المتشدّدون في إيران يراهنون على “رخاوة” أوروبا
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

لم يعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحيدًا في رهانه على “الجنرال الشتاء” لإخضاع “الإتّحاد الأوروبي” وفصله عن “المقاومة الأوكرانية”، مع اقتحام المتشدّدين في إيران هذا المسار للحصول على “شروطهم الصعبة” لإحياء الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي.

بوتين كما المتشدّدون الإيرانيون محقّون، نظريًا، في ترجيح هذا الإحتمال، إذ إنّ حكومات “الإتحاد الأوروبي” توحي، على الرغم من كل المساعي التي تبذلها، بهشاشة بنيوية أمام “إدمان” اقتصاديات أهمّ دولها الصناعية، تتقدّمها ألمانيا، على الغاز.

وليس أدلّ على ذلك سوى الإرتفاع القياسي الجديد في أسعار الغاز والإنخفاض التاريخي في سعر صرف الأورو، مع إعلان عملاق النفط الروسي “غازبروم” وقف تدفّق الغاز الى ألمانيا عبر خط “نورث ستريم 1″، وسط انطلاق التجمّعات الشعبية الإحتجاجية في أكثر من عاصمة، غضبًا من التضخّم عمومًا ومن ارتفاع كلفة الكهرباء، خصوصًا.

ولكن، هل يصح هذا الرهان عمليًا؟

على المستوى الروسي-الأوروبي، لا تبدو أنّ آمال فلاديمير بوتين مبنية على أوهام، فالحقائق الاقتصادية والميدانية تنبئ بمخاطر حقيقية على الكيانات السياسية لكثير من دول “الإتّحاد الأوروبي”.

إلّا أنّ آمال بوتين ليست قدرًا محتومًا، إذ إنّ مؤسسات “الإتحاد الأوروبي” وحكومات الدول الأعضاء، تعمل بلا هوادة لتجنّب “السيناريو الأسوأ” الذي ترسمه، مدعومة في ذلك من “الدول السبع الكبرى” تتقدّمها الولايات المتّحدة الأميركية المعنيّة الأولى بتوفير ظروف صمود أوكرانيا في وجه الغزو الروسي.

وإذا كان تكوين احتياطات الغاز لخدمة موسم الشتاء المقبل قد وصل الى مستويات “مقبولة جدًّا”، فإنّ توفير المصادر البديلة للغاز الروسي قد قطع أشواطًا نوعيّة، في وقت يعمل “العقل الأوروبي” بطاقة مضاعفة من أجل توفير مصادر بديلة للغاز والنفط في آن، وهذا ما يتبدّى من بدء العمل على تنفيذ دراسات منجزة حول توليد نسبة عالية من الكهرباء عبر “الايدروجين” الزهيد الكلفة والنظيف بيئيًا، بالتزامن مع إعادة النظر في سياسة خفض الإنتاج بالطاقة النوويّة.

ولا يقتصر الأمر على هذه المسارات، إذ إنّ الحكومات الأوروبية تعمل ما في وسعها لامتصاص حالة الغضب الشعبي، من خلال توفير حزم مهمّة من المساعدات التي من شأنها الحدّ من الأضرار على الشرائح الشعبية الهشّة.

 

ومن المتوقّع، في اجتماع “الإتّحاد الأوروبي” المقرّر، يوم الجمعة المقبل، اتّخاذ القرارات المناسبة في شأن إعادة النظر في جدول تركيب أسعار الكهرباء، الأمر الذي سيُخفّض الأسعار بنسبة كبيرة، لأنّ احتساب سعر الكهرباء على أساس سعر الغاز ليس واقعيًا، على اعتبار أنّ نسبة مرتفعة من إنتاج الكهرباء، حتّى في ظلّ المعطيات الراهنة، ليست مرتبطة بالغاز، كما هي الحال، على سبيل المثال لا الحصر، في فرنسا، حيث لا تزيد نسبة إنتاج الكهرباء من الغاز عن 17 بالمائة فقط من مجمل الإنتاج.

ودخلت مراكز الأبحاث الاقتصادية، في ظلّ الدعاية الروسية التي تتبنّاها أحزاب “اليمين المتطرّف” في أوروبا، على الخط، لتُظهر أنّ العقوبات التي فرضها “الإتّحاد الأوروبي” على روسيا، ولو أصابت قطاع الطاقة فيها بأضرار كانت قد بدأت تظهر مع استعادة الإقتصاديات العالمية نشاطها بعد إنهاء إجراءات الإقفال  في مواجهة تفشي جائحة كوفيد-19 وقبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، إلّا أنّ هذه العقوبات ألحقت أضرارًا بنيوية بالاقتصاد الروسي، الأمر الذي ستظهر تداعياته على المدى المتوسّط، بعد انتهاء “المفاعيل المغشوشة” للطفرة المالية ” غير الإستثماريّة” الناجمة عن ارتفاع أسعار الغاز والنفط، على الاقتصاد الحادي عشر في العالم، بدليل ما أصاب قطاعات الإنتاج والإستثمار والصناعة من ويلات بدأت، شيئًا فشيئًا، بالظهور في أكثر من قطاع كالسلاح والسيارات والطيران، في مقابل الكلفة الباهظة لحرب كان مقدّرًا لها أن تمتد لأمد بسيط فإذا بها تحوّلت، مع دخولها الشّهر السابع، الى حرب استنزاف.

وفي هذه الحال، ماذا عن الرهان الإيراني؟

من دون شك، ينظر “الإتّحاد الأوروبي” بأمل إلى عودة إيران الى الأسواق العالمية، بعد أن ترفع الولايات المتّحدة العقوبات المرتبطة بالملف النووي عنها، ذلك أنّ دخول النفط الإيراني الى بند “العرض” سوف يُؤدي الى تخفيض أسعار بند “الطلب”.

ولكنّ صحّة هذه الجزئية من الصورة لا تسحب نفسها على كامل الصورة، إذ إنّ “الاتّحاد الأوروبي”، بقدر الآمال التي يعقدها على إيران، يأخذ مصالحه مع الولايات المتّحدة الأميركية وإسرائيل و”مجلس التعاون الخليجي” بالاعتبار.

وهذا يعني أنّ إحباط آمال بروكسيل بالتوصّل الى اتفاق سريع، لن يدفعها الى ممارسة ضغوط استثنائية لتفريغ الإتّفاق من “شروط التوازن” التي كانت قد وضعتها دول الإتحاد الأوروبي في “العرض الأخير” الذي سبق أن قدّمه جوزيب بوريل.

وفي الموضوع الإيراني، وخلافًا لأوهام المتشدّدين في إيران، يملك “الإتّحاد الأوروبي” ترف الإنتظار قليلًا، الأمر الذي لا يمكن لإيران، وفق ما تكشف تيّاراتها الإصلاحية، فعله، نظرًا لأوضاعها المالية والإقتصادية والإجتماعية المتدهورة.

وترف الإنتظار الأوروبي يتأتى من أنّ إيران حتى الآن ليست “دولة غاز عظمى”، بسبب عدم وجود البنية التحتية لديها، فهي لا تستهلك الكمية التي تستخرجها، فحسب بل إنّها في كل شتاء، تكون في حالة عجز تبلغ 250 مليون متر مكعب يومياً أيضًا.

وهي، عند تطوير البنى التحتية المناسبة، قد تبدأ بتسويق الغاز لدول مجاورة، بينها العراق وتركيا والأردن.

وقبل أن تتحوّل إيران إلى مزوِّدة عالمية بالغاز، ستجد نفسها أمام اتفاق طويل المدى وقّعته قبل نحو عام ونصف العام مع الصين، وتعهدت فيه الصين باستثمار نحو 400 مليار دولار على مدى 25 عاماً، في مقابل احتكار شبه كامل لإنتاج الغاز والنفط في إيران.

وهذا يعني أنّ “الإتّحاد الأوروبي”، إن جرى إحياء الاتفاق النووي، لن يستفيد هذا الشتاء من الغاز الإيراني، وتاليًا فإنّ آماله آجلة وليست عاجلة.

وهذه الحقيقة يعرفها الإصلاحيون الذين يواكبون التطوّرات العالمية فيدعون المتشدّدين الى الكف عن التضحية بمصالح الشعب في غرف الرهانات…السوداء!

زر الذهاب إلى الأعلى