قانون الجرائم الإلكترونية الجديد … ثورة في تغيير النمط السلوكي للمواطن الأردني
بقلم: الدكتورة دانييلا القرعان
النشرة الدولية –
بدايةّ، هل سأل أحدكم نفسه، ما هو وجه الشبة بين قانون السير الجديد وقانون الجرائم الالكترونية؟ وهل هي الصدفة وحدها التي جمعت بينهما ليكون تطبيقهما بذات التوقيت؟
أنا أقول، كقانونية، ربما كانت هي الصدفة لكنها صدفة جميلة ومتعمدة من قبل مشرع أردني حكيم أراد أن يتم البدء في تطبيق هاذين القانونيين في وقت واحد ليحقق بذلك قفزة هائلة في تغيير النمط السلوكي للمواطن الأردني، فالكل يلاحظ بالسنوات الأخيرة كيف طرأ تراجع على قدسية القيم المجتمعية السائدة، وكيف أن الوضع بات ينذر بحدوث تغييرات حادة في منحنى السلوك العام ما لم تتحرك الجهات المعنية وتضع حداً لهذا التدهور الإنساني.
أوجه الشبه بين القانون الأول والثاني هو السلوك، فقانون السير الجديد يهتم بالسلوك البشري الناجم عن استخدام المواطن للطريق وللسيارة، بينما قانون الجرائم الإلكترونية يهتم بالسلوك البشري الناجم عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت.
نحن هنا لسنا بوارد تحليل أحكام قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، فقد صدر القانون وانتهت إجراءاته الدستورية وهو الأن قيد التنفيذ، وتحدث من تحدث حوله بما يكفي، نحن اليوم بصدد الاكتفاء بعرض نتائج تأثير هذا القانون على المجتمع الأردني من زاوية السلوك تحديداً، فكل المؤشرات تشير أن تأثيراته ستكون إيجابية أكثر منها سلبية، ومثلما يتوقع الخبراء أن انخفاضاً ملموساً سيطرأ على نسبة حوادث المرور المرعبة في الأردن بواقع 70% عند المتفائلين من تطبيق قانون السير الجديد بفضل تأثير تغليط العقوبات على المخالفين، فكذلك أنصار تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية الذين يتوقعون أيضاً وبناء على دراسات علمية لا تكهنات مزاجية بأنه لا بد وان يثمر تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية من الحد من العشوائية والفوضى السائدة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لدى الأردنيين،
السمة الأبرز في قانون الجرائم الإلكترونية التي حظت باهتمام كبير هو أنه تشريع سن بمعزل عن قانون العقوبات الأردني، أي أنه يستمد قوته من استقلاله الفقهي والقانوني، لكن الأهم من ذلك أنه سيعمل بالتأكيد على وقف التراشق اللفظي والكلامي بين مكونات المجتمع، وسيمنع من انتشار الشائعات والأقاويل المغرضة التي تؤثر على السلم الأهلي، بالتالي نتوقع نحن كذلك أن نلمس انخفاضاً حاداً في حجم الشكاوي بين المواطنين أو السلطات ضد بعضهم وبعضها البعض، لذا، نحن مطمئنين اعتبارا من هذه الحقبة على وعي المواطن، إذ مجرد حقه بفتح حساب له على صفحات التواصل الإلكتروني لا يعطيه حق نشره أي تصريح أو وجهة نظر خاصة به ما لم يكن مسؤولاً عنها وعن أقواله أمام القانون، أي أن كل حرف يكتبه الشخص البالغ العاقل على صفحته يعادل كل حرف تنطقه شفاهه وجاهياً أو يكتبه قلمه على صفحة ورق، فالمواطن أولاً وأخيراً هو المسؤول في دولة القانون عن كل ما يصدر عنه من كلام الكتروني مثلما هو كذلك من كلام وجاهي أو خطي، فلا انتهاك أدبي لحرمة أحد أو اتهامه زوراً وبهتاناً باي جنحة ما لم يكن هناك دليل على زعمه، من هنا، نعتقد بأن أحكام هذا القانون جاءت صارمة لتكبح جماح أي متهور يفكر بأن يقوم بانتهاك حرية وسمعة شخص حقيقي أو اعتباري دون وجه حق.
باختصار، السلوك البشري المجتمعي في حالة الأردن يحتاج لتشريعات فاعلة لتعديله، وهذه التشريعات لا يمكن أن تكون ناجعة الا عبر سن قانون يستند لدستور عصري يغلظ العقوبات على المخالفين وينظم اليات حماية الجميع دون تمييز بينهم، لذا، أحسن المشرع برأينا الخاص بأن جعل العصمة القانونية في رفع الدعوى مرهونة بيد المدعي العام الذي عليه أن ينصف كل الأطراف دون أي إساءة لحرية التعبير التي سنظل نتغنى بها مقارنة مع الأخرين،
ختاماً، نحن عندما نقصد بالسلوك المجتمع فإننا طبعا نقصد ذاك السلوك الذي يقترب من السخرية والاستهزاء بالأشخاص بصفتهم الوظيفية والتي نعدها ظاهرة غير حضارية في مجتمعنا، فهذه الفوضى العارمة في نمط العلاقات بين الناس أوشكت أن تظهر مجتمعنا الأردني المثقف أمام العالم بمظهر العدواني المتهاون في حقوق مواطنيه ومسؤوليه لولا تدارك أولي الأمر للأمر باللحظة الأخيرة من الكارثة التي كنا مقبلين عليها لا سمح الله. والله الموفق