عمارة العمارة من بترا إلى عمّون
بقلم: بشار جرار

النشرة الدولية –

الدستور الأردنية –

في عالم التغطيات الصحافية ثمة مفهوم يحذر من «الإعياء» الإعلامي. العلامات المبكرة والمزمنة لهذه الظاهرة تبدأ بتكرار شبه آلي لوصفة التغطيات التقليدية. للتغلب على هذه الآفة ظهرت آلية الاجتماع التحريري بحيث لا مكان فيه لا لمن يقولون آمين دائما، ولا لمن لا يعجبهم العجب، دائمي الشكوى والاقتراحات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

للأسف التكرار بلغ حد الاجترار. اجترار تساوت فيه حتى التعليقات المرافقة للتغطيات الناجحة وغير الموفقة والفاشلة تماما. مقولات استعجالية وأحكام استباقية فيها كثير من التعميم والتعالي وأحيانا التعامي عن حقائق نعلمها جميعا فيما يخص الكوارث عموما والبشرية منها، على وجه التحديد.

الحمد لله، ومن رحمة الله بنا، تتسامى المؤسستان القضائية، والعسكرية (بكل أقانيمها)، تتساميا على ضوضاء الحدث وترتفع عن جروحه وجراحاته، فتنصب الجهود وتفلح ولا تتشتت وتتبدد..

المهمة واضحة: إنقاذ أكبر عدد ممكن من ضحايا العمارة المنهارة وفي أسرع وقت والأهم في أكثر الطرق أمانا على صحة المصابين واحتراما لمن قضى منهم نحبه، شهيدا. نعم شهيد ما قد يكون ناتجا عن إهمال أو تقصير أو جشع. ليس لأحد منا الحق حتى بالتكهن، فتلك مسألة يقررها الأمن ومن ثم القضاء..

في العمليات الجراحية أو الطوارئ، من غير المقبول السماح حتى لأقرب الناس بالدخول إلى الميدان. فلكل غرفة عمليات وإنقاذ، حرماتها وقوانينها وتقاليدها العاملة وفقا لحسابات دقيقة من العلم والحرفة والخبرة، على ضمان النتائج الفضلى. وكثيرا ما يكون الحال هو: ما كان بالإمكان أفضل مما كان. وتلك أيضا مسألة لا يجوز إصدار الأحكام فيها اعتباطيا. فلكل حالة ظروفها، وأقدر الناس على التعامل معها هم الخبراء على الأرض لا أحد سواهم بمن فيهم رؤساؤهم.

استوحيت هذه الفكرة الأخيرة تحديدا من عسكري متقاعد لم أتشرف بمعرفته شخصيا، لكني أعتز بالتواصل معه كصديق عبر منصة فيسبوك. هذه ميزة الأردنيين تتلاشى بينهم المسافات كلما عاش الوطن فرحا أو حزنا. الحالة الوجدانية للأردنيين – في الوطن والمهجر – تؤكد مدى المحبة والخير فيما بينهم. لدرجة أن يؤدي اختلاف الرؤى أحيانا إلى خلاف يبقى دائما بعون الله من النوع الذي لا يفسد للود قضية.

لكن قضيتنا في كارثة انهيار العمارة فرصة جديدة للنظر والتدبّر في العلاقة ما بين إعادة الهيكلة وإعادة البناء أو الإعمار. كثير من المؤسسات والمهن تعرضت أساساتها للضعضعة باسم الخصخصة وكم كانت مجالس الإدارة وشعارات إعادة الهيكلة معول هدم لا مدماك بناء. أقولها بحرقة وقد عرفت شخصيا بعض تلك الحالات التي لا أسمح لنفسي في هذا المقام الخوض فيها..

أن المباني لا تسقط بالتهالك الزمني ولا بالتوسيعات ولا بالتشطيبات، إنما تسقط بالمس بالأساسات. من جماليات البناء على وقع «حسب الميسور» في مملكتنا الحبيبة، تلك الظاهرة التي ربينا عليها نحن – المعمّرين نسبيا. ما زلت أذكر طقوس «رمي الأساسات» و»تعشيقها بالماء» بعد حسن اختيار «الطوبرجي» الذي يخاف الله والذي لا يقل أهمية عن مهندس الكميات الذي ي «دوزن» الحديد والاسمنت والرمل بميزان من ذهب..

من غير المقبول لأحفاد البترا وعمّون -مدينة الحب الأخوي فيلاديلفيا- أن يكون بينها من تسبب بانهيار عمارة أراد صاحبها في غفلة عن الرقابة الصارمة أو تلاعب عليها، العبث بأساساتها وجدرانها ل»بناء» استوديوهات تجارية على المثال الأمريكي. ليته استلهم «الكود» الأمريكي فيما يخص المباني ليعلم أنك هنا في واشنطن لا تمون لو كنت صاحب أكبر مجمع سكني أو عضوا كبيرا في الكونغرس أو جنرالا بأربع نجوم على العبث حتى في زينة عيد الاستقلال أو عيد الميلاد أو طول «نجيل» حديقة بيتك الأمامية.

اللهم إعادة هيكلة شاملة.. تستنير بهدى وهدي مؤسستنا العسكرية..

زر الذهاب إلى الأعلى