وطن الدروب الضليلة ومعراج الألم!
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
الثائر –
روى لنا ابو صالح قال: تحدث القادة عن النضال والتضحية لحماية مصالح الوطن، وأنا أردت تصديق ذلك!!!
أخبرت أولادي أن لبنان جنة لا مثيل لها على الأرض، سهوله خصبة، وهضابه لوحات ساحرة، غاباته غضة ظليلة، وينابيعه عذبة، وكرومه تزخر بأشهى أنواع الفواكه والثمار.
شعبه متنوّع الثقافات والاعراق، وهذا يُغني العيش، وتطيب معه الحياة.
لكن ولدي سأل أسئلة كثيرة
سأل عن المذاهب والطوائف وأمرائها، وعن الحروب التي خاضها هذا الشعب باسم الدين.
سأل عن الدماء التي سُفكت، والارواح التي زُهقت دفاعاً عن الوطن، وأي وطن!!!
ففي لبنان لكل طائفة وطن، بل ربما الطائفة هي الوطن.
سأل عن السلاح وتراخيص السلاح الموزّعة على المواطنين،
هذا السلاح الذي يحوّل الخلاف على أفضلية المرور، أو موقف سيارة، أو ملكية عقار ،وربما ملكية جدار، أو حتى خلاف بسيط على تينة، أو نقاش، أو نظرة خاطئة، إلى معركة حقيقية، يجري فيها نهر من الدماء.
سلاح يجعل المأتم مآتم، ويحوّل النجاح في امتحان أو وظيفة أو خطاب مسؤول، إلى مسرح لموت الأبرياء.
سلاح يخطف الفرحة من القلوب، ويحوّل العرس إلى عزاء، ويبدل الافراح بالدموع، والأغاني بالنواح والعويل.
سلاح وقتال!!!
قتال بين الطوائف، وبين القرى، وبين الاحياء، وبين الجيران والاخوة.
قتال عن؛ الفلسطيني، واليمني، والسوري، والعراقي، والإيراني، وعن الليبي، والسوداني، والافغاني، وكل شعوب الأرض!!!!
التفت ابني نحوي بغصة وقال:
أنا أريد أن أتعلّم يا ابي، وأن أبني منزلاً، وأعيش بسلام في وطني .
أنا لا أريد الهجرة ولا أرغب بالسفر والعمل في خدمة دولة أُخرى .
أنا أحب لبنان وأحب رفاقي وأهلي ومدرستي، وحتى هذه الدروب وتلك الحجارة فيه، أُحِبُّها.
لكن في لبنان هناك من يقول لي ارحل!
ارحل ارحل ارحل!!!
إذا لم يعجبك حكمي ارحل!
إذا لم يعجبك تسلطي عليك ارحل!
إذا لم يعجبك سلاحي الموجه إلى رأسك ارحل!
إذا لم يعجبك أنني أضع نفسي في مرتبة أعلى منك ارحل!
إذا كنت تخالفني الرأي فانت عدو وصهيوني وعميل وخائن، وما عليك إِلَّا الموت أو الرحيل.
اعذرني يا ابي!!!
فأنا لبناني ولا احتاج إلى فحص دم يومي في عروبتي ووطنيتي!!!
اعذرني فأنا أُحِبُّ أهلي وأخوتي ولا أريد أن أراهم يموتون برصاصة طائشة !!!
اعذرني أنا أحب أن أعيش بسلام، وأحب الحياة اعذرني أنا أكره الموت وثقافة الموت
لقد اكتفيت من القتال بدلاً عن الآخرين، واكتفيت من الشعارات والخطابات، ولم أعد أصدّق كذبة مسؤول يدّعي التضحية والنضال، وهو وأولاده يحملون جنسية أوروبية وأمريكية، ويسكنون في قصر فاخر !!!
لا أريد أن أسير عاري الصدر حافي القدمين خاوي الأمعاء، في يدي بندقية عمياء، تغرز رصاصاها في صدر أناس أبرياء.
لا أريد العيش بين مَن يملأهم الحقد ويُعميهم التعصب والجهل، وتُحرّكهم البغضاء والأنانية، فلا يعرفون كيف ولماذا ومتى، تضغط الأصبع الخرساء على الزناد.
لا أريد أن أعيش في ظل الفوضى والاستقواء، وسلاح يصادر حريتي، ويمتهن كرامتي، ويُفرغ طيشه في رأسي وأجساد أولادي وأخوتي، ثم يقول لي سأحميك من الأعداء.
أليس عدواً من يسرق مالي، ويعتدي على منزلي، ويأسر حريتي، ويحرمني حقي في القول والعيش بسلام ؟؟؟
نعم أنا أحب وطني وأحب شعبي أكثر من حبي لأي شعب وأي دولة،
وأريد العيش في بلدي بسلام.
لكن لست أنا الخائن، بل من باع لبنان ، ورهنه في خدمة الآخرين ومصالحهم ومشاريعهم، التي أحرقت ودمرت كل شيء ، وجعل من هذه الجنة ناراً تحرق أجساد ابنائه، وبؤرة فساد تسودها الضغينة وشريعة الغاب، هو الخائن.
مَنْ جعله وطناً مُشرّع الأبواب، يدخله من يشاء كيفما شاء، ليقرر عنّا، متى وكيف يجب أن نموت ليحيا هو وشعبه، هو الخائن.
ما حاجتي إلى وطن لا أستطيع العيش فيه، ولا أجد فيه مستقبلاً لي ولأولادي ؟
نظرت إلى ابي صالح، فرأيت الدموع قد بللت منديله، وهو يمسح به وجهه المُتعب، محاولاً أن يخفي عنّا دمعة أبٍ على أبنائه الذين لم يبق لهم خيار، سوى السفر، ويتركون في قلبه جوى يحرق كل لحظات العمر.
إنها حكاية أبي صالح وكل أب وابن في لبنان.
إنها حكاية حزن لا ينتهي، وقلوب مكسورة يحرقها شوقٌ جمٌّ لفلذات أكباد، لم يجدوا أمامهم من سبيل سوى الرحيل، والعيش في غربة عن الأهل والذات والوطن.
إنها مأساة شعب، ضاع على دروب ضليلة في معراج الألم.