«إلى حياة آمنة» في الذكرى الأولى لرحيل شفيق الغبرا… بحضور ثقافي وطلابي كبير في المكتبة الوطنية

النشرة الدولية –

الجريدة الكويتية – عزة إبراهيم

استضافت المكتبة الوطنية، أمس الأول، ندوة ثقافية محمَّلة بالكثير من مشاعر الحُب والوفاء والتقدير لمشوار الأكاديمي والمحلل السياسي الراحل د. شفيق الغبرا، جرى خلالها مناقشة كتاب «إلى حياة آمنة»، الذي تم إصداره بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيله، بعد صراع مع السرطان.

لم يكن من السهل على مُحبي الكاتب والصحافي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت د. شفيق الغبرا أن يلتقوا في قاعة واحدة بعد عام من رحيله يستذكرون محاسنه وإنجازاته وإسهاماته المحفورة في الذاكرة، فقد كان لقاء يملؤه الشجن والشوق، وخاصة بين أفراد عائلته، الذين بادرتهم الدموع، أو بين أصدقائه الذين لا يزالون يتجرَّعون ألم فراقه، بعد عقود من الود والصداقة الحقيقية، أو طلابه أو القراء الذين جاءوا يتلمَّسون ذكراه وخطواته الأخيرة، التي كشفت عنها زوجته د. تغريد القدسي في الإصدار الجديد «إلى حياة آمنة» على غرار مؤلفه الشهير «حياة غير آمنة».

أدارت الندوة رهام النقيب، التي غاصت في حوار عميق كشفت خلاله العديد من الجوانب المخفية في حياة الراحل شفيق الغبرا، أو بين السطور في المؤلَّف الجديد (إلى حياة آمنة)، بتبادل الحوار والأسئلة مع المتحدثين؛ زوجته المدرسة بجامعة الكويت د. تغريد القدسي، وصديقه المهندس وعضو هيئة التدريس السابق بجامعة الكويت د. نبيل القدومي.

الطائر المحلِّق الحُر

في مقدمة الندوة، قالت النقيب: «إن الجلسة الحوارية حول د. شفيق الغبرا تعنيني بقدر ما تعني رفيقة رحلته د. تغريد، وصديقه د. نبيل، وعائلته وطلابه وأصدقاءه، حيث تربطني ببطل هذه الحكاية زمالة وصداقة عُمرها 30 عاماً، فتتلمذت على يده، وهو الطائر المحلِّق الحُر الذي لا يطيق الاستكانة أو الاستراحة على غصن ما، مُحلقاً في عوالمه الفكرية والأكاديمية، ثم تعرفت على شريكة عمره د. تغريد، وهي إنسانة حازمة تدرس خطواتها بدقة، واقتربنا أكثر من عالم الغبرا بكتابه (حياة غير آمنة… جيل الأحلام والإخفاقات)، الذي يدرس بالجامعة، لفكر عقل عربي الهوية والانتماء، وزاد هذا القرب بإصدار د. تغريد كتابها (عندما يكون امتلاك العقل عبئاً)».

واستطردت النقيب: «تشرفت بأن كنت إحدى اثنتين ممن قرأن كتاب (إلى حياة آمنة) قبل صدوره، وأصابني المغص العقلي، وتألمت وارتبكت وأنا أقرأ الغبرا بصيغة الماضي، وأتعرَّف عليه أكثر بعد رحيله، وأنا التي كنت أطول مشروع طلابي تبناه على مدى 3 عقود، حيث غاصت د. تغريد في النفس الإنسانية إلى عمق لا يتجرأ عليه إلا القلة، وكسرت قواعد الكتابة في مجتمعاتنا العربية».

شحنة عاطفية

وهنا التقطت د. القدسي الخيط، لتبدأ من حيث بدأ كتابها (إلى حياة آمنة)، لتقول: «عشت مع د. شفيق علاقة زوجية ناجحة عمرها 44 عاماً، كانت هي كل ذكرياتي وحياتي، ولم أعد أتذكر شيئا قبل ذلك العُمر، فشفيق وأولادنا وعائلتنا محور حياتي كلها، وبعد رحيله، الذي لا أزال أحاول استيعابه حتى تلك اللحظة بعد فترة طويلة من الإنكار وعدم التقبل أو التصديق والأمل في شفائه وبقائه معنا، شعرت بأن لديَّ جرعة كبيرة من المشاعر والشحنة العاطفية التي أحتاج إلى تفريغها عن طريق الكتابة، دون أن أخطط لصدور (إلى حياة أمنة)، فقد كانت قضية شخصية جداً أدوِّنها على أوراقي، حتى تحوَّلت إلى فكرة كتاب هدفه مساعدة الآخرين على تعلُّم الصبر من تجربة الراحل، الذي كافح في معركته مع السرطان مدة عام و7 أشهر قبل رحيله، فهي تجربة مؤلمة وملهمة، إلى جانب صبري في مراقبته، وهو الأمر الذي كان قاسياً على نفسي، حيث أراه يتألم ويعاني».

وتابعت د. تغريد: «في خضم استعدادي لنشر الكتاب فوجئت بالعثور على أوراقه التي كتب فيها عن مرضه بأول 4 أشهر من صراعه مع السرطان، وهنا قررت أن أضم كلماته الأخيرة ضمن كتابي (إلى حياة آمنة) دون أي تدخل فيها، والتي تعتبر دروسا وعبرا لمن يمر بتجربة مريرة».

وفي إجابة عن تساؤل مديرة الندوة رهام النقيب: «مَنْ هو شفيق الآخر الذي رافقته 35 عاماً؟»، حاول صديقه المقرَّب د. القدومي أن يكشف جوانب عن صديق العُمر، قائلاً: «شفيق الإنسان، عرفته زميلاً وباحثاً ورجل أعمال، فقد كان دائماً مهتماً بمعرفة أخبار أصدقائه وعوائلهم، قبل أن يتحدث عن مشاريعه وأنشطته، ولم يكن في حياته يحمل ضغينة لأحد أو يذكر أحداً بسوء، ورغم مكانته ونجاحه وتأثيره، فلم يكن من هؤلاء الذين يشعرون بأن الأرض تدور من حولهم، فقد كان متواضعاً دمثاً وهادئاً، ويُشعرك بأنك جزء مهم في حياته».

جسور عربية

وأضاف القدومي: «كان شفيق مُحباً لعائلته، وتلمع عيناه بمجرَّد الحديث عن زوجته وأبنائه حنين وزينة ويزن، ويفتخر بهم، كما أصر على أن أكون شريكاً له مع نخبة من رجال السياسة والأعمال في الخليج العربي حين أطلق مبادرته (جسور عربية)، ذلك المعترك الذي خاضه بقناعة شديدة، وحاضَر في ندوات عديدة ضمَّت خبراء عالميين ومن العرب، لمناقشة قضايا المنطقة، بعدها اعترف لي بحنينه للبحث والتأليف والتدريس، فكان يكتب في الصحف، ويظهر على الشاشات المختلفة، متحدثاً عن آرائه بجرأة وقوة، دون خوف من تبعات ذلك، فقد كان صلباً لا يتساهل مع قناعاته».

وتابع: «كان شفيق داعماً للتجربة الديموقراطية بالكويت، ويتمنى لها الاستمرار، وقبلها كان صلباً في الدفاع عن الكويت وقت الغزو، وعن القضية الفلسطينية باستماتة، وكان مرتاحاً لهويته الكويتية الفلسطينية العروبية، ولم تتعارض أو تتناقض إحداهما مع الأخرى يوماً، وعلى فراش الموت قال لي: يزن ابني مسؤوليتك، فطمأنته، وقلت له إن يزن رجل يملك كل مقومات النجاح في الحياة، فلا تخشَ ولا تحمل همَّاً، فقد ترك شفيق إرثاً مشرفاً وملهماً لعائلته الناجحة المثقفة وطلبته وتلاميذه، وشعلة لن تخبو لأجيال المستقبل».

Back to top button