السّامر والهجيني.. قصة فلكلور أردني فن يعبّر عن خصوصية الأردن
"السلط أصالة وتراث".. مجموعة موسيقية تحاول الحفاظ على التراث اللامادي
النشرة الدولية –
ككل المجتمعات والحضارات يزخر الأردن بكثير من الفنون التي تميزه ضمن محيطه العربي والعالمي، ومن هذه الفنون فنا السامر والهجيني، اللذان يعدان فلكلورا محليا يحضر في كل المناسبات الأردنية وتتوارثه الأجيال وتسعى السلطات والفرق الموسيقية الخاصة لحمايته وتصنيفه ضمن عناصر التراث الثقافي اللامادي وضمان ديمومته.
كان الرقص ولا يزال أول الفنون التعبيرية للإنسان، التي اكتشفها في لحظات الألم القصوى أو الفرح العارم، وبالرقص تعبّر الشعوب عن هويتها وتختصر جزءا كبيرا من تاريخه، خاصة وأن الرقص لا يأتي كفعل منفصل وإنما مصاحبا للغناء الذي عادة ما يكون “شعبيا” مغرقا في المحلية التي تجعله لسانا ناطقا بحال المجموعة وثقافتها وتاريخها وحاضرها.
ومن أنواع الرقص الشهيرة، رقصات السامر والهجيني التي تمتاز بها المملكة الأردنية، والتي يؤديها الأردنيون منذ سنين طويلة.
والهجيني هو نوع من الحداء الشعبي الذي يشترك فيه الأردن مع أغلب بلاد الشام والجزيرة العربيّة وسيناء، وكانت نشأته بفعل حاجة الإنسان في الصحراء إلى الدندنة وإلقاء الشعر المغنى والتسامر خلال رحلات القوافل وحتى في الأعمال اليومية.
ويعرّف السامر الأردني بأنه رقص وغناء بدوي يُمارَس في مناطق عديدة من الأردن، ويؤدى في مناسبات مختلفة، وغالبا أثناء مراسم الزواج، إذ تُشكّل الألفاظ الشعريّة التي يتم نطقها أثناء الأداء جزءًا لا يتجزأ من التقليد. وأُدرِج هذا النوع من الغناء على قائمة اليونسكو للتراث اللامادي في الأردن عام 2018.
السّامر كان للمديح والغزل والرثاء، لكن الهجيني يُناقش جميع المواضيع، وأكثر ما يُركّز عليه هو الغزل العاطفي
“الجيش غرّب تغريبة.. على فلسطين الحبيبة”، كلماتٌ لم تأتِ جزافاً، بل كانت منذ القدم عنواناً يبدأ به أبناء الأردن أفراحهم للتأكيد على عمق العلاقة التاريخية التي تربطهم بجارتهم المحتلّة.
المفردات الارتجالية صيغت في إطار الشعر النبطي، وظلت تستخدمها القبائل المختلفة في الأردن حتى العصر الحالي، ممزوجة بأداء رقصات فلكلورية من التراث القديم يُطلق عليها السّامر والهجيني.
في محافظة البلقاء (وسط) استطاع أمين عربيات (61 عاماً) منذ عام 2012 أن يجمع 15 فرداً من أبناء منطقته تراوحت أعمارهم بين 40 و60 عاماً، لتأسيس فرقة “السلط أصالة وتراث”.
يبتغي عربيّات وزملاؤه من الفرقة إحياء موروث قديم يُحافظون من خلاله على هوية بلادهم الوطنية والتاريخية برقصات السّامر والهجيني التي ميّزت أفراح القبائل في المملكة عن غيرها منذ عقودٍ طويلة.
وقال عربيّات إنه “منذ التأسيس عام 2012 كان هدفنا الرئيسي المحافظة على هذا الموروث وتثبيت الهوية الوطنية الأردنية”.
الفرق بين السامر والهجيني فرق وزن وطريقة الأداء، فالسّامر بحر حصري على الرجال، أما الهجيني فهو للرجال والنساء معاً
وأضاف “بعد أن تم إدراج منطقة السلط على قائمة التراث العالمي، أصبح من الواجب علينا المساهمة في الترويج للمدينة بطريقتنا الخاصة، فاتجهنا إلى تطوير الأداء الفلكلوري لرقصتي السّامر والهجيني”.
وتقع مدينة السلط على بعد 30 كيلومترا من العاصمة الأردنية عمّان، وتتميز بنمط معماري خاص يعود معظمه إلى الحقبة العثمانية. وعام 2021 أدرجت على قائمة التراث العالمي تحت مسمى “مدينة التسامح والضيافة الحضرية”.
وأوضح عربيّات “عرفت مجتمعاتنا رقصات السامر والهجيني منذ قديم الزمان وسيلةً للتواصل بين أبناء العشائر الأردنية، فمضمون قصائدهما كانت طريقة للتعبير عن مشاعرهم تجاه بعضهم”.
وفي تعريفه للفرقة قال الفنان الأردني “عددنا خمسة عشر شخصاً وبدأنا كهواة قبل أن ننضوي في فرقة تحت إشراف الجمعية الأردنية للمحافظة على التراث (تأسست عام 2002)، ونسعى لمدّ جسور الثقافات، والتعريف بالتراث غير المادي”.
وتابع عربيّات “جميعنا من محافظة البلقاء، وأداؤنا متوارث ومضمون القصائد تعلمناه من الآباء والأجداد”.
الأكثر انتشارا
ابتكرت الشعوب القديمة رقصاتها الخاصة واستخدمتها للاحتفال بالمناسبات كالولادة والزواج والموت. كما كانت هناك رقصات أخرى تؤدّى لعلاج الأمراض أو لنيل الخيرات، كمحاصيل وفيرة، أو للاحتفال بالنصر في موقعة. وهذه الرقصات عادة ما تكون ذات حركات محددة ومتكررة، وتختلف باختلاف المناطق الجغرافية في البلد نفسه.
وقال شاعر الفرقة مالك الخرابشة إن “السّامر والهجيني من بحور الشعر النبطي، وهما الأكثر انتشارا بين القبائل العربية في مختلف المناسبات، وتحديداً حفلات الأفراح”.
وأضاف الخرابشة أن “الفرق بينهما فرق وزن، بالإضافة إلى طريقة الأداء، فالسّامر بحرٌ حصريٌ على الرجال، أما الهجيني فهو للرجال والنساء معاً”.
وعن طريقة أداء السّامر أوضح “يصطف الرجال بجانب بعضهم كتفا بكتف، يتوسطهم شاعر يُطلق عليه البدّاع نسبة إلى الإبداع، حيث يقوم بترديد أبيات شعرية من نظمه أو نقلاً عن أحد الشعراء، ويكون معه في العادة شخص آخر”.
وزاد الخرابشة “للسّامر ألحانٌ كثيرة، ويُصاحبه التّصفيق والتّمايل”.
وأضاف “بالمقابل، يردّ على الشّاعر ومن معه بقيّة من يصطفون إلى جانبهم، ويسمّون الرّواديد أو الردّاد بقصيدةٍ مختلفة، والعبرة من ذلك (الردّ بقصيدة مختلفة) هو أن شعر السّامر روى أحداث العرب، ويعطيهم ذلك جانباً من التفنّن في المديح”.
وذكر الشاعر أن فقرات السّامر تتضمن دور “الحاشي”، حيث يتوقف الغناء قليلاً، وهي فتاة شابة تقوم بشدّ عزم الرّجال المشاركين، بأدائها لحركات تتمثّل برَفع يدها وطرف عباءَتها، ليعود الغناء مُجدداً.
ويختتمُ السَامر فعاليّاته بـ”الدحيّة”، وهي أصوات يُطلقها المُتسامرون تشبه زئير الأسد وتدلّ في ذلكَ على خشونة الرجل العربيّ البدويّ وجسارَته، مع تصفيق قويّ وحارّ، وفق الخرابشة.
أما عن الهجيني فيقول الخرابشة “سبب تسميته أن أداءه قديما كان على ظهر الهجن (نوع من الإبل)، وظهر بطريقةٍ عفوية للتخفيف من وحشة الطريق أثناء التنقل بالبريّة وللتقليل من صوت الإبل”.
وكأصناف الشعر الأخرى، تتنوع الأغراض من السامر والهجيني وتختلف باختلاف الرسالة المراد إيصالها والمتلقي.
وأوضح الخرابشة أن “السّامر كان للمديح والغزل والرثاء، لكن الهجيني يُناقش جميع المواضيع، وأكثر ما يُركّز عليه هو الغزل العاطفي، وينتشر بين الرجال والنساء، ويُؤدّى بطريقة عادية سواء واقفاً أم جالساً وبأيّ مكان ويكون دون تصفيق”.
وتحرص الفرقة خلال حفلاتها على أداء وصلات من السّامر والهجيني، إلا أن فقراتهم لا تخلو من أداء مجموعة من الوصلات الأخرى، مُستخدمين الرّبابة والعود بطريقة تؤكد مدى التناغم بينهم واجتماعهم على هدفٍ واحد، هو إحياء تراث بلادهم بشتّى الطرق والوسائل.