عقوبات واشنطن تبعد موسكو عن غاز المتوسط: حصّة “نوفاتك” لمن؟

النشرة الدولية –

لبنان 24 –

نوال الأشقر

انسحاب شركة نوفاتك الروسية من “كونسورتيوم” شركات التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانيّة، لا يمكن فصلُه عن التوقيت الدولي المحتدم، على خلفية الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، وما خلّفته من توتّر روسي أوروبي، وعقوبات أميركيّة وأوروبيّة على شركات روسيّة. بصرف النظر عن الأسباب التي دفعت الشركة للإنسحاب، وما إذا كنت خرجت أو أُخرجت من المشهديّة النفطيّة في ساحل المتوسط، يتمحور السؤال الجوهري حيال انعكاس هذه الخطوة على مصير التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليميّة اللبنانيّة، وما إذا كان هذا التطور سيسرّع من استئناف شركتي “توتال” الفرنسية و”ايني” الإيطاليّة أعمال التنقيب، أم سيزيد الأمرَ تعقيدًا، لاسيّما وأنّه يحدث في زمن تفعيل محاولات ترسيم الحدود بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، بوساطة أميركيّة.

العقوبات الأميركية أبعدت نوفاتك

الخبير في الشؤون النفطيّة الدكتور ربيع ياغي رأى في حديث لـ “لبنان 24” أنّ انسحاب نوفاتك أتى نتيجة العقوبات الأميركيّة المفروضة على الشركات الروسيّة خارج روسيا، والتي تشمل كلّ الأنشطة بصرف النظر ماذا إذا كانت نفطيّة أو غير نفطيّة، فالعقوبات أثرّت سلبًا على تواجد نوفاتيك ضمن كونسوتيوم الشركات الثلاث “توتال” و”ايني”و”نوفاتك”.

الشركة الروسيّة أبلغت وزيرَ الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض وهيئةَ إدارة قطاع البترول، قرارَها الإنسحاب من الاتفاقيتين العائدتين للرقعتين 4 و9، قبل نحو شهرين من انتهاء مهلة الإستكشاف الأولى، المحدّدة في 22 تشرين الأول المقبل. فياض من جهته أكّد أنّ القرار لن يؤثر على أعمال التنقيب، وأنّ شركة “توتال” لا تزال ملتزمة بالإتفاقيّات الموقّعة مع لبنان. لكن ماذا عن حصّة الشركة البالغة 20% من حقوق الإلتزام الممنوحة لتحالف الشركات؟ من يستحوذ على هذه النسبة، لبنان أم الشركتان الفرنسيّة والإيطاليّة، أم طرف ثالث؟

وفق مقاربة ياغي، لا يملك لبنان هامشًا كبيرًا من التحرّك في هذه الحالة “لاسيّما وأنّ علاقته المباشرة هي مع “توتال” الفرنسيّة، التي تقع عليها مسؤوليّة إيجاد البديل، انطلاقاً من الموجب التعاقدي الذي يقضي بأن يتألف التحالف من ثلاث شركات،الأمر الذي من شأنه أن ينعكس مزيدًا من التأخير في عمليات الإستكشاف في البلوك التاسع أو الرابع أو أيّ أنشطة نفطيّة في لبنان. ولن يكون صعبًا على “توتال” أو “ايني” إيجاد بديل عن “نوفاتك” خصوصًا أنّ مساهمة الشركة الروسيّة ماليّة إدارية أكثر منها فنيّة أو تقنيّة، ولا تتعدى ال 20%،  فيما تبلغ مساهمة كل من “توتال” و”إيني” 40 %. لكن إيجاد البديل يحتاج إلى وقت، والمعضلة أنّ هدر المزيد من الوقت ليس في صالحنا، ويجب أن نباشر اليوم قبل الغد، يكفينا أنّ نتائج الوساطة الأميركية في الترسيم البحري ليست واضحة النتائج، ومن غير المعروف ما إذا كانت ستخلص إلى ترسيم الحدود، أو ستتجمّد الوساطة إلى ما بعد الإنتخابات الإسرائيليّة، علمًا أنّ اسرائيل استكملت أعمال التنقيب، وفي أيلول ستباشر الإنتاج التجاري من جنوب حقل كاريش، وفي هذه الحال كلّ الإحتمالات واردة، بما فيها المنحى العسكري والضغط السياسي أو حتّى انسحاب الأميركيين من الوساطة نظرًا للتعنّت الإسرائيلي، لا سيّما أنّ المقايضة المطروحة في البلوكات، ليست واردة”.

ياغي لفت إلى أنّ الدولة اللبنانية لا تستطيع أن تأخذ حصّة “نوفاتك” وتكون شريكًا، ليس فقط لأنّها عاجزة عن دفع الأموال لقاء شراء الحصّة فحسب، بل لأنّنا أمام امتياز أعطي لطرف آخر، الطرف الأول هو الدولة اللبنانيّة ممثّلة بوزارة الطاقة، والطرف الآخر هو الجهة التي مُنحت حقّ التنقيب والإستكشاف والإنتاج والتسويق فيما بعد، أي كونسورتيوم الشركات الثلاث، من هنا إيجاد بديل هو مشكلة التحالف وليس الدولة اللبنانيّة، ولا يمكن لها أن تتدخّل في حالات التبديل داخل التحالف.

انسحاب شكلي تفاديًا للعقوبات؟

في البعد الجيوسياسي، إخراج روسيا من التنقيب عن النفط الغاز في المياه البحريّة اللبنانية، تحت وطأة العقوبات وليس رغبة منها، قد يكون له تبعات، ولكن هناك احتمال أن يكون حصل اتفاقُ تحت الطاولة بين الشركات الثلاث حول انسحاب نوفاتك شكليًّا، لتتفادى العقوبات، وتستمر تحت اسم آخر، وفق مقاربة ياغي، خصوصًا أنّ أوروبا لا تستطيع تحمّل عواقب التعاون مع شركة روسية موضوعة تحت العقوبات، هذا السيناريو محتمل، بالتوزاي قد يكون الإنسحاب حصل فعليّا وليس شكليّا، في هذه الحالة يوفّر الإنسحاب لكل من توتال وايني حريّة في الحركة بشكل أكبر، ويمكن بسهول إيجاد شركة أخرى، قد تكون تركيّة، هنديّة، ماليزيّة، صينيّة أو غيرها، والمعضلة أنّ لبنان المتأخر سنوات في التنقيب سيخسر المزيد من الوقت.

مماطلة “توتال” في التنقيب

أعمال التنقيب في لبنان لم تنطلق فعليًا، علمًا أنّ الدولة لزّمت تحالف الشركات الثلاث بقيادة “توتال” التنقيب في البلوك رقم 4 قبالة جبل لبنان، والبلوك رقم 9 قبالة ساحل الناقورة، وذلك في شباط عام 2018. أعمال الحفر في البلوك رقم 4 توقفت بشكل مفاجىء عام 2020، من دون معرفة الأسباب الحقيقية لذلك، تقارير “توتال” تحدثت عن عدم جدوى التنقيب في البلوك المذكور، ومنذ توقف الحفر في البلوك الرابع لم تقمْ الشركة بأيّ أعمال في البلوك التاسع، بحيث أرجأت الشركة الفرنسيّة مواعيد بدء التنقيب فيه مرّات عديدة، وكان يجب أن تنتهي المهلة الممنوحة للشركة للبدء في أعمال التنقيب في البلوك التاسع، في أيار عام 2021، إلًا أنّ العمل لم يبدأ رغم الإستحقاقات العقدية، وقدّمت الشركة حججًا تنوعت بين كورونا وانفجار المرفأ وتردي البنى التحتية، مستفيدة من البند 29 من العقد الذي تحدث عن القوّة القاهرة، والذي ينصّ على انّه يحق لشركة “توتال” أن تعلن عن القوّة القاهرة في عدّة حالات من بينها: الكوارث الطبيعيّة، أو في حال كان هناك قيود مثل الحَجر الصحي في حالة الأوبئة.

مما لا شك فيه، أنّ الحرب الروسيّة الأوكرانيّة فرضت إعادة تموضع استراتيجي للشركات العاملة في حوض المتوسط، ولبنان الذي أضاع لسنوات فرص استثمار ثروته الكامنة في أعماق البحر، يدفع ثمن صراع النفوذ بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة ثانية.

زر الذهاب إلى الأعلى