بالمورال… قلعة الذكريات “المحصنة” إلا من الموت
ظلت ملاذ الملكة الراحلة إليزابيث الثانية في الأفراح والأتراح ولم يزرها إلا القريبون من العائلة الملكية
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
أعلن قصر باكينغهام وفاة الملكة إليزابيث الثانية عن 96 سنة بعد رحلة طويلة تربعت فيها على عرش بريطانيا لـ70 عاماً.
وكانت العائلة الملكية في بريطانيا قد هرعت، صباح اليوم الخميس الثامن من سبتمبر (أيلول)، لتكون بجوار الملكة بعدما أبدى الأطباء قلقهم بشأن صحتها وأوصوا بأن “تبقى تحت المراقبة الطبية”، وفق ما أعلن قصر باكينغهام.
وأضاف القصر في بيان “بعد تقييم جديد هذا الصباح عبر أطباء الملكة عن قلقهم إزاء صحة جلالتها، وأوصوا بأن تبقى تحت المراقبة الطبية”، مشيراً إلى أن “الملكة مرتاحة في بالمورال”.
وذكرت قناة “آي تي في” أن أبناء الملكة الأربعة، بمن فيهم الأميرة آن والابن الأصغر الأمير إدوارد، موجودون حالياً في بالمورال مع والدتهم.
وفي آخر ظهور علني للملكة للمصادقة رسمياً على تعيين ليز تراس في منصب رئيسة الوزراء، يوم السادس من سبتمبر الحالي، لتصبح رئيس الحكومة الـ15 خلال 70 عاماً من تولي الملكة العرش، ظهرت الملكة واقفة على قدميها والتقطت لها الصور وهي تبتسم أثناء حفل التنصيب.
وبسبب مشكلاتها الصحية كانت الملكة قررت البقاء في بالمورال بدلاً من العودة إلى لندن، حيث ينظم عادة حفل التسلم والتسليم بين رئيسي الوزراء السابق والحالي. وأتى البيان بعد إلغاء الملكة البالغة 96 سنة اجتماعاً افتراضياً لمجلس مستشاريها الخاص ووزراء بارزين اتباعاً لنصيحة الأطباء لها بالراحة، ويؤكد هذا الإلغاء الذي جاء في اللحظة الأخيرة بما لا يدع مجالاً للشك هشاشة صحة الملكة، وهناك قلق من صعوبات تكتنف قدرتها على الحركة والتنقل.
وصل الأمير تشارلز وزوجته كاميلا دوقة كورنوال والأمير وليامز دوق كامبريدج إلى بالمورال، كما اتجه دوق يورك وإيرل وكونتيسة ويسكس إلى القلعة التي تبعد 40 ميلاً إلى الغرب من مدينة أبردين. وثمة قلق واضح على صحة الملكة التي تقضي عطلتها الصيفية في مقرها بأسكتلندا منذ يوليو (تموز) أكثر من أي وقت مضى.
قلعة بالمورال
هي منزل العطلة الصيفية الخاص بالملكة إليزابيث في أسكتلندا وأكثر ملاجئ العائلة الملكية سرية، وقد احتضنت عدداً من الملوك منذ اشترته الملكة فيكتوريا قبل 165 عاماً، وتتكون من منزل كبير يقع في أبردينشاير بالقرب من قرية كارثي (6.2 ميل غرب بالاتر، و6.8 ميل شرق بريمر).
عاش في بالمورال أحد أعضاء العائلة المالكة البريطانية منذ عام 1852، عندما تم شراء المكان بشكل خاص للملكة فيكتوريا من قبل الأمير ألبرت، لذا فهي ملك خاص للعائلة المالكة وليست للتاج. وكان المهندس المعماري الخاص بها ويليام سميث من أبردين، وتم تعديل تصاميم القلعة من قبل الأمير ألبرت.
القلعة مثال للهندسة المعمارية الأسكتلندية البارونية، وتم تصنيفها في تاريخ أسكتلندا ضمن مباني الفئة (أ)، وتم الانتهاء من القلعة الجديدة عام 1856، وهدمت القلعة القديمة بعد ذلك بوقت قصير. وأجريت بعض التوسعات في بالمورال من قبل أعضاء العائلة المالكة، وتغطي الآن مساحة ما يقرب من 50 ألف فدان (20 ألف هكتار). وتعتبر عزبة تضم الغابات والأراضي الزراعية، وكذلك قطيعاً من الغزلان وماشية المرتفعات والمهور.
زارت الملكة فيكتوريا والأمير ألبرت الأول أسكتلندا في 1842 بعد خمس سنوات من جلوسهما على العرش وبعد عامين من زواجهما، وخلال هذه الزيارة الأولى بقيا في قلعة تايموث في بيرثشاير. وعادا عام 1844 إلى قلعة بلير حتى عام 1847 عندما استأجرا بحيرة لاجان، وخلال الزيارة الأخيرة واجها طقساً غزير الأمطار جعل السيد جيمس كلارك طبيب الملكة يوصي بأن تبقى داخل ديسايد نظراً إلى مناخها الصحي.
توفي السير روبرت غوردون في عام 1847 وعاد عقد الإيجار الخاص ببالمورال إلى اللورد أبردين. وفي فبراير 1848 أجرى الأمير ألبرت ترتيباته للحصول على الجزء المتبقي من فترة إيجار بالمورال. وانتقل مع أثاثه وموظفيه من دون أن ينظر أولاً إلى حق الملكية.
وصل الزوجان الملكيان لدى زيارتهما الأولى في الثامن من سبتمبر 1848. ووجدت فيكتوريا المنزل “صغيراً ولكنه جميل”، وسجلت في مذكراتها أن “كل ما في المكان يجعلها تشعر بتنفس الحرية والسلام، وتنسى العالم والاضطرابات الحزينة”.
إليزابيت في بالمورال
يعرف بالمورال بأنه المكان الذي يمكن للملكة الاسترخاء فيه مع عائلتها وركوب خيولها وتمشية الكلاب والاستمتاع بحفلات الشواء الكبيرة، لكن قلعة بالمورال ليست المكان الوحيد الذي تحب الملكة قضاء الوقت فيه، إذ تمتلك أيضاً منزلاً أكثر تواضعاً مكوناً من سبع غرف نوم تمكث فيه خلال فترة وجودها في ملكيتها الأسكتلندية يدعى نزل Craigowan الذي يحمل كثيراً من الذكريات الخاصة، وتمكث الملكة هناك في مخبئها السري عندما تكون القلعة مفتوحة للسياح، ويقع النزل على حافة الغابة وهو ملاذ معزول وهادئ.
وكانت الملكة إليزابيث توجهت إلى قلعة بالمورال لتقضي فترة حزن وحداد على زوجها الأمير فيليب. وقالت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية حينها إنه ربما تكون بالمورال والأرض المحيطة بها هي المكان الذي كانت فيه الملكة إليزابيث وزوجها الراحل في أسعد حالاتهما.
وأضافت “بعيداً في هذه الزاوية المنعزلة محاطين بالريف البري الذي أحبه كلاهما كان هذا هو المكان الذي يمكنهما فيه الهروب من قسوة الحياة الرسمية في لندن وفي قلعة وندسور، وقضاء وقت عزيز مع العائلة”.
وكانت الملكة إليزابيث ذهبت للإقامة في بالمورال عند وفاة الأميرة ديانا أميرة ويلز عام 1997 أيضاً. وفي فيلم “الملكة” (The Queen) 2006 تم عرض مناقشة درامية خاصة لها مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، كما استند فيلم “السيدة براون” 1997 إلى الأحداث في بالمورال، ومع ذلك تم استخدام مواقع بديلة مثل قلعة Blairquhan في فيلم “الملكة”، وقلعة Duns في “السيدة براون”.
في حديثه على القناة الخامسة عبر وثائقي “أسرار القصور الملكية” أوضح مراسل ملكي سابق أن الزوجين أمضيا وقتهما هناك كـ”زوجين عاديين”، وقال “لا أظن أن الملكة كانت تقوم بالطهي أو شيء من هذا القبيل، لكنها والدوق كانا قادرين على الوجود هناك كزوجين عاديين من دون ألقاب. وأعتقد أن الملكة ترى العظمة في هذه المنازل الرائعة”.
جدير بالذكر أن هذا العام يصادف أول عطلة صيفية للملكة في بالمورال منذ وفاة الأمير فيليب في أبريل (نيسان) الماضي. وقد تحدثت الأميرة يوجيني حفيدة الملكة سابقاً عن حب جدتها لملكيتها في أسكتلندا، وبعد وفاة الأمير فيليب كشفت عن عدد من الصور العائلية التي تعكس الأوقات السعيدة التي قضاها هو والملكة في بالمورال. وأظهرت إحدى الصور التي التقطتها دوقة كامبريدج الملكة وزوجها في منزلهما الأسكتلندي محاطين بأحفادهما.
بالمورال هو منزل عائلي نادر الاستخدام في شؤون الدولة، لكن هناك بعض الاستثناءات، إذ يحصل رؤساء الوزراء البريطانيون عادة على دعوة سنوية. وبحسب مذكراتهم، فإن معظمهم ليسوا متأكدين مما إذا كانوا مدعوون للقيام بزيارة اجتماعية أو أخرى رسمية، ويقال إن رئيس الوزراء السابق جون ميجور ساعد في القيام بالغسيل بعد حفلة الشواء العائلي. وكثيراً ما تهتم وسائل الإعلام البريطانية بالحديث عن الدعوات إلى قلعة بالمورال، إذ زارتها الليدي ديانا سبنسر وسارة فيرجسون وكاميلا باركر بولز قبل أن تصبح كل واحدة منهن عروساً ملكية.
وعندما كانت كيت ميدلتون تقود إلى هايلاند وهو مكان القلعة، كان هذا مؤشراً واضحاً بحسب الإعلام البريطاني على أنها كانت والأمير ويليام في علاقة جدية. وتمت دعوة رؤساء الوزراء والحكام العامين لبلدان الكومنولث مع أسرهم. ولم يزرها سوى رئيس أميركي واحد هو ديفيد إيزنهاور خلال ولايته، وقيل إن صداقة الملكة بالرئيس إيزنهاور كانت قوية لدرجة استضافتها له في قلعتها الخاصة.