مولد يا دنيا…طرابلس تحتفل بفائض رسائل
بقلم: بقلم: د. فلك مصطفى الرافعي

الشراع تكتب عن طفلة صبية اديبة

النشرة الدولية –

في ذكری المولد الشريف والمبارك ،نصلي ونسلم علی خير البريّة  ،

ونتلمس خطاه والاقتداء بتعاليمه ووصاياه ، واُنعش الذاكرة أن أمر التكليف بالنبوّة والرسالة لم يكن مفاجئا لقريش وشعابها وجوارها ، فقد كان نبيل قومه ورقة بن نوفل خال زوجه الطهورة السيدة خديجة ،يشعر بإقتراب عصر جديد، وأن الارض حُبلی بظهور دِين جديد ..

وهذا الترقّب كان حالة منتظرة بين عشائر اليهود، حيث الحديث التوراتي يكاد يُحدد الوقت والبيئة في حرارة الإعلان عن نبي آخر الزمان ،وان احد سادة مكة يقول لولده إن أدركته فبلغه عني السلام .

..عادة او بدعة حسنة ، الإحتفال بالعيد، ويُقال ان والي اربيل في حينه منذ عقود أول من أجاز مظاهر الفرح،  ونعلم ونسمع ان معظم العواصم والمدن العربية والاسلامية لا تُخفي غبطتها بنشر مراسم الفرح علی ميادينها العامة.

وطرابلس شأن القاهرة في العصر المملوكي لهما تقريبا التقاليد البهيجة نفسها.

هذا العام استضافت (طرابلس) معاني العيد بتميّز مقصود، فكانت مفارق الطرقات جميعها تلحظ بعض الجمعيات الاسلامية والكشفية والاجتماعية، مع مبادرات شخصية وفردية يتبارون في تقديم الحلوی للمارين والعابرين بمركباتهم ،في ابتسامات ومشروع عيون تلمع بدموع كأنها في صلاة وتسليم علی صاحب الذكری .وكان المديح من مكبرات الصوت الثابتة والمتحركة يعلو الهامات والمقامات ،كأننا في ثنايا الوداع بالمزاهر نشدو /طلع البدر علينا /، الی تجمعات تقارب التظاهرة بالتنديد بمخططات فرض الاعتراف بالشذوذ الجنسي ،وتنذر  من يتجرأ من بيئة طرابلس الملتزمة بأهداب التعاليم القرآنية .

وايضا هذا العام خلا من المفرقعات السمجة والاستعاضة بتواشيح:

/يا أبا الزهراء لَيَّا،

فالهوی استولی عَلَيَّ/ .

وقد تَخَيرت التجمعات ان تبقی بعيدة عن مواقع الكنائس حتی لا تُفسر حسب دعاة الفتنة. وخلا المشهد الطرابلسي من اي مظهر توتر بين الجميع ،ممن احتفلوا على الرغم من اختلاف بعض مشاربهم الفقهية ، ويا ليت نشر صُوَر الشرفات المضاءة ليلة العيد تيّمنا بنور الهدی.

ومن شرفتي شاركت البهجة، واخذتني الذاكرة بعيدا استمع من جديد لشرح مسهب وسعيد من والدي يرحمه *الله* ، يحكي لنا اعياد المولد ايام طفولته ببريق لامع في محطات آسرة عن “بركة الملّاحة” في عمق الاسواق الطافحة يوم العيد،  بشراب عصائر الليمون المُحلّی والاكواب علی حافة البِركة للارتواء من شرابها تكريما لصاحب المناسبة .الی احتفاليات المساجد وجوقات المنشدين والجامع المنصوري الكبير وشيخه الجليل توفيق الشلبي يرحمه *الله* والد الشيخ الامام الخلوق علي الشلبي حفظه *الله* وهو يطوف علی الجميع بقوارير ماء الورد وماء الزهر، ينثرها علی المشاركين المتباركين ، وخارج الجامع طاولات عديدة عليها كاسات الرز بحليب والمهلبية لكل عابر هدية، الی سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام وصناديق التمور تنتظر من يَجْبر خاطرها ،

ونهار العيد كان الكثير من باعة شراب الخرنوب والتوت والرمان كلها هدية للمحتفلين علی إيقاع النوبة، وأعلامها وآلاتها الطربية تجوب المدينة من مدارس زوايا صوفية وتعبدية ،تشعل المكان بتقاليدها الاحتفالية كمهرجانات تتنافس في حُبّ المولد وصاحبه. وكانت المدينة حديثة عهد بآلة الفنوغراف وابرته (المتحرُشة)  بالصحون المضغوطة بالاغاني الدينية والمزيّنة بالورود والرياحين . وكان الكثير من اهل الخير يزورون مدارس الايتام وامكنة الارامل لتقديم المساعدات والحلويات ومشاركتهم فرحة العيد.

وكنا في عصر التلفزيون نشاهد ليلتها فيلم ظهور الإسلام وآخرها فيلم (الرسالة )علی جميع المحطات المُلتَقطة إضافة الی توزيع اصناف من الورود الموسمية وثمن الوردة الصلاة علی النبي.

خواطر القديم والجديد تتعانق كل عيد مولد لتوكيد  الهوية الإيمانية البعيدة عن التحريض الطائفي ، بل في لفتات كريمة من مشاركة معظم الطوائف في كل اعيادها .

هذه طرابلس المُفْتَری عليها ،ورجمها بتسميات لا تليق بها كمدينة قدّمت العلماء الافاضل والعلم الراقي المتعطش لسيادة مكارم الاخلاق الحميدة ،والعيش الواحد الكريم ،  وهي البريئة من تُهم التطرف الديني الرافضة لاي شكل من اشكال خارجة عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .

صلاة *الله* وسلامه عليك ياسيدي يا *رسول الله* .

سلاما عليكِ يادرّة المدن المظلومة الصامدة والمرابطة علی قِيمها، وشهامة اهلها وفرحها في المولد الشريف …

والسلام متصل بكل قلب طاهر علی مدی العالم ، كانت ذكری المولد ولادة لآمال وتمنيات ودعاء بالخير والامان منذ وصول موكب الهجرة الی يثرب المدينة المنوّرة بطلع البدر علينا حتی يرث *الله* الارض ومن عليها  .

الشراع

والشراع تكتب عن طفلة صبية اديبة…

تنثر بصوفية صافية مشاعرها ، وحنينها الى ذكريات نستقي منها تاريخ مدينة هي عاصمة مدن العرب والمسلمين في الوفاء لصاحب العيد ، وفي التمسك بالاصالة عميقة التاريخ …ولمن لم يعرف بعد عن المداد  الذي تنثر به فلك مصطفى الرافعي ورودها  العطرة …فليقرأ هويتها بأحرف من نور، ابنة العلامة الاديب مصطفى الرافعي ، ابنة طرابلس جامعة ومرجع العرب والمسلمين اشقاء المسيحيين وعبق التاريخ المشترك

انها فلك وهذه هي صفتها الاولى والدائمة.

حسن صبرا

زر الذهاب إلى الأعلى