بوتين ينتظر “الجنرال الشتاء” بفارغ الصبر ولكن!
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

مع دخول الحرب الروسية على أوكرانيا شهرها السابع، خسر “قائدها” فلاديمير بوتين مواقع معنوية كثيرة كان قد سيطر عليها.

يعود سبب هذه الخسارة التي ألمّت بمن كان يُعتبر يومًا “أذكى استراتيجيّ في العالم” إلى الصمود الأوكراني “المفاجئ” والصاعق” الذي تعزّز بدعم كبير من الغرب عمومًا ومن “حلف شمال الأطلسي” خصوصًا.

ولكنّ رهانات الرئيس الروسي لا تنتهي، بل هو لا يزال يعتبر أنّه لا يزال يتمتّع بأوراق من شأنها أن تقلب الأمور رأسًا على عقب، لمصلحته، لأنّه يعتقد أنّه أحكم سيطرته على الوقت، وطوّعه ليكون حليفه الأكبر في حربه المفتوحة.

ومن الواضح أنّ بوتين، في ضوء النتائج “المحبطة” التي حصدها جيشه القوي جدًّا، من حيث المبدأ، لم يعد يتطلّع إلى انتصار عسكري حاسم، على اعتبار أنّ العراقيل التي وضعها الأوكرانيون والقوى الداعمة لهم، باتت أكبر من آماله، ولهذا فإنّه أبطأ وتيرة هجومه، بشكل كبير، ولكنّ هذا “الإحباط” لا يسحب نفسه على المستقبل القريب، لأنّ “سيّد الكرملين” ينتظر، بفارغ الصبر، قدوم “الجنرال الشتاء” ليُغرق كلّ الدول الأوروبية الواقفة في وجهه إلى جانب أوكرانيا، في مشاكل تُشغلها عنه وعن أوكرانيا، في آن.

وبالفعل، فإنّ الحكومات الأوروبية تترقّب، بكثير من القلق، حلول فصل الشتاء، حيث يتوقّع لها أن تعاني إضافة إلى المشاكل الناجمة عن التضخّم من مآسٍ قد تُنتجها الحاجة الحيوية إلى الغاز، ليس من أجل تشغيل المعامل والمصانع فحسب، بل من أجل توفير الحدّ الأدنى المقبول من التدفئة والكهرباء، أيضًا.

وقد بدأت هذه الدول الأوروبية، في ضوء عجزها عن الوصول إلى “مستوى الطمأنينة” في مخزونها الاستراتيجيّ من الغاز، وضع خطط ترشيد “إنفاق الطاقة”، من دون أن تضمن قدرتها على اجتياز هذا الامتحان بنجاح، في حال جاء الشتاء قاسيًا جدًّا.

وليس من باب “الثرثرة” إقدام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مخاطبة شعبه، يوم الأربعاء الماضي، مستعيدًا “فلسفة” ونستون تشرشل التي اعتمدها في التوّجه إلى الرأي العام البريطاني، مع إعلان بلاده الحرب على ألمانيا النازية.

وقال ماكرون، في تفصيله لشعار” علينا أن ندفع ثمن الحريّة”: نعيش نهاية البحبوحة، وعدم الاكتراث (…) إنّ لنظام حريتنا ثمنًا، قد يتطلّب تضحيات”.

وفي انتظار طريقة تفاعل الشعوب الأوروبية مع “التضحيات”، لا يستبعد مراقبون أن تشهد الدول الأوروبية، وقد اجتاحها الغلاء، وسوف يضربها “الجنرال الشتاء” بالحاجة، اضطرابات شعبية واجتماعية كبرى، من شأنها أن تُزعزع حكومات، هنا وتضرب الاستقرار، هناك، وتُلهيها، بكل الأحوال، عن الاهتمام بالشجون الأوكرانية.

ولا تقف الدعاية الروسية على الحياد، بل هي، بما تملكه من قدرات، تعمل، بلا هوادة، مستفيدة من ” شعبوية” اليمين واليسار المتطرّفين، على إقناع الشعوب الأوروبية بأنّها تتكبّد تضحيات، ليس من أجل “الحريّة” بل من أجل الدفاع عن “هيمنة” الولايات المتّحدة الأميركية التي “تستتبع” حكوماتها.

وتذهب هذه الدعاية إلى أبعد من ذلك، إذ توهم الأوروبيين بأنّ صداقة روسيا قادرة على أن توفّر لهم البحبوحة والرخاء، في حين أنّ الوقوف إلى جانب “نازيي أوكرانيا” الذين يضحّي الجيش الروسي من أجل تحرير أوروبا منهم، هو الذي يكبّدهم خسائر فادحة.

ولكنّ الدول الأوروبية، لا تنتظر مستسلمة وصول “الجنرال الشتاء” لدعم “الأمبراطور” بوتين، بل هي تخطّط على أكثر من جبهة، حتّى تحول دون أن يفرض “السيناريو الأسوأ” نفسه عليها، ولذلك فهي وضعت خطّة، مستندة إلى الوعي الجماعي لمعطيات الحرب العالمية الثانية وتداعيات “التهاون” في التعاطي مع صعود “النازية” و”الفاشية”، لإحباط الدعاية الروسية، كما سارعت إلى إقرار برنامج اجتماعي لمنع الحاجة من فرض نفسها على الشرائح الهشّة، ونشطت في إزالة الشوائب التي كانت قد أثّرت سلبًا على علاقاتها مع الدول المصدّرة للنفط عمومًا وللغاز خصوصًا، كما هي الحال، في هذه الأيّام بين فرنسا، من جهة والجزائر، من جهة أخرى.

وتندرج الحماسة الأوروبية لإحياء سريع للاتفاق النووي مع إيران في هذا السياق، على اعتبار أنّ النقص الذي أنتجه تحويل روسيا الغاز إلى “سلاح” يُمكن تعويضه، قبل انتهاء موسم الشتاء، من المخزون الإيراني.

وبسبب هذه الخطط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، فإنّ الدول الأوروبية تفتح آفاق الأمل أمام شعوبها، بحيث تتعهّد بأنّ الصعوبات التي حصلت والتي يمكن أن تحصل، في ما تبقى من العام 2022، سوف تجد خواتيمها، في العام 2023.

إنّ رهان بوتين على “الجنرال الشتاء” على الرغم من واقعيته، إلّا أنّه قد يُصاب بخسارة فادحة، لأسباب جيو سياسية كثيرة، يتقدّمها العامل الأوكراني، ذلك أنّ أوكرانيا التي قد تكون عاجزة عن إعادة السيطرة على المناطق التي احتلّها الجيش الروسي، تثق بقدراتها على تنظيم مقاومة صلبة، من شأنها إحياء “عوارض أفغانستان” في الوجدان الروسي، وما يثبت ثقتها بذلك لا يقتصر على العمليات النوعية التي حققتها حتى في شبه جزيرة القرم، بل يسحب نفسه على نوعية الدعم الذي يقدّمه الغرب عمومًا والولايات المتّحدة الأميركية خصوصًا، وهو دعم يُذكّر بتلك الجسور التي مدّتها واشنطن، في الحرب العالمية الثانية لموسكو، ممّا أعانها على قلب الإجتياح النازي الى وبال على أدولف هتلر.

بعد أيّام قليلة من بدء تنفيذ قرار غزو أوكرانيا، وهذا ما عادت وأثبتته الأشهر الستّة الأخيرة، ظهر أنّ حسابات فلاديمير بوتين، قد تصحّ على الورق، ولكنّها تسقط في الميدان.

المصير نفسه قد يلقاه، أيضًا رهان بوتين على “الجنرال الشتاء”.

زر الذهاب إلى الأعلى