هل يوفر لبنان بيئة خصبة لـ”داعش”؟

الظروف المعيشية وعودة المسلحين من سوريا يلعبان دوراً كبيراً في ظهور التنظيم

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

سوسن مهنا صحافية http://@SawsanaMehanna

تتشابك الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية في لبنان، وتتعقد خلال ربع الساعة الأخير الذي يسبق موعد الانتخابات الرئاسية.

من هذا الباب بدأ لبنان يشهد تفلتاً أمنياً مصحوباً بتوترات في أماكن عدة ولأسباب مختلفة، قد تكون هذه الأزمات مفتعلة لمحاولة إيصال البلد إلى الانهيار الشامل، وقد تكون صحيحة مرتبطة بتفلت أمني بدأ ينتشر في مختلف المناطق من الشمال إلى الجنوب مروراً بالبقاع.

وفي هذا الإطار أعلن الجيش اللبناني سلسلة عمليات أمنية أسفرت عن توقيف مرتبطين بخلايا وتنظيمات إرهابية وإحالتهم إلى القضاء المختص.

“داعش” بقاعاً وجنوباً

ونقلت صحف لبنانية عن مصادر أمنية وقضائية السبت، الـ 10 من سبتمبر (أيلول) الحالي، أنه تم توقيف خلية تابعة لتنظيم “داعش” في منطقة البقاع تدار من أميركا اللاتينية، إذ تم توقيف ثمانية أشخاص في حصيلة لسلسلة من العمليات الأمنية في بلدة القرعون في البقاع الغربي شرق العاصمة بيروت.

وأفادت المعلومات أن “الخلية تضم ثلاثة موقوفين رئيسين خططوا لاستهداف مراكز للجيش اللبناني وأهداف أخرى، فيما توزع خمسة آخرون على المجموعة كأفراد تم تجنيدهم للاستفادة منهم وقد شكلوا حضوراً ثانوياً، وتضم الخلية في معظمها لبنانيين ويقودها أحد المغتربين في إحدى دول أميركا الجنوبية، وقد جرى إحباط ما كانت تنوي التحضير له في مهده قبل الوصول إلى مراحله التنفيذية”.

وبحسب المصادر “ضبطت بحوزتهم أسلحة وذخائر حربية، وتبين ارتباط أفرادها بأحد التنظيمات الإرهابية، وتنفيذهم تدريبات عسكرية في جرود المنطقة وتخطيطهم لضرب مراكز عسكرية وتبادلهم صوراً جوية لتلك المراكز، ويديرهم أحد الأشخاص من خارج الأراضي اللبنانية”.

ويدين معظم الموقوفين بالولاء لتنظيم “داعش”، يقودهم المدعو “ن ف ح” المقيم في إحدى الدول اللاتينية.

وبادر المشغّل “ن ف ح” في مستهل التخطيط لتأليف خلية بالتواصل مع صديقه “ع م ح” وهو لبناني من بلدة القرعون ومن مواليد عام 1992 عبر تطبيق “تيليغرام”، والأخير معروف بولائه لتنظيم “داعش، وطلب منه العمل على إنشاء خلية لتنفيذ عمليات تستهدف مراكز للجيش اللبناني وانتقاء أهداف تعود لطوائف أخرى، ووعده بأنه في صدد جمع المال للخلية لتمويل العمليات، وتبين بعد معاينة محتوى هاتف الموقوف “ع م ح” بأنه تلقى فيديوهات من مشغله حول كيفية صناعة العبوات الناسفة.

 

وكانت المديرية العامة لأمن الدولة أعلنت توقيف عناصر خلية تنتمي إلى تنظيم “داعش” في جنوب لبنان في 29 أغسطس الماضي.

وقالت المديرية العامة في النبطية جنوب لبنان عبر بيان إنها “أوقفت خلية تنتمي إلى تنظيم داعش سبق لها أن قاتلت في سوريا وانتقلت إلى لبنان بطريقة غير شرعية”. وأضافت أن “أفراد الخلية كانوا يقيمون أثناء توقيفهم في إحدى القرى الحدودية جنوب البلاد، وأن الخلية سبق وأن أدارت شبكة لترويج العملة الأجنبية المزيفة والمخدرات بهدف تمويل عملها ومهماتها”.

معضلة عودة الإرهابيين

صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية نشرت بتاريخ الـ 30 من أغسطس، تقريراً بعنوان “ذهول لبنان من عودة المتشددين من سوريا”، وفيه تحدثت عن أعداد المسلحين اللبنانيين الذين انضموا إلى التنظيمات المتطرفة والإرهابية والذين بدأوا بالعودة من سوريا.

وسلطت الصحيفة الضوء على التداعيات الأمنية والاجتماعية على لبنان مع عودة مئات اللبنانيين من عناصر التنظيمات الإرهابية، وقالت إن “نحو 2000 لبناني التحقوا بصفوف المتشددين، وعودتهم لبلدهم تشكل مصدر صداع للسلطات وتعمق الاضطرابات التي تعيشها البلاد، إذ انضم نحو 1000 لبناني… إلى صفوف التنظيمات المتطرفة”. وأضافت “لوفيغارو” أنه “في حال عدم وجود إطار قانوني لعودتهم فيمكن أن يقضوا فترات طويلة في السجن من دون محاكمة، مما يعرضهم لخطر تشجيعهم على العودة في بعض الأحيان لنشاطهم الذي يمثل خطراً محدقاً بأمن البلاد واقتصادها المتردي”.

و ضمّ التقرير اعترافات لأحد عناصر “جبهة النصرة” وهو شاب في الـ 30 من العمر قال إنه مكث ثلاث سنوات في سوريا قبل أن يغادر إلى تركيا، حيث كان يأمل هو وزوجته التي التقى بها في سوريا العبور إلى أوروبا لكن من دون جدوى، قبل أن يجد نفسه وزوجته مجبرين على العودة للبنان.

الشاب الذي يدعى أحمد، بحسب الصحيفة الفرنسية، عاد لتوه إلى لبنان بعد ثماني سنوات من المحن بين سوريا وتركيا، وبالاتفاق مع السلطات العسكرية التي أبلغها بعودته لمسقط رأسه طرابلس شمال لبنان، ومن المنتظر أن يمثل أمام المحكمة خلال الأيام المقبلة.

وصرح الشاب بأنه تطوع “للدفاع عن المسلمين” الذين يعتقد أنهم في خطر، وقال “هذا ما كنا نقوله في المسجد”، موضحاً أنه وبعد الفشل في الوصول إلى أوروبا فضل المخاطرة بالعودة للبنان، مشيراً إلى أن أحد المهربين ساعدهم في عبور الحدود السورية – اللبنانية شديدة الاختراق مقابل 3 آلاف دولار.

وتشير مصادر قضائية وحقوقية إلى أن عدداً من العائدين لبيروت ومختلف مدن لبنان يواجهون حكماً بخمس سنوات سجناً أو بالسجن المؤبد أو حتى الإعدام.

وبعد سنوات من المشاركة في الحرب في سوريا يجد معظم عناصر “جبهة النصرة” أنفسهم مجبرين على العودة للبنان، ويساعدهم بعض المهربين في عبور الحدود ما بين سوريا ولبنان.

وقالت “لوفيغارو” إن نحو 300 مقاتل سابق يريدون العودة، بحسب تقديرات السلطات اللبنانية، وإن ما بين 800 و1000 عنصر انضموا إلى التنظيمات المتشددة في سوريا.

أما الآخرون فإما أن يكونوا قد لقوا حتفهم خلال الحرب أو أنهم لا يزالون يقاتلون إلى جانب 60 إلى 70 لبنانياً من النساء والأطفال، ممَن لا يزالون محتجزين في مخيمي الهول والروج شمال شرقي سوريا.

وبحسب الصحيفة كذلك فإن السلطات اللبنانية لا تزال مترددة إلى حد كبير في إعادة المتشددين المعتقلين وعائلاتهم لأوطانهم، وذلك في وقت تم توقيع اتفاق رسمي لـ 14 منهم فقط يسمح لهم بالعودة ومن بينهم امرأة وخمسة أطفال، وفقاً لـ “المركز الدولي لدراسة التطرف”. وتتجاهل السلطات مطالب البقية بسبب مخاوف من انعكاسات تلك العودة الجماعية على الأوضاع الأمنية والاجتماعية للبلاد.

10 آلاف “داعشي”

وفي التاسع من أغسطس الماضي وخلال جلسة لمجلس الأمن عُقدت تحت عنوان “الأخطار التي تهدد السلام والأمن الدوليين جراء الأعمال الإرهابية”، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف إن “داعش مستمر في تهديد الأمن والسلام الدوليين على رغم هزيمته الإقليمية والخسائر التي تعرضت لها قياداته”.

وقدّر فورونكوف أعداد عناصر تنظيم “داعش” المنتشرين بالمنطقة الصحراوية على الحدود العراقية – السورية بنحو 10 آلاف مسلح، محذراً من خطر التنظيم والجماعات المرتبطة به على المجتمعات المتأثرة بالنزاع، ومشيراً إلى أن الحدود بين العراق وسوريا لا تزال معرضة لخطر كبير على صعيد انتشار عناصر التنظيم وعملياته العسكرية. وأضاف أن التنظيم يستغل القيود المتعلقة بجائحة كورونا للعمل على استخدام المساحات الرقمية بغرض “تكثيف الجهود وتجنيد المتعاطفين وجذب الموارد”، إضافة إلى “استخدام الأنظمة الجوية من دون طيار ومن ضمنها مناطق في شمال العراق”، موضحاً أنه تمكن من ذلك عبر اللجوء إلى “هيكل داخلي لا مركزي”.

ووفقاً لتقديرات فورونكوف فإن قيادة “داعش” تدير أصولاً “تتراوح قيمتها بين 25 و50 مليون دولار”، موضحاً أن المبلغ “أقل بكثير من التقديرات التي كانت موضوعة قبل ثلاث سنوات فقط”.

ولفت إلى أن التنظيم يواصل خسائره الكبيرة على مستوى القيادات ومنها زعيمه في فبراير (شباط) الماضي.

لا داعي “للقلق”

في السياق، قال الكاتب الصحافي جوني منير في حديث لـ “اندبندنت عربية”، إنه “بالنسبة إلى التسلل الإرهابي للبنان يوجد تسرب على مستوى الأفراد وليس ضمن إطار مشروع، كما كان الحال خلال الأعوام 2014 و2015 و2016”.

وأضاف أن “هذا التسرب ناتج من مسائل عدة، إذ تذهب هذه العناصر لتحارب ومن ثم تعود لتشكل خلايا، فالوضع المعيشي السيئ والاحتقان السياسي، وكل هذه العوامل تشكل بيئة حاضنة مشجعة لوجود مثل هذه الخلايا الإرهابية، لكن ليس هناك من خلايا على مستوى قرار لقلب الأوضاع في لبنان”.

وأوضح، “صحيح أنه تجري اعتقالات لبعض المجموعات والخلايا لكن على المستوى الأمني في لبنان لا يوجد قلق، لأنه حتى الآن لا يوجد مشروع لهذه المجموعات، كما وتقوم السلطات الأمنية اللبنانية بخطوات استباقية من أجل ضبط وملاحقة الخلايا النائمة، وما يُعرف بالذئاب المنفردة أو أي تحرك إرهابي، على الصعيد اللبناني والسوري والفلسطيني وفي جميع المناطق اللبنانية، بمراقبة وسيطرة شديدين”.

ومع هذا لا يستبعد منير أن يتسرب أحد العناصر ويقوم بعمل إرهابي “وهذا محتمل”، “لكن تبقى الأمور ضمن السيطرة طالما لا تزال هذه العناصر تعمل من دون مشروع جامع كمشروعها خلال سنوات 2015 و2016 كما حصل في بلدة عرسال البقاعية وتمدد إلى طرابلس وعكار وهذا عامل مطمئن، لكن يبقى الخوف طالما لا تزال بعض البيئات اللبنانية تمثل بيئة حاضنة بسبب الظروف المعيشية والاقتصادية، وطالما بقيت الحدود تسمح بتسرب مثل هذه العناصر ما بين لبنان وسوريا والعراق، حيث تنشط هذه المجموعات بشدة”.

يُذكَر أن مرجعاً أمنياً لبنانياً شدد على أن الوضع الأمني ممسوك بالكامل، وقرار الجيش والأجهزة الأمنية أنه لا تهاون أبداً مع الإرهابيين، مؤكداً في الوقت نفسه على “التنبه واليقظة الدائمة من غدر الإرهابيين”.

وأشار المصدر ذاته إلى أن القوى الأمنية والعسكرية تقوم بواجباتها في السهر على الأمن ومكافحة الإرهابيين، وتبذل أقصى طاقاتها لردع أية محاولة للمس بأمن اللبنانيين والاستقرار العام، لافتاً إلى أن ثمة توقيفات بشكل شبه يومية لعناصر إرهابية، مما يؤكد أن عيون الجيش والأجهزة ساهرة، بحسب تعبير المرجع.

وفي تقرير لـ “وكالة الصحافة الفرنسية” خلال فبراير الماضي، عرض لأزمة في مدينة طرابلس بعد اختفاء شبان من المدينة التي تفتقر إلى فرص عمل وخدمات أساس، فيما يشهد لبنان منذ عامين أزمة اقتصادية غير مسبوقة صنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، بحسب الوكالة.

ونقلت الوكالة عن مصدر أمني قوله إن عدد الذين التحقوا بتنظيم “داعش” الإرهابي 48 شاباً حتى الآن، موضحاً أن أحد أبناء المدينة المرتبطين بالتنظيم والمقيم خارج لبنان يقف خلف تجنيد القسم الأكبر منهم.

وأضاف، “قدمت عائلات الفارين بلاغات عن أبنائها بعد تلقيهم اتصالات منهم من العراق”، باستثناء خمس عائلات لم تعرف شيئاً بعد عن أبنائها.

ورجح المصدر أن تكون “الأسباب المادية” هي الأساس خلف التحاقهم بالتنظيم الذي “وعدهم بدفع رواتب تصل قيمتها إلى 5 آلاف دولار شهرياً”.

زر الذهاب إلى الأعلى