حرب وتسوية جامدتان في أزمة سورية متحركة
بقلم: رفيق خوري
النشرة الدولية –
ليس من الصعب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستدارة بنسبة 180 درجة في السياسة الخارجية، فعلها مع السعودية والإمارات وإسرائيل وفرنسا وألمانيا ومصر، ويحاول اليوم فعلها مع سوريا بدفع روسي للانتقال من القطيعة ثم التواصل مع دمشق عبر المسؤولين الأمنيين إلى الاتصال السياسي على المستوى الوزاري ثم الرئاسي، لكن العقبات أمامه ليست قليلة، لا من جانب القوى المتشددة، لا سيما التي دعمها ولا يزال في قتال النظام السوري منذ بداية الحرب عام 2011، ولا من جانب النظام الذي يشترط عليه الانسحاب من المناطق التي احتلها في الشمال السوري وإخراج فرع “القاعدة” من إدلب وأمور أخرى.
لا فرق سواء كان انفتاح أردوغان نتيجة لقراءته في التطورات الاستراتيجية والجيوسياسية قبل حرب أوكرانيا ومعها والحاجة إلى الحفاظ على دوره، أو كان مجرد تكتيك موقت من أجل الانتخابات الرئاسية في العام المقبل، غير أن المشهد في سوريا يثير الاهتمام. الموفد الدولي الخاص غير بيدرسون يبلغ مجلس الأمن أنه “ليس في الوقت الراهن عملية سياسية تتحرك بثبات إلى الأمام”، حتى حوار اللجنة الدستورية متعثر.
وبيدرسون يسعى للحفاظ على دوره بصرف النظر عن التسوية. والحرب عملياً في مرحلة جمود، حتى أردوغان لم يقدم على ما هدد به أخيراً وهو إنشاء “منطقة آمنة” بعمق 30 كيلو متراً شمال سوريا. والمظهر الوحيد للحرب هو معارك صغيرة متقطعة وغارات إسرائيلية كثيفة على مواقع إيرانية في سوريا، سواء في مطار دمشق وريفها أو مطار حلب أو ريف حماة وطرطوس.
ذلك أن سوريا فقدت كثيراً من دورها الإقليمي قبل الحرب بعد الانسحاب من لبنان عام 2005، حيث قاد دخولها العسكري في بداية الحرب إلى تعاظم دورها الإقليمي وحتى الدولي. وسنوات قليلة بعد الانسحاب من لبنان فصلت بين الاستقرار الكبير وبين التظاهرات والاضطرابات ثم حرب سوريا عام 2011. النظام حافظ على نفسه بمساعدة عسكرية إيرانية وروسية مباشرة، لكن استعادة كل الأرض بقيت صعبة. والتسوية السياسية ظلت بعيدة على الرغم من التفاوض والحوار والدور الأميركي والروسي وتعدد الموفدين. وما يبدو حالياً اهتراء داخلي وتقاسم للأرض والنفوذ بين خمسة جيوش خارجية.
والسؤال هو هل تحافظ موسكو وطهران على النظام من أجل نفوذهما في اللعبة الجيوسياسية مع أميركا الداعمة للكرد في شرق سوريا أم أن مقاطعة النظام استنفدت أغراضها، بعد أن ثبت في موقعه وصارت المعارضة ضعيفة ولاجئة إلى عواصم خارجية؟ مصر لم تقطع علاقاتها مع دمشق. الإمارات والبحرين وسلطنة عمان أعادت العلاقات معها. والحوار بين الدول العربية عشية القمة المفترضة في الجزائر يدور على استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، وها هو أردوغان الذي وعد بالصلاة في الجامع الأموي في دمشق بعد إسقاط النظام يطلب الانفتاح عليه.
لكن الانفتاح على النظام شيء واستعادة سوريا لطبيعتها ودورها ومكانتها شيء آخر، فضلاً عن عودة اللاجئين إلى الخارج والنازحين في الداخل إلى بيوتهم، وهم نصف الشعب السوري، وفضلاً أيضاً عن أن إعادة الأعمار تحتاج إلى نحو 500 مليار دولار، لا مجال للحصول عليها، لأن الغرب يربط عودة اللاجئين وإعادة الأعمار بالتسوية السياسية على أساس القرار الدولي 2254، والتسوية ليست على جدول الأعمال في دمشق.
لكن من الصعب الاستمرار في إدارة تسوية سياسية جامدة وحرب مجمدة في وضع مالي واقتصادي واجتماعي خطير، فلا بد من تسوية. ولا يكفي الحديث عن “حرب كونية” ضد النظام للامتناع عن تسوية الأزمة السياسية الداخلية التي قادت إلى الحرب، وليس من المعقول بقاء سوريا في حال حرب لا تنتهي.