من فضلك: لست وحدك..
بقلم: بشار جرار
النشرة الدولية –
الدستور الأردنية –
أنا – والعياذ بالله من الأنا النرجسية والمنتفخة- أنا من جيل أخبار ما قبل الحوسبة، وغرف الأخبار الورقية، والطابعات الحبرية عالية الصوت، كهطول حبات المطر وأحيانا زخات الرصاص..
علمنا طيّب الذكر أستاذنا الراحل «أبو صالح» عبد الحليم عربيات، الكتابة للصورة وحسن التقاط اللفافات الورقية المطوّلة من غرفة الرصد، وتقطيعها وضمّها في مجموعات خبرية يتم رسم ملامحها على وقع اجتماع تحرير دائب الانعقاد عمليا، يدير مطبخه شخص واحد فذ، موضع ثقة، وبيديه الصلاحيات التحريرية والإدارية كافة، الكفيلة بإنتاج نشرة أخبار تليق بمشاهديها -من الوزير إلى الغفير- وتحفظ آداب الضيافة لدى أسر الأردنيين ودول الجوار الذين كانوا يتابعوننا أيضا. في ذلك الزمان كانت حتى السفارات – ولا أذيع سرا- ترصد نشراتنا ولا أقول تتابعها فقط.
في عصر الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي والمجتمعات المفتوحة لا تملك أقوى الدول وأعتى النظم القدرة على وصول صورة أو خبر ما ولا حتى البث المباشر لسردية ما، للعالم كله. خير مثال على ذلك، قرار إيلون ماسك بتغريدة من ثلاث كلمات إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، تفيد بقراره -كقطاع خاص- تزويد خدمات «ستار لينك» لإيران، انتصارا لروح الشهيدة ماسا أميني.. طبعا، لا تتم أمور من هذا الوزن، دون مبادرة أو مباركة الحكومة، أو بالأحرى الدول العميقة..
قد لا يكون متاحا للجميع، فرصة متابعة الشأن الأردني خارجيا وخاصة من ساحة الحليف الأكبر والأهم، الولايات المتحدة، حيث تكبر شراكتنا بوتيرة مطردة وزخم أكبر عاما بعد عام، لكن هذا رجاء علني بأن يراعي المرسل والمتلقي في اللغة الإعلامية التقليدية، أمانة الخبر والصورة والسردية، وهي الأكثر خطورة..
تابع المهتمون بالشأن الأردني على مدى أسبوع، الأداء الرفيع للدبلوماسية الأردنية بقيادة سيدنا عبد الله الثاني، حراك مكثف وحضور إعلامي مؤثر ومستدام، في تراكمية رفعت قواعد البناء الذي شيده الراحل العظيم الحسين، طيب الله ثراه. أنت تقدم كأردن ما لديك للعالم، أحيانا تبادر وأحيانا تستجيب لما يفرض نفسه على صنّاع الأجندات الإخبارية، وبعضها يومي وبعضها الآخر أسبوعي، مما يتيح دخول عملية مهنية معقدة، حسابات قد لا تكن ببال أحد.
الخطاب والمقابلة الخاصة لها ثقلها الوازن والطاغي، لكن محرقة الأخبار العاجلة والمثيرة لا يطفئ ظمأها شيء. وهنا مكمن المسؤولية والأمانة.. قبل أيام كان الخبر الوحيد الذي نقلته المحطة الأمريكية الأوسع انتشارا، لا يتجاوز بضع ثوان احتفلت معنا – إنسانيا – بالطفلة الناجية الذي انتشلها نشامى الدفاع المدني من تحت الأنقاض بعد ست وعشرين ساعة في جبل اللويبدة.
في المقابل، لا تخلو نشرة من نشرات المحطات الشقيقية والإقليمية والدولية من فقرة مخصصة للسوشال ميديا، وكم يختلط فيها السم بالدسم. لا يكلف الأمر سوى تقصير من إعلامي محترف بواجبه، أو لا قدر الله ما هو أخطر، وهو بيع ضميره وشرفه المهني لصالح من ثبت استهدافهم الممنهج و»الموسمي» للأردن..
قبل سنوات نهض مجموعة من الزملاء الأجلاء، للدفاع عن الوطن عبر تعرية ودحض الأخبار المزيفة والمسيئة للأردن. يعطيهم ألف عافية، وربنا يقويهم.
أفلا نعينهم بالتريث ثوان معدودات قبل كبسة زر الإرسال أو النشر؟ من فضلك: لست وحدك.. الأردن كله قد يتأذى بما تقول. ولا عذر في تلك العبارة الممجوجة في آخر المنشور: منقول! في هذه الأمور «ناقل الكفر كافر».. ولا يتبجّحنّ أحد باسطوانة حرية التعبير، لأن لا حرية لاتهام الناس وإيذائهم فرديا أو مؤسسيا. هذا الأذى، تتم مواجهته، بلا هوادة وبلا رحمة، عبر آليات عدة منها إعلامي ومنها قانوني (مالي وجزائي) في أعرق ديموقراطيات العالم ومنها بلاد العم سام..