رغم كل الضجيج… ظروف عودة اللاجئين الآمنة إلى سوريا لم تتوفر بعد

مناكفات لبنانية وتبادل اتهامات بين ميقاتي ووزراء في حكومته على خلفية هذا الملف

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية – سوسن مهنا –

لن يكون فصل الشتاء المقبل سهلاً على النازح واللاجئ السوري إذ تحدثت سلسلة تقارير أممية عن تقليص المساعدات والتبرعات بسبب عوامل عدة أهمها الحرب الروسية ضد أوكرانيا ومفاعيلها التي تشكل ضغطاً هائلاً على الدول المانحة إضافة إلى الأزمات الاقتصادية التي تجول العالم، وهذا ما دفع بالدول التي تستقبل الجزء الأكبر من اللاجئين لا سيما تركيا والأردن ولبنان إلى تحريك هذا الملف لإيجاد الحلول الممكنة قبل موجات البرد القارص وربما هذا ما دفع بعض الدول إلى إعادة التواصل إلى حد ما مع النظام السوري بغية إعادة جزء من اللاجئين، وهذا من شأنه تحويل هذا الملف من ملف إنساني بالدرجة الأولى إلى ملف أمني وسياسي يخضع للمزايدات والابتزاز، وهذا تماماً ما يحصل عند الدولة اللبنانية إذ يحاول بعض المسؤولين رمي الفشل والانهيار الاقتصادي على أكتاف اللاجئ السوري.

ملف النازحين “خاضع للمصالح الشخصية”

لا شك أن ملف النازحين السوريين في لبنان يثير انقسامات خصوصاً بعد تنقله بين أيدي أكثر من مسؤول لبناني، وصلت إلى حد اتهام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بأنه يعمل بـ”أجندته الخاصة ووفقاً لمصالحه”. جاء هذا الاتهام على لسان وزير المهجرين عصام شرف الدين الذي زار دمشق في أغسطس (آب) الماضي على رأس وفد من الحزب الديمقراطي اللبناني (يرأسه النائب السابق طلال أرسلان). وأعلن شرف الدين بعد الزيارة أن “الدولة السورية أبدت استعداداً لاستقبال جميع الراغبين بالعودة مع التعهد بتوفير جميع متطلباتهم من مساعدات وخدمات وإقامة وطبابة وتعليم وغيرها” كما أن “مرحلة التعافي التي بدأت تشهدها سوريا أسهمت في تخفيض عدد مراكز الإقامة المؤقتة من 532 إلى 58 مركزاً موزعة في جميع المناطق السورية ما يساعد على توفير عودة آمنة للنازحين السوريين”. كذلك كان شرف الدين قد كشف في وقت سابق عن تقديم خطة تقوم على إعادة 15 ألف لاجئ سوري شهرياً من لبنان، موضحاً أن وزارة المهجرين اللبنانية طلبت من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بوقف المساعدات عن كل دفعة حين يحين دورها، مؤكداً أن دفع المساعدات للاجئين السوريين يُعتبر حافزاً لبقائهم في لبنان. لكن ميقاتي وبعد زيارة شرف الدين إلى سوريا أحال ملف اللاجئين إلى وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار الذي أكد في حينه أن “الدولة اللبنانية ملتزمة مبدأ عدم الإعادة القسرية ولكن في الوقت نفسه فإن الوضع في البلد لا يحتمل لأن لبنان لا يتلقى مساعدات كافية وما يأتي منها أقل مما تم الاتفاق عليه”، مذكراً بأن “35 في المئة من سكان لبنان هم من اللاجئين السوريين والفلسطينيين وأن 82 في المئة من اللبنانيين يعانون من فقر متعدد الأبعاد”.

وهذا ما دفع شرف الدين إلى اتهام ميقاتي بتغيير رأيه حول خطة إعادة اللاجئين “180 درجة” وقال إن “ذلك يأتي من أجل إرضاء ميقاتي للمجتمع الدولي ولحماية مصالحه وشركاته في الغرب”. وبحسب مصادر ميقاتي فإن اتهامات شرف الدين غير دقيقة وإحالة ملف اللاجئين إلى وزارة الشؤون الاجتماعية تمت باعتبارها جهة الاختصاص قانوناً. وقال مستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال، “إن زيارة شرف الدين (إلى دمشق) جاءت بمسعى فردي وعلى رأس وفد حزبي لا يمثل الدولة اللبنانية واللجنة الوزارية المعنية التزمت تحفظات المنظمات الدولية والهيئات الأممية على ملف العودة”، معتبراً أن اتهامات شرف الدين تعد “تسييساً” لملف عودة اللاجئين ووضعه في إطار “فتح النار” على ميقاتي على خلفية إقصاء الوزير من التشكيلة الوزارية الجديدة المقترحة.

وما لبث أن حول ميقاتي الملف إلى يد المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم وكلفه متابعة موضوع إعادة اللاجئين السوريين. وجاء قرار ميقاتي خلال توجيهه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حذر فيها من خروج الوضع في لبنان عن السيطرة بسبب اللاجئين السوريين. وذكر في رسالته أن “لبنان بلد صغير وعدد سكانه أربعة ملايين نسمة يستضيف أعلى نسبة من اللاجئين في العالم بالنسبة إلى عدد السكان”.

المساعدات الدولية “لا تكفي”

ليست تلك المرة الأولى التي تشكو فيها الحكومة اللبنانية من ضعف المساعدات المالية التي تقدمها الأمم المتحدة مقارنة بكلفة الاحتياجات، فمثلاً في عام 2021 تلقى لبنان مساعدات بقيمة 1.69 مليار دولار من أصل ملياري دولار، وفق بيانات رسمية. وكان ميقاتي حذر في يونيو (حزيران) الماضي من أن لبنان سيعمل على إخراج اللاجئين السوريين بالطرق “القانونية اللبنانية” في حال عدم تعاون المجتمع الدولي لإعادتهم إلى بلدهم وردت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي في بيان، ذكرت فيه بالتزام الحكومة اللبنانية بمبدأ عدم الإعادة القسرية بموجب القانون الدولي، وبمبدأ ضمان العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين واللاجئات. وكان شرف الدين قد أعلن عن خطة لإعادة اللاجئين “تنص على إعادة حوالى 15 ألف نازح شهرياً بالتفاهم والتوافق مع الجهات السورية ويتم اختيار هؤلاء وفقاً لخريطة المناطق الآمنة التي نبلغ بها شهرياً من دمشق”. ووفق تلك الخريطة يتم اختيار اللاجئين لإعادتهم إلى قراهم أو مدنهم، حيث يجري تبليغهم أولاً ثم إعطاؤهم مهلة زمنية، وبعد ذلك يتم نقلهم إلى الحدود مع سوريا ليبدأ بعدها دور السلطات السورية. لكن في 3 أغسطس الماضي قال وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني هكتور حجار إن “الدولة ملتزمة بمبدأ عدم الإعادة القسرية اللاجئين، لكن الوضع لم يعد يحتمل”، مشيراً إلى أنه “لطالما تلقت الدولة اللبنانية مساعدات أممية أقل من حاجاتها”. وبحسب التقديرات الرسمية اللبنانية يبلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان 1.5 مليون شخص، 880 ألفاً منهم مسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كما يحتضن لبنان حوالى 200 ألف لاجئ فلسطيني. وتؤكد بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين في مختلف دول العالم وصل في عام 2021 إلى نحو 6.6 مليون لاجئ منهم 5.5 مليون موزعون على الدول المجاورة لسوريا، يعيش معظمهم في المناطق الحضرية، فيما هناك لاجئ من بين كل 20 لاجئاً يعيش في مخيمات للاجئين. وبحسب المفوضية فإن “الحياة في كل الدول المجاورة تعد صراعاً يومياً لملايين اللاجئين السوريين من ذوي الموارد المالية الضئيلة أو المعدومة”. ويأتي لبنان في المرتبة الثانية من بعد تركيا باستقباله اللاجئين، إذ تستضيف تركيا العدد الأكبر منهم والبالغ نحو 3.6 مليون لاجئ ثم الأردن في المرتبة الثالثة ويستضيف نحو 660 ألف لاجئ، أما العراق فتم إحصاء أكثر من 244 ألف لاجئ سوري على أراضيه، وفي مصر هناك نحو 140 ألف لاجئ يحصلون على مساعدات أممية.

هل أصبحت سوريا “دولة آمنة”؟

في 9 يوليو (تموز) الماضي طالب الوزير شرف الدين بترحيل اللاجئين السياسيين السوريين إلى بلد ثالث. وقال “بشأن اللاجئين السياسيين طلبنا من مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة ترحيلهم إلى بلد ثالث لأن الوضع لم يعد يحتمل”، موضحاً أنه في العام الماضي “جرى تأمين 9 آلاف لاجئ سياسي من خلال انتقالهم من لبنان إلى بلد ثالث عبر الأمم المتحدة”، مشيراً إلى أن “المنظمات الدولية وعدت بتأمين عدد أكبر في السنوات المقبلة”.

وتقول بعض المصادر المتابعة لملف النازحين السوريين في لبنان، إن ظروف العودة ليست متوفرة حتى الآن، حيث لا توجد مناطق آمنة في سوريا على عكس ادعاءات دمشق وأيضاً هناك شريحة كبيرة من اللاجئين السوريين في لبنان هم سياسيون معارضون لحكومة دمشق ومطلوبون لأجهزتها الأمنية. وتذكر تلك المصادر بما حدث في يونيو الماضي عندما اعتقل النظام السوري 11 لاجئاً عائدين من لبنان على حاجز “جسر بغداد” الواقع على طريق حمص- دمشق الدولي الذي يشرف عليه فرعا المخابرات الجوية والأمن العسكري اللذان بدورهما قاما بنقلهم إلى فرع الجوية بمدينة دمشق وهؤلاء ينحدرون من بلدة واحدة في الغوطة الغربية لريف دمشق واعتُقلوا بسبب مذكرات اعتقال وملاحقة صادرة بحقهم من قبل بعض الفروع الأمنية ما يدل على أن العفو العام الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد في أبريل (نيسان) الماضي لا يطبق. بدوره أعلن القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي الخاصة إلى سوريا دان ستوينيسكو أن “ظروف العودة الآمنة والطوعية لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لم تتوافر بعد”. وقال ستوينيسكو خلال لقاء تفاعلي مع رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي خلال زيارته دمشق، إن “الاتحاد الأوروبي يدعم العمل والتقييم المستمرين لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا”، لافتاً إلى أنها تملك “تفويضاً واضحاً لحماية اللاجئين وتعزيز حلول دائمة لقضيتهم”. وتابع ستوينيسكو في تغريدة أن “عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم تكون حيثما كان ذلك ملائماً”، مشدداً على أن “لجميع السوريين الحق في العودة إلى ديارهم، لكن الظروف لم تتوفر بعد”. وأوضح ستوينيسكو أن المطلوب قبل عودة اللاجئين وكذلك النازحين داخلياً هو “تهيئة الظروف لتكون آمنة وطوعية وكريمة وفق مبادئ القانون الدولي لا سيما مبدأ عدم الإعادة القسرية”، مؤكداً أن الاتحاد الأوروبي “سيدعم عمليات العودة التي تيسرها الأمم المتحدة في الوقت المناسب”، و”فور توفر الظروف الملائمة”. كذلك طالبت منظمات حقوقية ودولية كمنظمة العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش”، الأمم المتحدة بـ”وقف البرامج التي يمكن أن تحفز العودة المبكرة وغير الآمنة للاجئين السوريين عبر الأمم المتحدة ووكالاتها”، معتبرة أن سوريا “غير آمنة للعودة”. وقالت المنظمات في رسالة وجهتها إلى الأمم المتحدة تزامناً مع زيارة غراندي إلى سوريا، إن “ظروف العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين لا تزال بعيدة المنال”. وذكرت بالتقارير الحقوقية والأممية التي تثبت تعرض اللاجئين للاعتقال والاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والاختطاف والتعذيب والعنف الجنسي والإعدام خارج نطاق القضاء، لدى عودتهم طواعية إلى بلادهم.

يقول رئيس النظام السوري في خطابه بمؤتمر عودة اللاجئين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 إن “احتضان عدد من الدول للاجئين انطلاقاً من مبادئ إنسانية أخلاقية، يقابله استغلالهم من بعض الدول عبر تحويل قضيتهم الإنسانية إلى ورقة سياسية للمساومة وبدلاً من العمل من أجل تهيئة الظروف المناسبة لعودتهم فرضوا عليهم البقاء في تلك الدول عبر الإغراء حيناً والتخويف أحياناً أخرى”.

وورد في تقرير لمركز “كارنيغي للشرق الأوسط” في مايو (أيار) الماضي، أن “سوريا لم تبلغ حالة من السلام، لقد انهار اقتصادها بسبب النزاع الدائر في البلاد وأزمة العملة في لبنان والعقوبات الدولية. ونتيجة لذلك يعيش أكثر من 80 في المئة من سكانها في الفقر، وسجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً بنسبة تفوق 247 في المئة في عام 2020، و100 في المئة في يوليو (تموز) 2021، في غضون ذلك تدعي الحكومة مؤازرة الشعب السوري من خلال دعم السلع الأساسية فيما تعمد في ذات الوقت إلى خفض المساعدات من أجل تمويل النفقات العسكرية فتشتري فعلياً الولاء عن طريق خداع شعبها”.

لا شك أن مسألة عودة اللاجئين تحول دونها صعوبات وعوائق وترتبط تلك العودة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للاجئين والظروف الداخلية لسوريا والتزامات المجتمع الدولي. كما أن غياب الإحصاءات اللازمة لاستبيان توجهات اللاجئين السوريين يجعل من الصعوبة بمكان تحديد ما إذا كان السوري اللاجئ يفضل العودة أو البقاء في دول اللجوء. في لبنان يعتبر البعض أن ما يحصل عليه اللاجئ السوري يزيد عن مداخيل عائلات لبنانية كثيرة مع ارتفاع سعر الدولار والتضخم الذي يضرب الليرة اللبنانية. من هنا قد تكون هذه المساعدات هي أحد الأسباب التي تحول دون العودة الطوعية لعدد كبير من اللاجئين في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها سوريا علماً أن عائلات عديدة تنتظر لم شملها وقد تكون فقدت كل ما كانت تملكه داخل سوريا، من جهة أخرى يتخوف كثيرون من الأوضاع الأمنية، وبحسب ما نشرته منظمة “هيومن رايتس واتش” لبعض الشهادات للذين عادوا فإن الأمر لا يبدو مشجعاً. “كريم”، شاب سوري يبلغ من العمر 26 عاماً ينحدر من منطقة “درعا” وهو أحد الذين عادوا إلى بلدهم. عمل “كريم” بالأردن قبل أن يُقرر العودة إلى سوريا بسبب ضيق المعيشة وقلة فرص العمل، وعلى الرغم من أنه حصل على تصريح أمني يؤكد أنه ليس على قائمة المطلوبين فإنه دخل دوامة معتقلات الأسد لأشهر بعد عودته. وأُلقي القبض على كريم لأنه أرسل المال من الأردن لإعالة أسرته من دون أن يعرف أن مدير مكتب الصرافة الذي استقبل المال تحول إلى عضو في “الفرقة الرابعة” التابعة لجيش النظام، ومن ثم قدم أسماء جميع الأشخاص الذين أرسلوا أموالاً إلى درعا من الأردن باعتبارهم مطلوبين، فاتهم “كريم” بإرسال المال لدعم الإرهاب، حاولت أسرة كريم الوصول إلى ابنها المختفي قسرياً وبعد مفاوضات مرهقة وتدبير 8 آلاف دولار رشوة لمسؤول سوري رفيع في مارس (آذار) الماضي، جاء الرد صاعقاً، “لقد توفي كريم أثناء احتجازه لدى فرع المخابرات العسكرية رقم 235 بدمشق، الذي يُدعى فرع فلسطين”. ونتيجة لذلك لا تبدو شروط العودة الطوعية والآمنة والكريمة إلى سوريا متوفرة حتى الآن.

زر الذهاب إلى الأعلى