في ليبيا بعد صدور بيان “غامض” من الحكومة المعيّنة من قبل مجلس النواب، اعتبره البعض مؤشرا جديدا على استعداد معسكر شرق ليبيا لاقتحام طرابلس.

ويأتي البيان وسط تحذيرات ومطالب دولية بوقف التصعيد مخافة اندلاع حرب أهلية جديدة بين جماعات مسلحة داعمة لحكومة فتحي باشاغا، التي عيّنها مجلس النواب (طبرق)، وحكومة عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض التنحي إلا لسلطة تنفيذية منتخبة.

وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الثلاثاء، عن قلقها إزاء ارتفاع منسوب التوتر بين الخصوم السياسيين الليبيين، بينما عبّرت واشنطن عن “قلق عميق من تجدد التهديدات بمواجهة عنيفة في طرابلس”، وفقا لما ذكره المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، الإثنين الماضي، حيث دعا إلى “وقف التصعيد من قبل جميع الأطراف”.

وحاولت الحكومة المحسوبة على معسكر الشرق الترويج مراراً إلى “الخيار السلمي” لدخول طرابلس ومباشرة مهامها، لكنها باتت مؤخراً تلوّح بإمكانية إخضاع العاصمة بالقوة.

حرب كلامية

وتصاعدت الحرب الكلامية بين المعسكرين في الأيام الماضية، إذ نبّهت حكومة باشاغا، في بيان، الثلاثاء، إلى أن “لا ظلم ولا قتال مع من اتبع الشرعية”، في تحذير للمجموعات المسلحة الرافضة دخول الحكومة إلى طرابلس.

من جانب آخر، قال الدبيبة، الخميس، إن حكومته “مستمرة في عملها بشكل طبيعي، باعتراف دولي، إلى حين عقد الانتخابات”، مؤكدا أن “الحكومة القادمة ستكون ناتجة عن سلطة منتخبة ولا تراجع في ذلك”، وفق تصريحات نقلها موقع “بوابة الوسط”.

وفيما يشبه التحدي لتهديدات صادرة من خصومه، قال “لن أسمح أبدًا لمن يحاولون العبث بأمن العاصمة والإضرار بالمدنيين، وسنكون لهم بالمرصاد”.

ويحظى باشاغا برضى البرلمان، الذي يقوده عقيلة صالح، ويدعمه الجنرال خليفة حفتر.

 

وحاولت قوات حفتر نفسها انتزاع العاصمة طرابلس من رفاق فتحي باشاغا في 2019، لكن تبدّلت الولاءات وتغيّر المشهد الليبي منذ ذلك الحين.

فمنذ انتخابه من قبل خصوم الأمس، سعى باشاغا جاهدا لوضع وزرائه في الإدارات والمكاتب الحكومية التي يشغلها حاليا وزراء الدبيبة، في طرابلس.

من يدعم من؟

واعتمد باشاغا في محاولته الأخيرة للدخول إلى طرابلس، في مايو الماضي، على ميليشيا كبيرة تدعى “كتيبة النواصي”.

وفي الوقت نفسه، هناك حديث عن تحشييد عسكري مدعوم بالمدفعية الثقيلة لمليشيات منطقة الزنتان (جنوب غرب العاصمة)، بقيادة أسامة جويلي، وهو لواء قوي ورئيس المخابرات العسكرية، الذي أقاله الدبيبة – رفقة رئيس قوة “النواصي” مصطفى قدور – في أعقاب دخول باشاغا أول مرة إلى طرابلس.

في المقابل، يعوّل الدبيبة على دعم جماعات أخرى قويّة في طرابلس، مثل “اللواء 444 قتال”. وعندما دخل باشاغا، إلى العاصمة وجد نفسه أمام هذه الميليشيا.

والطرفان مدعومان من ميليشيات أخرى مسلّحة مختلفة في العاصمة، ولكن باشاغا أكد، مؤخرا، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، أن “القوى التي كانت معارضة تغيّرت مواقفها وتريدنا أن ندخل إلى العاصمة وسوف ندخل”.

ويعتقد المحلل السياسي المتخصص في الشأن الليبي، غريغوري أفتانديليان، أن نذر حرب أهلية جديدة تلوح في الأفق بسبب المأزق السياسي والعسكري المستمر.

وأضاف، في تصريحات لـ”أصوات مغاربية”، أن فشل الأمم المتحدة في إحداث اختراق دبلوماسي في اجتماعات القاهرة ثم جنيف “يعني أن هناك إمكانية كبيرة لاندلاع العنف مرة أخرى”.

وغادرت المستشارة الأممية، ستيفاني وليامز، مهمتهما، مطلع الشهر الحالي، من دون الكشف عن بديل لها، وسط اعتراف أممي بصعوبة الاتفاق على شخصية جديدة لقيادة مساعيها الدبلوماسية.

ويضيف أفتانديليان، وهو أيضا أستاذ محاضر بالجامعة الأميركية بواشنطن، أن قوات الجنرال حفتر قد تنضم إلى الجماعات الراغبة في اقتحام طرابلس هذه المرة.

لكنه استدرك قائلا إن مثل هذا القرار سيحتاج إلى ضوء أخضر من داعميه في الخارج، “خاصة وأنه يتعارض صراحة مع الموقف الرسمي المصري الداعي إلى تبني نهج المفاوضات للخروج من الأزمة”.

ماذا حدث لـ”تقارب” حفتر والدبيبة؟

وتأتي كل هذه التطورات بعد أسابيع عن حديث حول “تحالف غير متوقع” بين حفتر والدبيبة، إذ قام الأخير بـ”دعوة رئيس أركان الجيش عبد الرزاق الناظوري إلى طرابلس، وإقالة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله”، الذي يرفضه معسكر الشرق.

لكن هذه الخطوات لم تكن على ما يبدو كافية لرأب الصدع بين الطرفين.

ووفق أفتانديليان، فإن حكومة الدبيبة لن تقبل بأن يترشح الجنرال حفتر إلى الرئاسة، وهناك عقبات أخرى لا يمكن تذليلها تجعل “التحالف” مسألة صعبة.

من جهة أخرى، قال المحلّل المتخصّص في الشأن الليبي، جلال حرشاوي، لـ”أصوات مغاربية”، إن “الدبيبة يسعى إلى اتفاق سلام متين مع حفتر”، لكنه يريد أن يستثني من هذا الاتفاق فتحي باشاغا وعقيلة صالح.

وأردف أن الجنرال حفتر، من جانبه، يريد من الدبيبة “تنازلات أكبر”.

أما بخصوص ما سُمي بالتحالف بين الطرفين للاستغناء عن صنع الله، قال حرشاوي، إن الرئيس السابق لمؤسسة النفط راكم أعداء في الشرق والغرب، ولم يكن هناك خيار سوى الاستغناء عنه، لهذا تم الاتفاق على استبداله.

وما قد يضعف الدبيبة في الوقت الراهن هو الاقتتال بين حلفائه في العاصمة، بحسب خبراء.

وفي هذا الصدد، أكد المبعوث الأميركي السابق إلى ليبيا، والخبير بالشؤون الليبية في معهد الشرق الأوسط، جوناثان وينر، أن الدبيبة، يواجه “تهديدا متزايدا من فقدان السلطة بسبب الاقتتال الداخلي بين الميليشيات المتمركزة في طرابلس”، إذ “أضعفت” هذه الصراعات سيطرته على العاصمة.

واندلعت موجهات دموية، أواخر الشهر الماضي، بين جهازي “الردع” و”الحرس الرئاسي” في عدة أحياء بالعاصمة الليبية طرابلس، وأسفرت عن سقوط 16 قتيلا وعشرات الجرحى.

وقال وينر إن هذه الاشتباكات انتهت باستيلاء “جهاز الردع” على الأراضي التي كان يسيطر عليها الحرس الرئاسي، “وبالتالي تم إضعاف الموقف الأمني لرئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، ما خلق فرصة متجددة لباشاغا لمحاولة دخول المدينة والاستيلاء عليها”.

زر الذهاب إلى الأعلى