قطاع الصناعات الغذائية في تونس يعاني من نقص المواد الأساسية

النشرة الدولية –

تشهد تونس نقصا في مواد غذائية أساسية أدى إلى اضطراب عمل مصانع وغياب منتجات عن رفوف المتاجر في البلاد التي يرى خبراء أن “الصعوبات المالية” التي تعاني منها هي السبب الرئيسي للأزمة.

وتشمل المواد التي تشهد نقصا في السوق التونسية منذ بضعة أسابيع السكر والقهوة والزبدة والحليب والمشروبات الغازية وزيت الطبخ.

وفي نهاية أغسطس، تظاهر في العاصمة نهاية عشرات من عمال الشركة التونسية للمشروبات الغازية التي تصنع علامات من بينها “كوكا كولا” بعد إحالتهم على البطالة لتعطل الانتاج بسبب نقص السكر، وفقا لما قاله كاتب عام نقابة المصنع سهيل بوخريص لـ”فرانس برس”.

ورغم إعلان متحدث باسم الشركة في تصريح لفرانس برس عودة العمال لوظائفهم واستئناف الانتاج، أكد بوخريص أن نسق الانتاج تقلص منذ يونيو.

وأوضح أن الدولة باتت تمد المصنع الذي يوظف نحو 600 عامل بكميات من السكر لا تتجاوز أحيانا 20 بالمئة من حاجته التي تبلغ 60 طنا يوميا، معربا عن تخوفه من إحالة موظفين على البطالة إذا طالت الأزمة.

ويمتد طابور من الشاحنات داخل المصنع وخارج بوابته لتعبئة المشروبات الغازية، وقال سائقون إنهم ينتظرون لساعات طويلة ويحصلون على كميات أقل مما يطلبون.

أزمة غير مسبوقة

A sign is placed on almost empty shelves of bread and other wheat-based food products that reads in French "one bag per person"…
أرفف فارغة تقريبا من الخبز مكتوب عليها “كيس واحد لكل شخص” في تونس في 13 مارس 2022

من المتضررين أيضا شركة “غورمنديز” للمعجنات التي توظف بدورها نحو 600 عامل وتدير 27 متجرا في أنحاء تونس.

في مكتبها بمقر الشركة في ضاحية أريانة بالعاصمة، تؤكد المديرة التنفيذية، راضية كمون، لفرانس برس أنها تواجه صعوبات في الحصول على الامدادات الضرورية.

وتوضح أنه إلى جانب النقص تضاعفت أسعار بعض المواد مثل الزيت النباتي عدة أضعاف، ما دفع الشركة إلى إقرار زيادتين في أسعار منتجاتها منذ مطلع 2022.

وتقول “بدأت أزمة السكر فقللنا استعماله في المرطبات وكذلك القهوة، لكن لا يمكن أن نصنع معجنات من دون زبدة”.

وتلوم كمون على الدولة “ضعف التواصل” لإيضاح “ما يحصل وما سيحصل” في سياق “هذه الأزمة غير المسبوقة منذ تأسيس الشركة عام 1976”.

كما طالب بوخريص السلطات بالتزام “الوضوح”، إذ “يجب أن تقول لنا إن كانت قادرة على حل المشكلة أم لا بدل الوعود التي نسمعها منذ أسابيع ولا تتحقق”.

تحتكر الدولة عن طريق “الديوان التونسي للتجارة” استيراد القهوة والشاي والسكر والأرز وتزويد السوق بها.

وتشدد سيدة الأعمال أنه في حال طالت الأزمة “سنكون مجبرين على التفكير في غلق بعض المتاجر، بعد أن وضعنا خطة للتوسع تواصلت حتى خلال الأزمة الصحية “الناجمة عن تفشي كوفيد”.

ويبدو النقص في مواد غذائية أساسية واضحا في المتاجر والمراكز التجارية التي صارت تفرض حصصا محددة لكل زبون يريد شراء بضائع مثل الحليب والزبدة والقهوة.

أما زيت الطبخ الذي تورده الدولة وتبيعه بسعر مدعم، فقد بات وفق أصحاب متاجر مفقودا بشكل شبه كلي رغم تأكيد وزارة التجارة أنه متوفر.

A billboard depicting Tunisia's Kais Saied hangs on the side of a building in the east-central city of Kairouan, on July 26,…
لوحة إعلانية تصور قيس سعيد في مدينة القيروان في 26 يوليو 2022

تمر تونس بأزمة اقتصادية متصاعدة، تسببت في ارتفاع أسعار السلع والخدمات ونقص بعض المنتجات، بسبب تداعيات جائحة كورونا وآثار الغزو الروسي لأوكرانيا، وفقا لـ”رويترز”.

وتوقع تقرير سابق لـ”فاينينشال تايمز”، مواجهة عدة دول نامية لمصير يشبه لما حدث في سريلانكا بسبب المشاكل الاقتصادية والديون المتراكمة.

وأشارت الصحيفة إلى أن قائمة الدول التي تبدو معرضة للخطر طويلة ومتنوعة، وتضم أكثر من 20 دولة من البلدان ذات الأسواق الناشئة المثقلة بالديون وتجد نفسها “مضطرة للاختيار بين الدفع للدائنين أو توفير الغذاء والوقود لشعوبها”، وبين تلك الدول تونس.

وفي نهاية أغسطس، أقر وزير الشؤون الاجتماعية، مالك الزاهي، بوجود صعوبات في التزود ببعض المنتجات قال إنها نتيجة اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار وكلف النقل على المستوى الدولي، مشيرا خصوصا إلى “تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية”.

لكن الخبير الاقتصادي، معز حديدان، قال في تصريح لفرانس برس إن مشاكل الامداد الدولية “تسرع فقط وتيرة الأزمة” التي لها أسباب محلية بالأساس بسبب “صعوبات مالية” تعيشها الدولة.

وأضاف حديدان أن النقص سببه ضعف مخزون العملة الصعبة وأن الحكومة “تعجز عن تزويد السوق بكل المنتجات في الآن نفسه”، مؤكدا أن “الكثير من المزودين الدوليين باتوا لا يثقون في تونس ويطلبون دفع أسعار السلع وكلف النقل مسبقا بسبب تخفيض تصنيفها الائتماني (من وكالة فيتش) إلى “سي سي سي” في مارس.

ويتناول الرئيس التونسي، قيس سعيد، باستمرار ملف غياب سلع أساسية عن السوق، لكنه يعتبر أن سبب النقص هو “الاحتكار” و”المضاربة”.

ودعا سعيد، الإثنين، خلال لقاء مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن إلى “مزيد بذل الجهود لمقاومة مظاهر الاحتكار”.

واعتبر نهاية أغسطس أن هناك “تعطيلا في توزيع عدد من البضائع لغايات سياسية” وأن النقص “لا يتعلق بالقدرات المالية للدولة بقدر ما يتعلق بمحاولة افتعال الأزمات”، وفق بيانات للرئاسة.

من جهته يرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، رضا شكندالي، في تصريح لفرانس برس أن خطاب رئيس الجمهورية “متشنج” و”غير عقلاني”، معتبرا أن “الاحتكار لن يكون ممكنا إذا وفرت الدولة المنتجات الأساسية بكميات كافية”.

بدوره يصف معز حديدان خطاب الرئيس بأنه “متناقض مع أفعاله”، إذ في حين “يروج فكرة المؤامرة لاسترضاء الفئات الفقيرة تتفاوض حكومته مع صندوق النقد الدولي حول قرض أساسي من شروطه تنفيذ إصلاحات ضرورية من أهمهما إنهاء الدعم لمواد أساسية”.

ويؤكد الخبير الاقتصادي أن السؤال الأهم حاليا هو “هل لدى الرئيس قيس سعيد الشجاعة للمضي قدما في تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية؟”.

Back to top button