العالم بين سياستي القوة الناعمة والنعامة..!!
بقلم: صالح الراشد

النشرة الدولية –

بون شاسع بين سياستي القوة الناعمة وسياسة النعامة، فكل منهما يسير في طريق مختلف رغم تقارب الأحرف المُكونة لهاتين الكلمتين، فالقوة الناعمة هي ظهور الأفكار التي تجسدها الدول كروح طيبة طاهرة قابلة للتصديق، مدعومة بافكار متنوعة في مجالات حقوق الإنسان والبيئة والثقافة والرياضة، وبالتالي ترتقي الدول المستخدمة لهذه القوة بقيمها السياسية والثقافية في داخل البلاد وخارجها، لتنجح القوة الناعمة في تحقيق أهداف الدول بهدوء ودون ضجيج أو قتل ودمار، وتحتاج هذه القوى إلى عوامل الوقت والجذب والجهد وأذرع إعلامية متخصصة، لتهيئة الشعوب الأخرى لتقبل الفكر والرؤى والإطروحات التي تنتجها الدول صاحبة القوة الناعمة.

وبفضل القوة الناعمة صعدت الصين في السياسة والإقتصاد العالميين وأصبحت أحد أقطاب الكرة الارضية، كما فرضت الولايات المتحدة سيطرتها على القرار السياسي في عديد الدول بفضل القوة الناعمة، بدعمها تلك الدول مالياً وعسكرياً وإعادة الإعمار فيها، لتعتبر الولايات المتحدة صاحبة القوة الناعمة الأقوى على صعيد العالم أجمع ثم بريطانيا واليابان، وعلى الصعيد العربي فقد استخدمت العديد من الدول تلك القوة من خلال صناديقها المالية للتنمية بدعم الدول المحتاجة لبناء مشاريع تنموية وتميزت بهذا الأمر السعودية والامارات، فيما لجأت بعض الدول للإعلام كقوة ناعمة مؤثرة وتميزت بهذا المجال قطر ومصر والأخيرة احتلت الفكر العربي بالافلام السينمائية، كما تميزت العديد من الدول باستخدام القوة الرياضية الناعمة كطريق لكسر الحصار وإيصال رسالتها للعالم.

وتكمن قوة القوة الناعمة بالقدرة على جذب الآخرين ليكونوا في جانب من يستخدمها، كما تمنحها القوة في شرعنة أفعالها ليراها الآخرون قانونية وشرعية، بفضل سيطرة الدول صاحبة سلاح القوة الناعمة على العقول والقلوب لتجذب الشعوب إليها، بدلاً من استخدام القوة العسكرية التي تجعل الآخرين يبتعدون عن مستخدمها، كما يحصل حالياً مع روسيا في حربها مع أوكرانيا، حيث لم ترافق القوة العسكرية أي قوة ناعمة لجذب الشعوب ومراكز اتخاذ القرار فيها أو حتى منظمات المجتمع المدني القادر على الضغط على رجال السياسة.

أما قوة النعامة فهي ضعف وجبن في اتخاذ القرار والتحدي، فالقوة الناعمة تمنحك القدرة للدفاع عن وطنك وأرضك بشتى الطريق وبالذات السلمية منها، فيما سياسة النعامة تقوم على دفن الراس في الرمل وعدم التحرك، فيسلبون أراضينا ويقتلون شعوبنا وندفن رؤسنا في الرمل ونقول لا نرى، وان شاهدنا نقول دولتنا أولاً لنحميها، ثم ينهبون خيرات الأمة وندعي بأننا لا نراهم، فلا يعقل أن يشاهد صاحب البيت اللص ولا يواجهه، والكارثة الكُبرى أنهم ينهبون تاريخنا ويزورون مستقبلنا ونصرخ بأننا لم نراهم وان ما يحصل هو مجرد اندماج حضارات، وحين يفرضون علينا قراراتهم نحني رؤوسنا بالموافقة حتى أصبحنا عاجزين عن المشي لنقول ونحن نحبو: “هذا تكتيك يا جاهل”.

ما بين سياستي الناعمة والنعامة، أوطان تكبر وتتعمر بهدوء وتُحافظ على دماء شعوبها ورؤوس ترتفع ، فيما على الجهة الأخرى رؤوس تتوارى وتنخفض وتدفن نفسها بالتراب، ظناً منها انها تفعل الصواب بالحفاظ على الذات، فما بينهما في البناء والنهضة ما بين السماء والارض، فيما فارق الشجاعة عن الجبن يتجاوز ألف سنة من الحضارة والمدنية والتطور، فسياسة القوة الناعمة تمنح الدول القيادة والريادة والنهضة والحرية، فيما سياسة النعامة ترسخ معاني العبودية والضياع والزوال المحتوم.

زر الذهاب إلى الأعلى