كيف يتفاعل دروز لبنان مع ما يجري في السويداء؟

ما كان مطلوباً من نظام بشار الأسد عام 2011 تضاعف مئات المرات بعد ما حصل من القتل والتدمير والتهجير الممنهج

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

ليس دقيقاً أن التظاهرات التي انطلقت في محافظة السويداء الدرزية وليدة قرار رفع الدعم عن المحروقات، وغلاء المعيشة، فالأمور تتفاقم منذ يناير (كانون الثاني) 2020، مع تظاهرات “بدنا نعيش”، ووصلت اليوم إلى لحظة النزول إلى الشارع، والمطالبة برحيل رأس النظام السوري بشار الأسد، وما يميز هذه الانتفاضة اليوم أنها تخرج بشعارات الثورة السورية نفسها، ولكن من معقل طائفة الدروز، التي تاريخياً هادنت وتجنبت الصدامات مع النظام، بل كانت تعد موالية له، من هنا بقيت تلك المحافظة بعيدة إلى حد ما من مشاهد العنف والدمار التي شهدتها بقية الأراضي السورية خلال الحرب.

سوسن مهنا

“ثأر قديم”

بالموازاة مع كل الأزمات اللبنانية الداخلية، فأنظار دروز لبنان تراقب بحذر ما يحدث في السويداء، علماً أنه لا توجد عائلة درزية لبنانية إلا وتربطها علاقات قربى أو مصاهرة مع دروز الداخل السوري، وهذه سمة تتصف بها الطائفة الدرزية، إذ يتواصل أبناؤها ويتساندون في أي منطقة من العالم تواجدوا فيها، وليس غريباً إذاً أن تهتم الساحة الدرزية اللبنانية بتفاصيل الاحتجاجات في السويداء، وهم إن لم يستطيعوا تقديم الدعم المادي، لكنهم يتضامنون معنوياً بكل جوارحهم مع ما يحصل هناك.

وللدروز بحسب مصدر سياسي لبناني “ثأر قديم”، لأنهم واثقون بأن النظام السوري هو من قتل زعيم الدروز السابق في لبنان، كمال جنبلاط، ولاحقاً عندما اغتيل الشيخ المعارض زعيم مجموعة رجال الكرامة أو “مشايخ الكرامة” وحيد البلعوس في سبتمبر (أيلول) 2015، وهو الشخصية الدرزية الأبرز سورياً، منذ وفاة سلطان باشا الأطرش، وجهت الاتهامات لطرفين أساسيين باغتياله “حزب الله” والنظام السوري، ووصف وليد جنبلاط الشيخ البلعوس حينها بشهيد الوطن، وأكد اتهام النظام بقتله، معتبراً أن “استشهاده يشرف الدروز وجبل العرب”.

وبرر اتهامه للنظام بأن بلعوس كان رفض انخراط الدروز في صفوف جيش النظام في مواجهة أشقائهم بالمناطق السورية الأخرى، وقال حينها، خلال تأبين الشيخ البلعوس الذي أقيم في دار الطائفة الدرزية بالعاصمة اللبنانية بيروت، “أردناها اليوم مناسبة وطنية جامعة، مناسبة تضامن مع شهداء جبل العرب، مع الشهيد الشيخ وحيد البلعوس ورفاقه”.

وأضاف “أردناها رسالة إلى جبل سلطان باشا الأطرش من جبل كمال جنبلاط، أردناها مناسبة تضامن مع جميع شهداء الشعب السوري من دون استثناء من أطفال درعا إلى حمزة الخطيب إلى الشهيد الرضيع إيلان”. ولكن بين الأمس واليوم فارق مهم وأساسي، ذلك أنه عندما اغتيل الشيخ البلعوس كان دروز لبنان والسويداء منقسمين بين متهم للنظام، ومدافع عنه. أما اليوم ففي لبنان قلة قليلة توالي النظام، أما في السويداء فمن تحدث إلى “اندبندنت عربية” قال حالياً “إن الشيخ أو أي إنسان درزي عادي يوالي النظام أصبح منبوذاً في المجتمع”.

النظرة اللبنانية

تقول مصادر الحزب “التقدمي الاشتراكي” الذي يرأسه تيمور جنبلاط لـ”اندبندنت عربية”، إن للحزب موقفاً مبدئياً سياسياً بدعم الثورة السورية في عموم سوريا وليس السويداء فقط. والحزب ناصر الثورة في درعا وحمص وحلب وكل المناطق السورية، لكن في عز الثورة السورية لم يتدخل الحزب لا ميدانياً ولا بأي طريقة من الطرق، بل هناك دعم معنوي للشعب السوري بجميع أطيافه في سبيل تحقيق طموحاته وأهدافه بالعيش الكريم.

وكان صدر بيان للحزب في أغسطس (آب) الماضي، جدد فيه وقوفه إلى جانب الشعب السوري بكل أطيافه في التحركات المطالبة بالحرية والعدالة وكرامة العيش، في السويداء كما في كل المناطق السورية، ودان بشدة الكلام الصادر “عن المسماة مستشارة النظام السوري لونا الشبل التي وصفت أهلها وأبناء شعبها (بالمرتزقة)”.

وأضاف البيان “إذا كان ليس مستغرباً أن يصدر مثل هذا الكلام عن نظام هجر وقتل شعبه ودمر بلاده، إلا أنه يؤكد طبيعة هذا النظام المجرم، وهي حقيقة يدركها الشعب السوري الذي لا بد أن تنتصر إرادته مهما طال الزمن”.

ويرى بعض من تحدث إلى “اندبندنت عربية” أن ما كان مطلوباً من نظام بشار الأسد عام 2011 تضاعف مئات المرات، بعد كل ما حصل ويحصل من القتل والتدمير والتهجير الممنهج ومحاولة إدخال الإيرانيين إلى داخل السويداء عبر شراء الأراضي لبناء حسينيات هناك، وهو ما تصدى له “رجال الكرامة” ومنعوا حصول ذلك.

الكاتب والصحافي علي حمادة، يقول “بشكل عام ينظر غالبية الدروز في لبنان إلى ما يحصل في السويداء بقلق كبير، وفي الأساس الصلات العائلية والاجتماعية والدينية وطيدة جداً بين دروز لبنان ودروز سوريا، بل وجميع الدروز في العالم، ثانياً معظم الرأي العام الدرزي الشعبي في لبنان يعارض بشدة النظام السوري، بعد كل ما فعله في لبنان وسوريا، ويناصر أبناء السويداء عندما ينتفضون على النظام، وهناك من يوالي النظام، لكنهم قلة قليلة. ودائماً هناك شعور بما يسمى بـ”الفزعة العشائرية” أي المناصرة، (“الفزعة” هي الأسلوب القديم للتعاون بين أبناء الجلدة ذاتها، وتكثر في القرى والأرياف، حيث يدعو الشخص المحتاج للمساعدة في عمل ما، أبناء قريته لمساعدته فيتجمعون ويتعاونون في تلبية حاجته، وغالباً ما يكون إنجاز العمل المطلوب بالمجان، حتى وإن كان بناء بيت بكامله)، من هنا يشعر الدروز أنهم بالفزعة تجاه دروز السويداء في هذه المحنة أو أي محنة أخرى، لكنهم لا يتدخلون، إلا عبر الدعم المعنوي والاجتماعي والعائلي.

موقف أرسلان

وخلال استقباله في لبنان رئيس لجنة التواصل الدرزي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 الشيخ علي المعدّي، وحضور مرجعيات دينية وحشد من مشايخ الطائفة الدروز قال رئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان، وهو درزي مؤيد للنظام السوري في لبنان، “أتوجه إلى إخواننا في جبل العرب وأقول لهم، إياكم والفوضى، إياكم أن تسمحوا لأيادي الغدر الخبيثة أن تستغل وضعاً معيشياً معيناً كي تأخذنا إلى مشاريع سياسية مشبوهة، تعرض الوضع في السويداء وجبل العرب إلى الأسوأ من الضغط الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي”.

ورأى أرسلان أن الأمر يلزمه التعقل والحكمة وأضاف “نرفض المشاريع التقسيمية المشبوهة، منذ زمن، عرض على أهلنا في جبل العرب في عام 1921 تقسيم سوريا إلى أربع دول، وثورة سلطان باشا الأطرش كانت لكسر حواجز التقسيم وإعلان وحدة الأراضي السورية تحت الشعار الشهير الذي رفعه الباشا ألا وهو الدين لله والوطن للجميع”.

وأوضح أنه على تواصل شبه يومي مع القيادة في سوريا ومع الإخوة في جبل العرب، وقال “الجو العام رافض لكل الشعارات التقسيمية التي رفعت في هذا الموضوع بهدف استغلال الوضع المعيشي الذي هو نتيجة الظلم الذي تتعرض له سوريا كدولة وشعب، وأكبر دليل على ما أقول هو قانون العقوبات وقانون قيصر الجائر الذي صنع الضائقة الاقتصادية في كل سوريا”.

تواصل بين مشيختي العقل في لبنان وسوريا

وكان شيخ العقل في سوريا حكمت الهجري قد أوعز إلى أبناء الطائفة، أنه عار على من ينتفض من أجل كرامته أن يقبل بمساعدات في سبيل تحقيق أهداف قضيته، وأمس صدر بيان عن المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في لبنان برئاسة شيخ العقل سامي أبي المنى، توجه فيه “بالتحية إلى الإخوة في جبل العرب المنتفضين على واقع القهر المعاش وحرمانهم من أبسط الحقوق في العيش الكريم، مشيداً بتمسكهم بهويتهم العربية وتاريخهم في الحفاظ على تراث أجدادهم وقادتهم ووحدة وطنهم”.

وسألت “اندبندنت عربية” المستشار الإعلامي لشيخ العقل أبي المنى، عامر زين الدين، عن التواصل بين مشيختي العقل في لبنان وسوريا، فقال “حصل تواصل بين شيخي العقل أبي المنى والهجري، من أجل التضامن مع قضية أبناء السويداء، المنتفضين على واقعهم من الحرمان والغبن، وشتى أنواع الظروف التي تخالف العيش الكريم”.

ويتابع “نحن نقف إلى جانب أبناء السويداء، دروز سوريا في انتفاضتهم، من أجل تحصيل حقوقهم المشروعة والمحقة على المستوى الاقتصادي والمعيشي”.

وشدد زين الدين التضحيات الكبيرة لأبناء السويداء، لا سيما الشهداء منهم، مذكراً بنضالهم في سبيل الهوية العربية والتمسك بهذه الهوية، وبقائهم في هذه الأرض، مضيفاً “دروز السويداء لا يحبذون ولا يريدون الانفصال، ولا أي حكم ذاتي، بل مظلتهم الدولة السورية، شرط المعاملة بالمساواة والعدل وإعطائهم حقوقهم وموجباتهم”. ويشير إلى أن دعم المجلس المذهبي في لبنان هو دعم معنوي ولا يوجد أي دعم مادي.

 التدخل إضعاف لقضية السويداء

ويشير الكاتب علي حمادة إلى أن لوليد جنبلاط ابن كمال جنبلاط حالة درزية خاصة، وموقعاً معنوياً كبيراً بين دروز العالم في كل مناطق تواجد جاليتهم، وليس في سوريا فقط، ولا ينافسه عليها أحد، لكن جنبلاط يناصر معنوياً وقلبياً دروز سوريا، ولا يتدخل ويرفض التدخل ولن يتدخل. لأن التدخل في هذا الموضوع هو إضعاف لقضية أهل السويداء، وهم أدرى بمصالحهم ومطالبهم ووسائل التعبير عن سخطهم، فأهل مكة أدرى بشعابها. ماذا لو تطورت انتفاضة السويداء، هل سيسهم دروز لبنان بمساعدات عينية أو مادية؟

يقول حمادة ليس في قدرة دروز لبنان أن يفعلوا الكثير، فليس لديهم القدرة، وهم بالكاد يؤمنون متطلبات الحياة في الظروف الاقتصادية السيئة التي يمر بها لبنان، وبكل الأحوال لم يطلب منهم ذلك، لا من جنبلاط ولا من أي أحد آخر.

وكان رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب عبر حسابه على منصة “إكس” كتب متمنياً على “أهلنا في السويداء، الاستماع إلى أصوات العقل والمشايخ، والتنبه إلى محاولات استغلال مطالب الناس”. فهل سيتدخل حلفاء النظام بما يحصل في السويداء؟

يشير الكاتب علي حمادة إلى أنه “من الممكن أن مؤيدي النظام السوري في لبنان يحاولون التدخل لمصلحة النظام، هذا إن استطاعوا. لكن الشريحة الكبرى من دروز جبل العرب لا يؤيدون النظام، وهم عملياً خرجوا من تحت عباءته، لكن في الوقت عينه يعتبر دروز سوريا أنفسهم سوريين وليسوا انفصاليين، إذ حكي عن محاولات درزية للانفصال وإقامة كانتون درزي”.

ويضيف حمادة أن بشار الأسد لم يلتقط الفرصة العربية الذهبية التي أتيحت له بالانفتاح العربي، وأعادته عبر الانفتاح السعودي إلى الجامعة العربية. ولم يبدأ بخطوات ولو متواضعة بتنفيذ جدول الأعمال الذي وضع له في قمة جدة، ومن ثم قمة عمان للدول المعنية بالملف السوري، ولم يحرك ساكناً، بل ذهب في الخط المعاكس، وبدد فرصة للانفتاح العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى