مراجعة نسرين عبدالله في كتاب الامير الصغير للكاتب الفرنسي (انطوان دو سنت اكزوبري)
نادي الكتاب اللبناني –
النشرة الدولية –
من منا لم ترتبط طفولته بزهرة الأمير الصغير، من منا لم يسافر معه إلى عوالمه المختلفة بحثا عن شخوص جديدة ونماذج إنسانية نقابلهم نعيش معهم ليكون الواحد منهم درسا والآخر موعظة وآخرهم سندا وصولا للبحث عن ذواتنا.
ماذا يحدث إن التقى طفل ذو خيال خصب بأمير خيالي كيف يفكر كيف يعبر وان رسم كيف يرسم؟
هذا ما نكتشفه في روايتنا الأمير الصغير التي صدرت عام ١٩٤٣.
هي رواية من الأدب الفرنسي الفلسفي، من أشهر قصص أدب الأطفال في ثمانية وعشرين فصلا، ترمت إلى أكثر من مئتين وثلاثين لغة ولهجة، وبيعت أكثر من ثمانين مليون نسخة حول العالم.
أما عن أحداث هذه الرواية، فتدور بين شخصيتين رئيسيتين البطل والأمير الصغير، وتبدأ حين رسم بطلنا صورة لحية تبتلع فيلا، يعرضها على الكبار الذين لم يروا فيها سوى صورة قبعة رأسمما أصابه بخيبة جعلته يترك الرسم ويطير إلى عالم آخر بعيد عن عالم الراشدين ليتعرف على الأمير الصغير، ويحاصر معه في الصحراء على مدى ثمانية أيام، يروي له فيها الأمير قصة حياته ويهاجر من كوكبه الصغير اثر خلاف مع زهرته لاكتشاف الكون وما به من خبايا، يقوم بزيارةست كواكب سابعها الأرض، وفي كل كوكب يتعرف على شخصية وحيدة تسكنه إلى أن يصل الأرض لتكتمل رحلة البحث عن الذات الانسانية.
فكرة الرواية الأساسية تقوم حول الفجوة بين الأطفال والكبار لتذكيرهم بملامح الشخصية الطفولية لفهمها والابقاء على روح البراءة في النفس مهما كبرنا، وليبين انه برد فعل بسيطة قد تهدم مستقبلا، كاضطراره اختيار مهنة أخرى وتعلمه الطيران وكأنه اختارها للابتعاد عن الراشدين.
أما عن الأمير فقد أحب زهرته ومنحها خصائص البشر الجيدة والسيئة منها لكن تأخرها بالاعتراف بحبها ومشاركته الشعور دفع به إلى الرحيل، كل كوكب كان رمزا لصفة إنسانية متعمقة متجذرة، فحشائش كوكبه ما هي إلا الصفات الحسنة والخبيثة في الذات الإنسانية التي أصر في أكثر من مقال على وجوب القضاء على الأخيرة كيما تستعبد أرواحنا.
ومع كل كوكب طنا ننتقل لقضية إنسانية اجتماعية نفسية،
ففي الكوكب الأول يظهر قضية الاستبداد والتسلط من الملوك تسلط يمنحه المخدوعون وفي كوكبه الثاني مغرور يرى الناس بين معجب وحاسد انعكس على واقعه تقوقعا في غروره في عالم وحيد، وفي الكوكب الثالث سكير عكس لنا هروبنا الدائم من محطة ما فنعوضها بأخرى لندور ضمن حلقة مفرغة انعكست على الكوكب الرابع حيث رجل الأعمال الباحث دائما عن الأرقام ليصبح الثراء غاية بحد ذاته.
وفي الكوكب الخامس رجل يضيء ويطفئ المصابيح انقيادا للأوامر دون معرفة السبب، وفيه سخرية من الييرقراطية فلمن نطفئ بلادنا ولمن نشعلها وكيف نقوم بثوراتنا ومن يديرها، ليمر بنصيحة الجغرافي في الكوكب السادس بزيارة الارض الكوكب السابع الأخير بعد أن أظهر له انفصال الانسان عن حياته والنظر اليها من خلال حكم الآخرين وعيونهم.
وعلى الأرض تعرف إلى زهرات ووردات كثيرة، ما هي إلا الأبناء، اكتشف أن العالم مليء بزهرات تشبه زهرته ولكنها مختلفة مختلفة من حيث الرعاية والاهتمام، وهكذا الابناء هم أبناء الحياة يجب رعايتهم.
عوالم جعلته يصل للقاء مع ذاته مع مختلف الطبائع ليدرك أن خلافه مع زهرته يتحمل فيها مسؤولية عدمتنبهه لاعترافها بحبه بتصرفاتها واهتمامها وبالوقت الذي منحته له…